الاثنين، 18 أبريل 2011

دور الوالدين فى تنشئة جيل صالح


بسم الله الرحمن الرحيم
بدعوى كريمة من { الرابطة الإسلامية الأرترية في لندن } ألقيت محاضرة في مسجد  ( النجاشي ) التابع للجالية الأرترية في لندن ، وكان  موضوع المحاضرة                [ دور الوالدين حول تنشأة جيل صالح ]، وقد ساور الأخوة شكوكا قوية في إمكانية حضوري للقاء ، وقد كان التوقع من جانبي أيضا صعوبة حضور الأخوة والأخوات للندوة ، وذلك نسبة لتساقط الثلوج التي شلَت حركة المواصلاة في بريطانيا بأجمعها ، ولكن بحمد الله تعالى يسَر رحلتي ، وقد كان حضور الأعداد المقدرة من الأخوة والأخوات من المبشرات الطيبة التي استشعرتُها ، وهو دليل كذلك على جدِية الشعب الأرتري ، والمعروف بصلابته وتحديه للصعاب ، والتعايش مع الظروف القاسية .
أهم وظيفة في الحياة:
من المشكلات التي نعانيها اليوم ، عدم إدراك الوالدين لمهمتها الأساسية  وهي: إخراج جيل صالح يخدم الإنسانية ، ويُسعِدُ الدنيا ، ويعملُ لأخرتهِ أكبر من عمله لدنياه.
موظفان يتحكمان في مصير الإنسانية :
الوالدان اللذان لم يدركا أهميتهما في الحياة ،على الأقل ينبغي أن يقوما بمهمة الموظف الذي يحرص على دوامه ، ويحاسب على أدائه أمام مدرائه ، ولكن لو كان الإنسان موظف أمام مدير من المدراء ربما لنجا منه بالمداراة أو بالإعتذار ، لكن أن تكون مسؤول أمام الله عز وجل فهذا أمر يفزع القلوب ، ويقرع الألباب ، ويحفز الوسنان ، وقد قال المصطفي عليه الصلاة والسلام: ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) فكل إنسان مسؤول عما إسترعاه الله أحفظه أم ضيعه ؟ فهل يتوقع عاقل صلاح الدنيا مع فساد البشر الذين يدبون على ظهرها ؟ وقد قال الله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون) ، نعم هذه سنة الله في خلقه إذا تحقق الصلاح تحقق الفلاح ، وإذا انعدم الصلاح شاع الشقاء مهما بلغ العمل والإجتهاد أقصى مداه.                                                                  
إذن من خلال إدراك المهمة الكبرى؛ على الوالدين الإنطلاق ، وحمل شعلة الإنقاذ لإضاءة ليل البشرية المعتم بنورالإسلام ، وإسعاد الإنسانية المعذبة بمنهج القرآن .
الحصاد المُر:
ما هو نصيب امة محمد – صلى الله عليه وسلم – اليوم في ميدان الأخلاق والإنتاج ؟
زرت العالم الإسلامي بعد مرور سبع سنين عجاف قضيتها في اروبا ، وقد أطلقت أشرعتي نحو الشرق ، وارنبة أنفي تشم عبق التاريخ ، وعنقي تتطلع للمجد التليد ، وقلبي قد غرق تماما في أشواق الحب لبلاد الإسلام . ولكن إعترتني الدهشة من أول ما حطت الطائرة أجنحتها في أرض المطار !!!!!!
- بدءَ كلُ واحد من الناس يريد أن يحزم حقائبه والخروج السريع قبل غيره من غير مراعاة من هو أمامه ، ومن غير النظر في أحوال الكبار والصغار .
- وعند الوصول الى صالة الإستقبال كأن الناس يعشقون النكد ، وتعكير حياتهم ، وتضييع أوقاتهم ، فقد قال لي إبني : لماذا لا يقف الناس على الصف ؟ ولم استطع الإفادة حيث أنني حرت جوابا .
- وإذا تجاوزت خنادق الضباط المكفهرة وجوههم وجدت جيشا جرار كل واحد منهم يطلب منك - بل ينزع منك حقائبك- ويوصلها الى صاحب سيارة أجرة ، يكفيك حالها أن تكتب قصيدة رثاء للمشرق الذي خفت نوره في ميدان الأخلاق  ، هكذا يرى كل قادم من بلاد الله الأخرى ، تذبح الفضيلة ، وتضيع القيم بأيدي أبنائها ، فالرشوة إسمها حلاوة ، والواسطة تمثل قمة التآخي ، والمحسوبية تعتبر صلة الأرحام ، والفش يعتبر ذكاء ،والتحدث بلغة الأجانب قمة الثقافة ...... الخ.
، من الذى ربى هذه الجيوش التي تحمل معاول الهدم لمجتمعاتها؟ فإن قلت فسدوا لفساد الحاكم ، فالحاكم أيضا تربى في حجر بيت مسلم تتردد في جنباته الشهادة ، وتتلى في أرآئكه آيات القرآن ، وتتدارس في مجالسه سنة الحبيب المختار.
البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه :
الأبناء ُ بذرة ، والوالدين تربة ، ووجود التربة المنبتة وحده ليس كافيا لجني الحصاد ، ولكن على الحارث أن يتعهد حرثه بالسقاية ، وإزالة كل الحشائش الضارة من حوله ، وأن يحافظ عليه من الجوائح التي يمكن أن تجتاحه، يا ترى هل إنجاب الأبناء وتركهم فريسة لأصدقاء السوء ، ومنابت الفساد ، وتسليمهم لمحاضن تعليمية أو تربوية       - تغرس في قلوبهم الخرافات والأباطيل والوهن - هل هذا الإنجاب يمكن تمييزه عن إنجاب أي حيوان عجماوي آخر !! وحتى لا نظلم البهائم فهي لا تهمل فلذات أكبادها ، بل تقوم برعايتهم والإهتمام بهم والدفاع عنهم بكل طاقاتها وإمكانياتها ، فهل نكون نحن أقل إهتماما بأبنائنا من البهائم السائمة ؟.
الإبن ليس كرة قدم تتقاذفها الأقدام :
من أغرب الأشياء أن كلا من الوالدين يرمي مهمة تربية إبنه على الآخر !!! فتجد الأب يكاد يلامس بجمجمته الثريا لأنه يكدح من أجل كسب الدراهم ، والأم تتبختر كالأميرة المعشوقة من شعبها لأنها تستطيع إشباع بطونهم ، وكل واحد يتفاخر بإنجازه ، ويرمي تربية الإبن على شريكه ، ويظل الولد يدور بينهما ، فهذا يعطيه مالا وتلك تعطيه طعاما ، وتمر الأيام وتنقضي الليالي ، وإذا ضوء القمر يبرق في شاربيه ، ويخرج من البيت يحمل المعول  يقتات لبطنه ، وينسى حق والديه ، وقد يكون نسي حق المنعم المتفضل جل جلاله ، وإذا بصراخ الوالدين يعلوا بالشكوى ، وتصعد الزفرات الى رب الأرباب ، وتنهمر الدموع من حرقة العقوق ، إنه الحصاد المر ، والثمرة الفاسدة. وفي زمن العجائب تُلقحُ آذاننا يوميا بقصص لا تكاد تُصَدقْ !!! والدةٌ لم تجهِز ابدا ولدها للمدرسة يوما ، واب لم يرَ ولده  حتى بلغ الحلم ( إنها دنيا الخادمات والسهر في التلفاز و ......الخ )  ، بينما كل شعوب الأرض ، وليست الشعوب ، بكل كل رؤساء الأرض وملوكها ، وقادتها وأثرياءها يهتمون بأبنائهم ، ويحيطونهم بالحب والحنان ، ويعلمونهم كل القيم التي يؤمنون بها .
هناك أدوار للأب لا تستطع الأم القيام بها ، وأدوار للأم لا يستطع الأب القيام بها ، فعلى كل واحد منهما القيام بواجبه .

صلاح الولد من صلاح الوالدين :
على الوالدين إصلاح نفسيهما قبل إصلاح ذريتهما ، لأنَ فاقد الشيء لا يعطيه ، ومن كان عاجزا عن إصلاح نفسه فهو عن إصلاح غيره أعجز ، فالصلاح هو عبارة عن قيم، وسلوك عملية، يراها الطفل فيتمثل بها، ويقلدها حتى تنطبع وترسخ في نفسه، ويكون الكلام والتوجيه مجرد تأكيد للثبات وعدم الإبتعاد عن تلك القيم.
وكيف لا يكون الولد صالحا وقد أحاطت به هذه السحائب التي سوف نسردها ،وهي :
1- اعتبار الأبناء نعمة عظيمة من نعم الله تعالى ، ينبغي أن يقابلها الإنسان بالشكر والحمد للمنعم المتفضل ، وللواهب القادر المقتدر .                                      
2- اعتبار الأبناء أمانة من أمانات الله الكبرى التي ينبغي أن يحافظ عليها الإنسان، ويرعاها عن كل ما يتلفها ويضيعها .                                                      
3- انظر للأهل الفساد من حولك ، كيف يتصيدون عقول الناشئة لإضلالهم فلا تنم غافلا ، ولأبنائك مضيعا ، ولغيرك منجبا  .                                                      
4- الإكثار من الدعاء أن يوفقك الله للقيام بواجبك ، والنجاح في مهمتك .
5- معرفة ما يريده الله منك في شأن أسرتك ، والنظر في منهج الأنبياء في التربية ،واستصحاب سيرة سلفنا الصالح ، والأخيار من أبناء هذه الأمة ، وأهم ما طلبه الله منا هو وجوب تعليم أبنائنا للعقيدة السليمة  ، لأنها تلامس الفطرة السليمة فيعيش الطفل منسجم مع فطرته ، وهذا ما كان يفعله الأنبياء رضوان الله عليهم، حيث قال سيدنا نوح عليه الصلاة والسلام : ( يَا بَنِيَّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ) وكذلك يقول تعالى عن إبراهيم عليه السلام  (ووَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ ويَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ) وفي أول وصايا لقمان لأبنه تحذيره له  من الشرك قال تعالى (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )  و نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم  يوصي ابن عباس رضي الله عنهما فيقول: ( يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله.
أم سليم الرميصاء أم أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين أسلمت وكان أنس صغيراً ، لم يفطم بعد ، فجعلت تلقن أنساً قل : لا إله إلا الله ، قل أشهد أن لا إله إلا الله ، ففعل ، فيقول لها أبوه : لا تفسدي على ابني فتقول : إني لا أفسده
يقول بن القيم:
( فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه, وتركه سدا فقد أساء غاية الإساءة, وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه, فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم,ولم ينفعوا آباءهم كباراً).
اقطعوا يدّ أمي:
عبارة كررها شاب أصدر عليه القاضي حكما بالسجن بعد ثبوت جريمة السرقة عليه، وقد حكى أنه عندما كان صغيرا سرق بيضة من الجيران ، فعندما أخبر أمه بذلك تهللت له وضحكت ، فرسخ في ذهنه من وقتها بان السرقة ليست حراما ولا عيبا .
نماذج من الآباء الصالحين :
والد عبد الله بن المبارك، كان يعمل بستاني ، ولما طلب منه صاحب البستان أن يحضر له ولضيوفه رمان حلو  ، إذا به يقطف لهم رمان حامض ،
فقال صاحب البستان: أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟!!
فقال له: أنت لم تأذن لي لأعرف الحلو من الحامض.. فقال: أنت من كذا وكذا سنة تحرس البستان وتقول هذا وظن أنه يخدعه، فسأل الجيران، فقالوا: ما أكل رمانة واحدة منذ عمل هنا، فقال له صاحب البستان: يا مبارك ليس عندي إلا ابنة واحدة فلمن أزوجها؟ قال المبارك: اليهود يزوجون للمال، والنصارى للجمال، والعرب للحسب، والمسلمون يزوجون للتقوى ـ فمن أي الأصناف أنت؟ زوّج ابنتك للصنف الذي أنت منه،فقال: وهل يوجد أتقى منك، ثم زوّجه ابنته.
البخاري :
وهذا والد الإمام البخاري يقول عند موته "والله لا أعلم أني أدخلت على أهل بيتي يومًا درهمًا حرامًا أو درهمًا فيه شبه" فإذا ولده يصبحُ إمامُ الدنيا في الحديث .              
محمد بن المنكدر يصف الطريق لولده:
ويقول لولده:  والله يا بني إني لأزيد في صلاتي ابتغاء صلاحك. انظر كيف كان فقهه لوسائل الصلاح ،ونحن ندَخرٌ لأبنائنا كنوز الدنيا ، وهو يدَخرُ لهم ركيعات في جوف الليل .                                                                                               
الدعوة الصالحة تصل السابع من الولد :                                                       لقد كانت بداية عيسى عليه السلام قديمة لما كانت جدته - أم مريم امرأة عمران - تدعو الله سبحانه وتعالى لمن في بطنها ولذريته أن يقيهم الله - عز وجل من الشيطان الرجيم -، فلما حملت امرأة عمران توجهت إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء قائلة: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّراَ فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ . فإذا بدعوة الأم تسري الى الأحفاد فكانت دعوة الجدة لحفيدها ساريةً من ذلك الجيل إلى الجيل الذي بعده، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (ما من مولودٌ إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها) ثم يقول أبو هريرة : [واقرءوا إن شئتم ( وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ) لقد كانت تلك الدعوة الصالحة سياجا يحمي الأبناء والأحفاد من همزات الشياطين.
                                     وكان أبوهما صالحا :
رجلان أتيا إلى قرية أهلها بخلاء لم يطعموهما ، وليست هذه القضية بل العبرة أن الله عزَ وجل أرسل نبيا من الأنبياء ورسولا من أولي العزم من الرسل ليصلحا جدارًا هجره أصحابه وهما "صبيان صغيران" يعيشان في مدينة أخرى، فيقيما الجدار ويصلحاه، وكلنا نعلم أن هذا الجدار كان فيه مال لأبناء أيتام ، وقد حفظ الله هذا المال ليس لصلاح الأبناء ، بل لصلاح الأب . كما قال الله تعالى:                                                                                          
(أَمَّا الجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي المَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً)75-82 الكهف.
كان أحد العلماء "أبو المعالي الجويني" ينسخ بالأجرة، ويتكسب وينفق على زوجته وابنه الرضيع, وكان قد أوصى زوجته ألاّ تمكّن أحدًا من إرضاعه، فدخل مرّة وقد أخذته إحدى الجارات فرضع قليلاً!! فما كان منه إلا أن أدخل إصبعه في فيه حتى جعله يقيئ جميع ما شربه وهو يقول: يسهل عليّ أن يموت ولا يفسد طبعه بشرب لبن غير أمه!! مصة أو شربة واحدة ولكنها   قد تفسد صاحبها.
وكذلك فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما أُتي بتمر الصدقة فأخذ سبطه الحسن بن علي -رضي الله عنهما- تمرة منها وجعلها في فيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كخ كخ ليطرحها ثم قال: أما شعرت أنّا لا نأكل الصدقة"!!رواة البخاري.
هذه أساسيات أو مصادر الصلاح ، أما الوسائل المساعدة في الصلاح فكثيرة ، ويمكن أن نجمل بعضها في النقاط التالية :
1- التعليم ، وخاصة العلوم الشرعية .
2- القدوة الحسنة .
3- تحميل المسئولية .
4- العدل بين الأبناء .
5- خلق جو اسري جذاب .
6- التشجيع الدائم ، وحثهم على الازدياد من الخير دائما .
7- الرأفة بهم عند ارتكاب المخالفات، والتغاضي عن توافه الأخطاء .
8- اخذ أسئلتهم واستفساراتهم بجدية وإحترام.
9- منحهم العاطفة والحنان .
10 – إعطائهم الأذن المصغية ، واللحظ النافذ .
هذه كانت أبرز النقاط التي دارت مع الأخوة ، نسأل الله أن ينفع بها قارئها .

محمد جمعة أبو الرشيد .
بريطانيا.
Mja741@hotmail.com

الجمعة، 15 أبريل 2011

رحيق المنابر (7) : لذة العبادة

لذة العبادة

بسم الله الرحمن الرحيم                                
الحمد لله والصلاة والسلام علي اشرف خلق الله سيدنا محمد إبن عبد الله وعلي آله وصحبه ومن ولاه .                          أما بعد :
قال الله تعالي في سورة الرعد : ( والله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدوِ والآصال ) فسبحانه قاهر الجبابرة له العظمة والكبرياء دان له كل شيئ وخضعت له كل المخلوقات ، يسجد له كل شيئ طوعا من المؤمنين ، وكرها من الكافرين ، كل من أدرك عظمة الله خشعت جوارحه وغاص في بحور الحب قلبه وابدي ضعفه وتبرأ من كل حول وطول إلا حول الله وقوته  ولذالك كان رسول الله صلي الله عليه وسلم اشد الناس حبا لله لأنه أعرف الناس بجلال الله وعظمته ، فمن اقوي من الله ؟ ومن أولي بالحب والتعظيم غير المنعم المتفضل سبحانه جل جلاله؟
خطبة اليوم هي مواصلة للخطبة الماضية التي تعرضنا فيها لشروط العبادة ، واليوم نتناول ( لذة العبادة ) إذن الخطبة ليست للذين إستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، وإن كان أولئك أولى بالنصيحة، وهي كذالك ليست للمقصرين الذين أهملوا عباداتهم وتهاونوا فيها وضيعوها ، ولكن الخطبة اليوم للأخت القانتة العابدة المصلية وللأخ المصلي العابد المجتهد ، لماذا الكلمة لهم وهم في خير ؟ هذا صحيح ولكن المصيبة حتي هؤلاء يشكون من قسوة القلب وجفاف الروح ، فلا يجدون راحة اثناء صلاتهم ولا لذة بعدها ولا سكينة في القلب ولا راحة في الضمير ولا سعادة في النفس ، مع أنهم يتعاطون البلسم الشافي والدواء الكافي ، والأسباب عديدة ومنها الإخلال بشروط العبادة التي تناولناها في الخطبة الماضية ومنها أمور سوف نستعرضها اليوم أنشاء الله .
علي الخبير وقعنا .
 قال الإمام أحمد إبن حرب رحمه الله : عبدت الله خمسين سنة فما وجدت حلاوة العبادة حتي  تركت ثلاثة أشياء :
* تركت رضي الناس حتي قدرت أن أتكلم بالحق .
* وتركت صحبة الفاسقين حتي وجدت صحبة الصالحين .
* وتركت حلاوة الدنيا وزخارفها والتهافت فيها  حتي وجدت حلاوة الآخرة .
البشرية كلها تبحث عن راحة القلب وسعادة النفس ، فاين سوقها ؟
^ سوقها في جلسة هادئة خاشعة يتلى فيها كتاب الله مع التدبر والتأمل والإعتبار ، مع الثناء والمدح لله سبحانه وتعالى مع الإستغفار من الذنوب والتوبة من السيئات ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ).
..... التأثير الفاعل في روح العبادة لا في حركاتها ، ما فائدة حركات والقلب لا ه غافل ، قلوب العباد خاشعة مخبتة حاضرة متأثرة .                                                      الإستعداد للعبادة : فهذا الحبيب تقول عنه عائشة: كان يحدثنا ونحدثه ويمازحنا ونمازحه فإذا جاء وقت الصلاة كأن لم يعرفنا ونعرفه .
قال سعيد إبن المسيب : ما دخل علي وقت الصلاة إلا وقد أخذت أهبتها .
قال ربيعة إبن يزيد: ما اذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضا أو مسافرا. وإن أنسى لا أنسى الأ ستاذ / علي حسن آدم ازوز ( فك الله اسره )كنا مرة نسافر من حاضرة الى بادية  وقد تأخرت بنا الحافلة حتي كاد وقت المغرب يمضي وكان الأستاذ في قمة الضيق وكأن مصيبة وقعت في أهله، وبعدما نزلنا من الحافلة لم يلتفت الينا بل بدأ يركد الي المنزل كأنه رجل إسعاف ، للأسف هو وأمثاله من – الأخيار- ما زالوا يرزحون في سجون الجبهة الشعبية منذوا سنين طويلة  لا يدري عنهم أحد !!!!!!!!! ولن يستقيم حال البلد وخيار أبنائه في المعتقلات والسجون والمنافي .
كانوا يبعدون كل ما يشوش القلب أثناء الصلاة ولذالك من السنة أن تقضي حاجتك قبل الدخول في الصلاة طعاما كان أو غيره ، وإذا كان الشيئ الشاغل أمامك تزيله عنك مثل ما فعل النبي عليه الصلاة والسلام ( عندما كان يصلي مرة راي أمامه – خميصة – ثوب له أعلام فقال: ( ألهتني آنفا عن صلاتي ).
قال قتادة : كان هرم إبن حيان يقول : ما أقبل عبد بقلبه الي الله ، إلا اقبل الله بقلوب المؤمنين اليه ، حتي يرزقه ودهم .
قال إبن المبارك : قيل لوهيب هل يجد العبادة من يعصي الله ؟ قال: ولا من يهم بالمعصية .
لما نزل الموت بالعابد الزاهد ( عبد الله إبن إدريس ) وإشتد عليه الكرب فاخذ يشهق ، بكت إبنته فقال لها : لا تبكي يا بنيتي فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة كلها لأجل هذا المصرع .
أما عامر إبن عبد الله إبن الزبير فلقد كان علي فراش الموت يعد أنفاس الحياة وأهله حوله يبكون ونفسه تحشرج في حلقه وقد إشتد نزعه وعظم كربه فسمع النداء للصلاة فقال لمن حوله أحملوني الي المسجد:  فذهل الناس وقالوا له علي هذه الحال: قال نعم : اسمع منادي الصلاة ولا أجيبه – سبحان الله – ؟ خذوا بيدي فحملوه بين رجلين فصلى ركعة مع الإمام ثم مات في سجوده .
والشيخ عبد الحميد كشك الذي كان يسأل الله دائما أن يقبض الله روحه وهو ساجد ، ذكرت زوجته في صبيحة يوم الجمعة دخل كعادته الي الحمام واغتسل وتطيب وخرج مسرعا يقول أين السجاد ؟ قالت زوجته  فناولته إياها: فبدا يتنفل فإذا به تقبض روحه وهوساجد .
كيف أستطيع أن أحصل علي اللذة ؟
1- مجاهدة النفس : تعب البدايات وراحة النهايات ، قال ثابت البناني : كابدت الصلاة عشرين سنة وتمتعت بها عشرين سنة .
وقال بعضهم : سقت نفسي الي الله وهي تبكي وتشتكي وتتعلل فمازلت بها حتى انساقت اليه وهي تضحك . والأمر كما قال الله تعالي: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )
2- الإكثار من فعل الخيرات والنوافل والإستغفار . وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتي احبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به .......الخ.
3- صحبة المجتهدين وترك البطالين .قال جعفر إبن سليمان :كنت إذا وجدت في قلبي قسوة غدوت فنظرت الي محمد إبن واسع كأنه وجه ثكلي ( وهي التي مات ولدها ) .
وقال عمر إبن ميمون إبن مهران : طلب مني أبي أن أصحبه الي الحسن البصري ، فلما طرقنا عليه الباب خرجت علينا جارية فقالت من ؟ فقال أبي ميمون إبن مهران ، فقالت كاتب أمير المؤمنين عمر إبن عبد العزيز قال نعم : قالت ما أبقاك الي هذا الزمان السوء؟ فبكي رحمه الله ، فلما دخلنا عليه قال يا حسن استكن لي قلبي : فقرأ عليه قول الله تعالي ( أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغني عنهم ما كانوا يمتعون ) قال فأغمي عليه وجعل يرفث كالشاة المذبوحة فلما افاق ذهبنا فقلت له يا ابي هذا هو الحسن مازاد إلا أن قرأ لك آية من كتاب الله : فوكزني ثم قال: والله يا بني لقد قرأ علينا آية لو فقهها قلبك لوجدت فيه كلوما ( أي جرح )  .
وهنا مربط الفرس :  القرآن وتدبره أكبر العبادات وأقوي الأنوار، الشفاء والدواء والغذاء والنور والهدي كتاب مبارك أنزله الله لنتدبره ونعمل به فهو دستور حياتنا وشفاء أسقامنا وعلاج أمراضنا فنحن به كل شيئ ومن غيره لا شيئ ، كان الصحابي يسنع الآية فيخشي قلبه ويقشعر بدنه وتدمع عينه وتقوي طاقته وتسموا روحه وتطيب نفسه ، فأين نحن من كتاب الله ؟ وصدق الله العظيم ( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) ، فلا راحة ولا سلامة ولا طمأنينة لهذه البشرية المعذبة الا بالرجوع الي كتاب الله ، فإلى القرآن يا أمة القرآن ففيه الخير والهدي والسعادة في الدنيا والآخرة   .
الجدار الفولاذي بين السعادة والقلب .
4- الذنوب في القلوب أقوي من الجدار الفولاذي الذي يبنى علي مشارف غزة ( أعزها الله ونصرها ) فكم من نظرة فتكت بالقلب! وكم من شهوة اورثت ذلا! وكم من ذنب ضيع رزقا! وكم من معصية حرمت قيام الليل! وكم من شهوات كانت قيود عن طاعة الله! فهي حجاب تطمس البصيرة وتذهب نضرة الوجوه ونور القلوب وبهاء الروح ،وأعظم عقوبات الذنوب حرمان لذة الطاعة ، قال بعض أحبار بني اسرائيل: يا رب كم عصيتك ولا تعاقبني ؟ فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري اليس قد حرمتك حلاة مناجاتي .
وأخيرا الدعاء الدعاء : فهو الشفيع الذي لا يرد فأرفع اكف الضراعة وتذلل وازرف دموع  الأشواق والندم وتعلق بالذي لا يخيب مؤمله ولا يرد سائله ، أن يمن عليك بلذة العبادة .
فقد قال العبَاد : مساكين أهل الدنيا  خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها ، قيل وما أطيب ما فيها ؟ قالو محبة الله ومعرفته وذكره :
وقال بعضهم بعدما تذوق لذة العبادة لويعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف .
وكان إبن تيمية- رحمه الله – يكثر من ذكر الله تعالي فيجد في قلبه سعادة غامرة وفرحة مبهجة فيقول: ( إن في الدنيا لجنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة) .
وكان الداراني يتعبد حتي يجد النشوة في قلبه فيقول : إن أهل الليل في ليلهم الذ من أهل اللهو في لهوهم وإنه لتأتي علي القلب أوقات يرقص فيها طربا من ذكر الله فاقول : لو أن أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب .
إخواني وأخواتي في الله أكتفي بهذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات إنه غفور رحيم .
   وبارك الله في كل من يتواصل معي ، والى لقاء قادم إنشاء الله . 

رحيق المنابر (4) : الأم

الأم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله  حمدا يليق بجلاله وعظمته وكبريائه ، ونصلي ونسلم علي  أشرف خلقه سيدنا محمد إبن عبد الله وآله وصحبه ومن إتبع هداه .
خطبتنا اليوم حول جندية مخلصة وحارسة أمينة قمطها الناس حقها وهم منها وقصروا فيها وهو لايستغنون عنها ، تسهر الليل والنهار من غير إنتظار أي مقابل ولا طلب شكر او ثناء أحد ، إنها ( الأم )  التي كرمها الإسلام وحفظ لها حقوقها وقدر تعبها وعنائها وكبدها ، تصور يا عبد الله أن أمك حملتك في بطنها تسعة أشهر ، إنسان يحمل في بطنه إنسان !!! لو أن رجلا أمر بحمل إبنه في عاتقه يوما كاملا من غير أن يضعه في الأرض لقرر التخلص منه ولوئده ورماه عن عاتقه في قارعة الطريق ، لكنها الأم مصدر الخير وينبوع الحنان  تحمله في بطنها ثم في حجرها وتظل ترعاه حتي لو بلغ من الكبر عتيا .
جاء رجل الي النبي عليه الصلاة والسلام وقال له :( من أحق الناس بحسن صحابتي؟  قال أمك قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من ؟ قال: أبوك)
فأثبت لها النبي عليه الصلاة والسلام حقا زائدا لها في حسن المعاملة وبذل المعروف صحيح طاعة الأب واجبة لكن الإهتمام الزائد والأولوية الملحة لها ، وما سميت الأم اما الا لأنها تؤم بيتها  ( أي تقوده )و أم القوم سيدهم وأم الكتاب الفاتحة وسمي الأمام الشافعي كتابه ( بكتاب الأم )لإحتوائه علي أمهات المسائل، ولست اتكلم اليوم عن حقوقها ولا مكانتها في الإسلام، وإنشاء الله أعد أخواتي الفضليات أن يكون لنا مع ذالك وقفات ووقفات ، لكن موضوعنا اليوم مقصور فقط في ( واجبها الذي لا يستطيع أحد غيرها القيام به )
والأمهات تجاه هذا الواجب نماذج و أنواع :
*النوذج الأول : أم مثالية تقوم برسالتها( تربية أبنائها ) تسهر الليل والنهار، أول من يقوم وآخر من ينام تعد الطعام وهي آخر من يتذوقه تشقي لراحة غيرها ‘ إذا تنفس الصبح تجدها أعدت لأبنائها وزوجها طعامهم وملا بسهم وكل ما يحتاجون اليه وتودعهم بكل حب وحنان وبسمة كأنها قطعة قمر في رابعة السماء ، وإذا عاد أفراد الأسرة في المساء كفكفوا عناء التعب في قصر الأم العطوف و كأنهم عادوا من صحراء المتاعب الي دوحة غناء ملؤها الفل والياسمين وطلاؤها اجمل الكلمات وأعذب الألحان وضياؤها بسمات الأم الحنون والزوجة العطوف كل شيئ مرتب ومنظم، الأشياء وأوقات الطعام وساعات المذاكرة ولحظات الإستجمام وراحة الزوج ومستلزماته كل شيئ في وقته وزمانه، لا تطلب لنفسها شيئ وإن كان من حقها ذالك ،وتخفي تعبها ولها التلويح به إن ارادت، يقول عنها صلي الله عليه وسلم: ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ) ، أنظروا رحمكم الله  الي كلام الأم كيف تنظر الي أبنائها،  قالت امرأة : يا رسول الله , إن أبني هذا , كان : بطني له وعاء, وثديي له سقاء, وحجري له حواء , وان أباه طلقني , وأراد أن ينتزعه مني ! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم :« أنت أحق به ما لم تنكحي »
تأمل اخي الحبيب وأختي الفاضلة الي هذه الكلمات النيرة من أم كريمة أدركت رسالتها   
بطني  وعاء: ( الحمل الطبيعي المبارك )
ثديي  سقاء   : ( الرضاعة الطبيعية ، ولبن الأم أفضل غذاء للطفل )
حجري  حواء : (إعطاء الحنان وغرس المحبة ، ومن فقدهما أهلك الحرث والنسل )
والأب لا يستطيع أن يحمل طفله في بطنه ولا أن يرضعه من ثديه ولا أن يحتويه في حجره ولو طلب منه ذالك ربما تحمل هذا لسويعات مع شدة المشقة وكثرة الضجر والتأفف .
وقالت خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها للنبي وهي تجادله في شأن زوجهان- وهي واحدة من القصص الرائعة التي تعالج مشاكل البيت المسلم- ومما قالت رضي الله عنها : إن لي صبية صغارًا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا،  تأمل كلامها :
إن ضممتهم إليه ضاعوا : فهي تعرف مسئوليتها وتعتبر تخليها عن أبنائها ضياع لهم فهي المحضن الآمن والحضن الدافئ.
* والنموذج الثاني من الأمهات : ام كل همها جمال جسدها وراحة نفسها وإشباع رغباتها تقف أمام المرآة ساعات وأمام المسلسلات ساعات ومحادثة الهاتف ساعات تضيع سحابة نهارها بين النظر في جمال الجسد  ودهشة المسلسلات ونجوي القيل والقال أما الأبناء فهم آخر إهتماماتها لا يهمها إن نجحوا في المدارس أو حفظوا القرآن، إن غابوا عن البيت لا تسألهم أين كانوا؟ ولا لماذا تأخروا ؟  
والمشكلة عند هذه الأم انها قدمت إستقالتها تماما عن واجب التربية وجعلت كل همها مناكفة زوجها إن أخطأ الأبناء قالت للزوج أنظر أبناؤك ما ذا يفعلون ؟ وإذا لم ينجحوا قالت له هذا بسبب تقصيرك - يحكي أن رجلا في بلادنا كان يرعي الأغنام في سفوح الجبال وما اشق رعي الأغنام وأنا (المجرب فأسألوني)  ولما يعود كان يعود الي أم عمرويبدوا كان أخلاقها أسوء من خلق الغنم فكان يشكي حاله لله ويقول : يارب  صبر هبني معاليي دبر إمن ومئتايي ديب أم عمر )  وترجمة المثل من (التقري) [اللهم اعطني الصبر نهاري في جبل الحجار ورجوعي الي أم عمر ]     وهو أشبه بالمثل العربي القائل( أطوف ما أطوف ثم آوي الي بيت قعيدته لكاع)- وهو مسكين لا يدري هل يعد الطعام بعد العودة من العمل ام يذاكر للابناء ام يرتاح من عناء التعب أم يبدي الإعجاب بذالك الجسد الذي ظل يتزين طول نهاره ، وانا اقول: أيتها المسكينة انتي غافلة لاهية  ولا شك أنكي مسؤلة أمام الله عز وجل وذالك مصداقا لقول الصادق المصدوق عندما قال: (والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها )  فلو إعتقدتي للحظة أن زوجك سوف يقوم بواجب تربية الأولاد فأنتي واهمة لأن خصائصه ووقته وطاقته لا تسمح له بذالك ، ولن ينفعك الندم عندما يضيع منك الأبناء ويطلقك الزوج وتهدمي بيتك.
*النموذج الثالث من الأمهات : هي أم مخلصة وتقية وحريصة ولكنها لا تملك أدوات التربية ولاهي تحاول تطوير نفسها وكل ما تفعله وتعتبره إنجازا كبيرا جدا هو أن ترسل ابنائها الي المدارس الإسلامية وحلقات تحفيظ القرآن الكريم ( نقول لها جزاك الله خيرا ) ولكن المدارس والحلقات هي مجرد أدوات مساعدة لكن التعليم الحقيقي يتم في البيت بدءا من القدوة الصالحة والتوجيه والإرشاد والتعليم وفاقد الشيئ لا يعطيه .
 أيتها الأم الكريمة إذا لم يقتنع بك إبنك اقتنع بغيرك وعمل بتوجيهاتهم ، كل طفل  وهو في مرحلة التعليم يحتاج الي من يوجهه ويعلمه ولذالك إما أن يجد عندك ما يحتاجه أو يبحث عنه عند غيرك ، وفي [الغرب] عادة يعتمد الطفل في المعلومات الخاصة جدا علي أصدقائه او المدرسة وقد يكون الصديق فاسدا والمدرسة توجيهاتها لا توافق الدين وخاصة البنات ، فالبنت تحتاج اليك أيتها الأم، وأخطر شيئ أن تستغفلك ويتمكن منها الشعور بأنك لن تستطيعين أن تفيديها فهي لا تستطيع سؤال الوالد غالبا ولا تجد ما تبحث عنه عندك، وخاصة قضية المشاعر والأحاسيس والتفهم العميق لمتطلباتها وشعورها ، وهذه هي واحدة من أقوي الأسباب التي تجعل البنت تقع ضحية لنداء عاطفتها وشعورها وأحاسيسها المكبوتة التي لم تستطع الأم إشباعها لها  فعند أول كلمة ثناء وإعجاب  تسمعهامن أي شاب ترتمي بين أحضانه وتظن أنها وجدت جنتها المفقودة التي حرمت منها-  [ وأشكر الأخوات الآتي أرسلن الي يطلبن المزيد من الشرح المدعوم بالأدلة للمواقف النبوية التي سردتها في الخطبة الماضية  وقد فعلت ذالك بتوفيق الله ) -    إذن لا تقولي انا امية ، الأمية هي  التي عطلت ملكاتها ورضيت أن تعيش عالة علي غيرها مع وجود كثرة القنوات التي تعلم فنون التربية سواء كان في النت او التلفاز او المساجد ، المشكلة أنك لم تكلفي نفسك عناء البحث مع أن (طلب العلم) في ديننا فريضة علي كل مسلم ، وأكثر عظماء التاريخ نشؤوا في أحضان  أمهات أميَات من حيث{ القراءة والكتابة} ولكنهن عظيمات من حيث الفهم والقيم والمبادئ والأخلاق ، ولم يعد اليوم  الوقت هو الوقت ولا الزمن هو الزمن  ولا الصراع هو الصراع  حتي نجلس ونكثر الحجج إنه عصر البقاء للأقوي وأدواته البذل والتضحية والعلم .
أيتها الأم أيها اللحن الجميل والنداء المحبب يا اساس البناء ومصدر الخير ومربية الأبطال والحكماء والقادة والساسة ورجال الدعوة والرأي والفكر ، يا أم المناضلين والشهداء ، من رحمك خرج الأنبياء وفي أحضانك ترعرع الفاتحون ومن ثدييك رضع العادلون أنت ام تلك النماذج  الخيرة التي ملأت الأرض عدلا وبذلا وعلما وتضحية وإخلاصا وفداء ا.أنت أم  عمر الفاروق و خالد إبن الوليد وابوعبيدة إبن الجراح و سفيان الثوري و مالك إبن انس وصلاح الدين الايوبي وعائشة الصديقة وأم سلمة المجاهدة العالمة  وابو حامد الغزالي و الخنساء الشاعرة الحصيفة و إبن تيمية و حسن البنا وحامد عواتي وإبن عثيمين و إبراهيم المختار ومحمد علي زرؤوم و محمد إسماعيل عبده و....الخ   وقافلة لا تنتهي من علماء غيروا وجه الدنيا حتي غاصوا في أعماق البحار وأعماق النفوس وصعدوا فوق القمر كلهم ثمرتك أيها الأم .
وصدق شوقي :
الأم مدرسة إذا أعددتها                      أعددت شعبا طيب الأعراق
أيتها الأم : كلمة طيبة تصدر من قلبك المبارك قد تبني إنسانا يترك بسماته علي وجه الكون وغرس حنان من يبنوعك الفياض علي قلب انسان صالح قد يطوي الفساد طيَا .
واليكم نماذج بسيطة من مدرسة السلف الصالح :   
* يقول وكيع بن الجراح: قالت أم سفيان المحدِّث لولدها سفيان: اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة فاتبعه وإلا فلتتبعني. فذهب فكتب عشرة ثم عشرة ثم عشرة حتي سار أمير المؤمنين في الحديث .
* وهذا حذيفة بن اليمان تسأله أمه: يا بني، ما عهدُك بالنبي  ؟ قال: من ثلاثة أيام، فنالت منه وأنَّبته قائلة: كيف تصبر يا حذيفة عن رؤية نبيك ثلاثة أيام.
فيلزم حذيفة قرظ النبي صلي الله عليه وسلم حتي يصبح صاحب سر رسول الله صلي الله عليه وسلم .
* أسلمت أم سليم وكان أبو انس غائبا فلما رجع رآها تلقِن أنسا الشهادتين وتشير اليه وتقول له : قل لا إله إلا الله، قل أشهد أن محمداً رسول الله، ففعل وهو يتتعتع فيقول لها أبوه: لا تفسدي عليَّ ابني، فتقول: لا أفسده بل اصلحه، فلما كبر أتت به النبي وقالت له: هذا أنس غلامك، فقبَّله النبي . حتي سار خادمه وأحد أعظم رجالات الإسلام العظام .
*والخنساء تعظ أبناءها قبل معركة القادسية تقول لهم: إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وإنكم لابْنُ أبٍ واحد وأم واحدة، ماخنت أباكم، ولا فضحت أخوالكم. فلما أصبحوا باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قُتلوا، ولما بلغها خبرهم ما زادت على أن قالت: الحمد لله الذي شرفنيبقتلهم، وأرجو ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
ايها الأخوة والأخوات لو أطلقت العنان لقلمي في ذكر النماذج التي قدمتها الأم للأمم والشعوب لما كفانا سفرا تحمله الجياد وتجري به القطارولكن قليل يوعي خير من كثير ينسي  .
أ رجوا من إخواني وأخواتي أن يمدوني بنماذج حية من واقعنا الأرتري سواء كانت امك التي ربتك أو ام أثمرت لنا نماذج فريدة نساء ورجالا ، فنحن للأسف أفقر شعب في هذا المجال لم نوثق سيرة الأكارم وأهل التضحيات والبذل في مجتمعنا    ( وخاصة الأمهات ) وما أكثرهنَ .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم . والي خطبة قادمة انشاء الله

رحيق المنابر (5) : الأب


محمد جمعة ابو الرشيد
23/1/2010م

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملئ السموات وملئ الأرض وملئ ما بينهما ....
وأصلي واسلم علي أشرف المخلوقات وأعظم الأنبياء والرسل صاحب الحوض المورود واللواء المعقود ، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وتركنا علي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك ( فلا تكن من الهلكي ) وعليك أخي المؤمن وأختي المؤمنة التمسك بالكتاب والسنة والإعتصام بحبله المتين .
موضوع خطبتنا اليوم حول ( الأب ) وأرجوا ألا يفهم القارئ أنني اجري مقارنة بين الأم والأب ، أعتقد أن كليهما في مركب واحد وقد تتفاوت المهام والمسؤوليات وفي الأخير ينبغي أن تتكامل ، فأنت أيها  الأب الرأس و الرئيس والقائد العام وزعيم الربان وحامي الحمي ودثار العريان إليك تنتهي – بعد الله - حل المعضلات والقيام بالمهام الجسام أنت عماد البيت وسقفها و موطن الأمن وحامي البيت وحارسها الكل يخضع لأوامرك بعد الله وتسري في الجميع تعليماتك [ طبعا المقصود هو الأب في زماننا ولست احكي عن الأجداد ، أليس كذالك ؟......... ]  .
أيها الأب الكريم : حملك الله  حماية نفسك وأهلك حيث قال الله تعالي ( يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) ولن تسطيع أن تحمي أهلك حتي تكون قادرا علي حماية نفسك   فمن كان عاجزا علي إصلاح نفسه فعلي إصلاح غيره أعجز.
الخطوة الأولي : إصلاح النفس ، ومفتاح الإصلاح العلم فمن رضي بالجهل ضَيع نفسه وأهله لأن الجهل كما يقال جريمة فالجاهل عدو نفسه وأهله وكما قال الله تعالي ( البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ) ، فطريق الإصلاح والتغيير والنهضة والتقدم وطريق النجاة من النار هو{ العلم والمعرفة} ورحم الله الإمام البخاري الذي عنون بابا في كتابه الجامع سماه ( باب العلم قبل القول والعمل ) وإستدل بقول الله تعالي ( فأعلم أنه لااله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات )
ايها الأب الكريم: أنت مطالب بتعليم أبنائك كتاب الله وسنة رسول الله قولا وعملا وتطبيقا فلا ترضي بالعجز والهوان وكما قيل : ولم ار في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين علي التمام ، فأقبل علي النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
والحل : حضور مجالس العلم ومجالسة العلماء والإكثار من القراءة ، وهذه وصاياي لك   فأنتفع بها.
أولا- إبدا يومك بالحرص علي صلاة الفجرولا يبول الشيطان في أذنيك ولا تتحجج ببعد المسافة وخاصة لو كان لك وسيلة تسهل عليك الوصول، وتحضرني قصة أحد اصدقائنا الذي كان يشكوا من صعوبة الإستيقاظ لصلاة الفجر وقد نصحناه بكل الوسائل المعينة  علي القيام كترك السهر والنوم بعد صلاة العشاء مباشرة وهي( سنة نبوية مهجورة ) نسال الله العفو والعافية ، وكذالك نصحناه أن يضع-  المنبه -  فوق الدولاب حتي  يضطر للنهوض عن فراشه وكل المحاولات لم تجدي نفعا الي أن قيَد الله له سببا عجيبا حيث استقظ في ليلة بيضاء يتواصل فيها تساقط الثلوج ففتح نافذة البيت ونظر الي الخارج وكان قبيل وقت صلاة الفجر وهو يهم بالرجوع الي فراشه فإذا به يري في الخارج عجوزا شمطاء تتمايل في الثلج وقد خرجت بكلبها حتي يتمكن من قضاء حاجته ويشم شيئ من الهواء!!!فإذا به يتأمل في سبب خروجها في هذا السن وعلي تثاقله مع القدرة  عن أعظم عبادة ربانية و لعظم قدرها كلف الله نبيه أن يصعد لأجواز الفضاء حتي يتلقاها منه سبحانه وتعالي وهي عهد بين الكفر والإيمان فمن تركها فقد كفر وقال عمر إبن الخطاب رضي الله عنه : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة . المهم صاحبنا من ذالك اليوم لم يتخلف عن صلاة الفجر وكان يقول : جزي الله العجوز وكلبها عني خيرا، فأهديت اليه ملخص كتاب ( تفضيل الكلاب علي كثير ممن لبس الثياب )
ثانيا : اجلس بعد صلاة الفجر جلسة ولو لبضع دقايق تقرأ فيها بعض الأذكار النبوية مثل      ( اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر ) ثم أتبعها بقراءة ما تيسر  من القرآن وليكن هذا ديدنك وعادتك  كل يوم جديد ، فإن مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت  كما قال عليه الصلاة والسلام: وأن القلب الذي ليس فيه شيئ من القرآن كالبيت الخرب ، فمن جمع العلم و الذكر و تلاوة كتاب الله مع المداومة والإستمرا رزق بركة وحلاوة تعمر قلبه وتنير فكره وتسعد حياته .
ثالثا: إحرص أن يكون هذا برنامج البيت اليومي كذالك ، عليك بإيقاظهم لصلاة الفجر واصطحاب الذكور ( خاصة ) الي المسجد وإذا لم تتمكن من الذهاب الي المسجد لأي سبب قاهر مانع فأتخذ بيتك قبلة وصلي بأهلك صلاة جماعة ، ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الرجال التساهل مع الزوجات في شأن الصلاة وقراءة القرآن فتجده يهتم بصلاة الأبناء ولا يهتم بصلاة الزوجة مع العلم بأن الأم التي تقصر في صلاتها  فهي خنجر فساد في قلوب الأبناء وسوف تحمل الإثم أثقالا وأضعافا مضاعفة لأنها قدوتهم مثل الأب تماما فإذا هي تهاونت فكيف يمكن أن يحرص اولادها وبناتها علي العبادات ؟
كما لا تنسي استغلال المناسبات المختلفة مثل صيام عاشوراء والأيام البيض وصيام عرفة وغيرها من السنن التي ينبغي أن تحول الي برنامج جميل اما داخل البيت أو ترتيب إفطار مع اصدقاء، وقد وجدنا للعمل الجماعي تأثيرا طيبا في نفوس الأبناء مثل المخيمات والرحلات وحلقات المساجد واللعب الجماعي الهادف .  
رابعا : ينبغي أن يكون لك جلسة عائلية مع أهلك علي الأقل مرة في الإسبوع ينبغي أن تتضمن درس في الإيمان بالله ومحبة رسول الله ومعرفة الغيبيات الكبري كالجنة والنار والبعث والحساب والملائكة والجن وغيرها من الغيبيات التي ينبغي أن يؤمن ويسلم بها المؤمن وممكن الإستفادة من مثل كتاب ( عقيدة المؤمن ) وكذالك مدارسة كتاب في الفقه سهل وميسر مثل كتاب ( فقه السنة ) وحديث واحد  كل إسبوع علي الأقل من مثل كتاب( رياض الصالحين ) وتحلية الجلسات بقصص الأنبياء والصحابة وسير أهل العلم والصالحين وأصحاب الهمم والطموح وما أكثر الكتب في هذا المجال ، ومن الأشياء المهمة جدا أن يكون يتضمن هذا البرنامج العائلي لعبات مسلية ومسابقات في مواضيع مختلفة وليلة سمر هادفة . قل معي أحلا مكان هو البيت وأحلا الجلسات مع الزوجة والأبناء : هل ستقول أم لا تستطيع مفارقة المقاهي والشلليات ؟؟؟؟؟؟ .
خامسا: تعليم الأبناء فنون الحياة فإن كثير من العلوم لاتدرس في المدارس، فتحمل الأعباء والتعامل مع الناس،القريب والبعيد الكبير والصغير الذكر والأنثي وحقوق وحدود وواجبات كل واحد منهم لا يستطع الأبناء التمييز بينها، الا بالمجالسة معك والتلقي عنك ، للأسف بعض الآباء لا ينتبه لأبنائه الا عندما يكبرون ويبدؤون يكونون شخصيتهم المستقلة ويبدون  آرآؤهم وافكارهم فإذا به يفكر في تربيتهم وقد مضي عهد التربية   ( أضحي يمزق اثوابي ويضربني ابعد شيبي تبغي عندي الأدب ) وقد قال عمر رضي الله عنه : لاعبوهم سبعا وربوهم سبعا وصاحبوهم سبعا . وأنت تخلط وتحرق المراحل و تنام  نوم أصحاب الكهف ثم توصي بالتلطف وقد فاتك القطار ومضي القوم .
أيها الأب الكريم : يا من قمت برسالتك واديت واجبك فأبشر فإنك قد زرعت لك عملا دائما لا ينقطع بموتك قال صلي الله عليه وسلم : إذامات إبن آدم انقطع عمله الا من ثلاث وذكر منهم إبن صالح يدعوا له ،
أما الأب الذي لسانه شتم ويده بطش وسلوكه سيئ ومعاملته غليظة وحنانه جاف ونظراته سيف بتار واسنانه عورة وعطاؤه إمتنان ورياء مجالسه ثقيلة وكلماته منكرة وإحترامه لغيره قليل، ضعيف الرأي قليل الحزم، إذا تكلم صاح وإذا سكت نام وإذا حكي ضحك وإذا ضحك قهقه، همه الدنيا والتنافس فيها، يجمع مالا يأكل ويبخل بما لاينفع ، ادعوك دعوة محب مشفق أبناؤك أمانة في عنقك ولسوف تسأل عنهم يوم القيامة فكل واحد منا مسؤول عما إسترعاه الله حفظ أم ضيع .
مسك الختام : الأب الذي لا يشارك أولاده وبناته في مناشطهم وتعليمهم فهو اب فاشل قليل الإحترام عندهم ‘ لأن وجوده معهم أهم عندهم من الأكل والشرب وجمع المال وقد تذكرت تلك القصة الحقيقة التي حكاها أحد الأبناء الذي كان يهوي لعب كرة القدم وكان كثيرا ما يلح علي والده أن يحضر ولو يوما واحدا كما يفعل بقية الاباء لمشاهدته وتشجيعه ولكن الأب كانم يكرر نفس العبارة التي نكررها نحن اليوم ( أنا مشغول بالعمل يا بني ) وبعد إالحاح متواصل من الإبن حضر الأب وكان الإبن يحس بسعادة غامرة وكان يلعب في الخلف حارسا للمرمي وما اشقها من مهمة ، فكان كلما ركل عليه اللاعبون الكرة انقض عليها كالأسد الهصور ثم نظر الي والده فإذا به يراه مشغولا في الجوال يتكلم في صفقاته المالية والولد يحترق  قلبه ثم ما لبث الأب أن انصرف عن الملعب وتمر الأيام وبعدما بلغ الولد بضعا وعشرون عاما توفي الأب وبعدما دفنوه وبدأالناس بالإنصراف إلتف ابنه الي القبر وقال: ( رحمك الله يا ابي ليتني أعرف ما هو الشيئ الذي أهم مني حتي شغلك عني في ذالك اليوم فأنصرفت؟ ).
وقبل الختام اوصي جميع الأباء بالإحسان للأم اولا لأن الله اوصي بذالك وثانيا لأن أحترام أبناؤك لك نابع من إحترامك لأمهم وإحسانهم اليك متولد من إحترامك لها ،
ولأن الكلام مع الأب يطول ويطول نكتفي بهذه اللمحات القليلة ، ونسال الله الرحمة والرضوان لوالدي ولوالديكم أجمعين .

الشيخ محمد جمعة مع قناة الحورا


رحيق المنابر (2) : الحق



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف خلق الله وعلي آله وصحبه ومن اهتدي بهداه .
تدور خطبتنا اليوم حول موضوع ينبغي أن نعيه وأن نسعي لتطبيقه في أنفسنا وبيوتنا ومؤسساتنا ومجتمعاتنا وهو موضوع [ الحق ]والحق خلاف الباطل وجمعه حقوق وقدقال المناوي:في اللغة هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره. ومناسبة الخطبة هو إحتفال العالم أمس( باليوم العالمي لحقوق الإنسان) ويبدوا أن خطبائنا في المساجد أكثر الناس تذكيرا بالحقوق والحفاظ عليها . فليس مصادفة أن يبتدأ خطباؤنا بتذكير الناس بوحدة أصولهم وأن مبدأ التفاضل بينهم ليس بالذكورة او الأنوثة أو اللون أوالجنس ولكن التفاضل بالتقوي والعمل الصالح  كما قال الله تعالي :  (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، ثم يختم خطبته مذكرا الناس بصلة أرحامهم والإحسان الي جميع المخلوقات وإقامة مبدأ العدل والإبتعاد عن الفواحش والمنكرات كما قال الله تعالي ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ).
أيها الناس اعلموا أن الله خلقنا لعبادته وقد خلق لنا كل مخلوقاته وسخرها لنا وإستخلفنا في الأرض لنعمرها بالخير فماذا فعلنا فيها ؟ هل هذا الإنسان الذي نفخ فيه من روحه وكرمه علي كثير من خلقه ، عرف قيمة نفسه ؟ وينبغي في الأول حتي نعرف قدرنا وقيمتنا أن نعرف قدرنا وقيمتنا عند خالقنا سبحانه وتعالي ، فأ نظريا عبد الله إكرام الله لك !  
1- خلقنا في أحسن تقويم:قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}                           
 2- نفخ فيه من روحه:قال تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ}
3- أمر الملائكة بالسجود لأبينا آدم :قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ}
4- علم أبانا آدم الأسماء كلها:قال تعالى: {وَعَلَّمَ ءادَمَ ٱلأسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَـٰئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ e قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ}.
5- جعلنا  خلفاؤه في الأرض:قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلأرْضِ خَلِيفَةً}
6- فضلنا على كثير من المخلوقات:قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَـٰهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}
قال الشوكاني: "أجمل سبحانه هذا الكثير ولم يبين أنواعه، فأفاد ذلك أن بني آدم فضلهم سبحانه على كثير من مخلوقاته... والتأكيد بقوله {تَفْضِيلاً} يدل على عظم هذا التفضيل وأنه بمكان مكين، فعلى بني آدم أن يتلقوه بالشكر ويحذروا من كفرانه.
7- سخر لنا جميع المخلوقات :قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مّنْهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}   ،،،، بل وأنت نائم علي فراشك يستغفر لك حملة العرش ومن حولهم  ( أي يطلبون لك المغفرة ) قال الله تعالي (الذينيحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمافاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم )  هكذا ينفون النقائص عن الله ويثبتون صفات المدح لله تعالي وهم في قمة الخشوع والتذلل يدعون للمؤمنين وإذا دعا اي مؤمن لأخيه امََنت الملائكة علي دعائه فإذا قلت اللهم اغفر لإخواني عجَت بالدعاء قائلة ( آمين ) كما قال عليه الصلاة والسلام ( إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك : آمين ولك بمثله ) وإذا صلي المؤمن وتشهد لله في صلاته قال : السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين يشكر إخوانه في دعائه فتصيب كل مسلم صالح علي وجه الأرض  . ومن هنا قام أساس الدين علي إكرام الإنسان والرقي به والحفاظ علي نفسه ودمه وماله وعرضه ،       
ويكفي كنموذج فقط أن نتعرض اليوم في خطبتنا هذه الي حق واحد وهو (حق الحياة) بإعتباره الحق الأول للإنسان وبه تبدا سائر الحقوق وبإنتهائه تنعدم الحقوق .
* فقد حرم الإسلام سب وشتم الإنسان وإغتيابه والحاق الظن السيئ به والسخرية منه والتجسس عليه .
* حرم حمل السلاح عليه بغير حق وحرم ترويعه وتهديده وتخويفه والتسبب في ايذائه بدنيا ومعنويا .
*حرم علي الإنسان نفسه أن يقدم علي ايذاء بدنه والحاق الضرر به سواء بتعاطي ما يضره من تدخين او تعاطي مخدرات او مسكرات او تعاطي سموم قاتلة ، وحرم عليه الإنتحار .
* كما لم يترك الحرية المطلقة للوالدين للعبث بجنينيهما بل حرم الإجهاض وقتل الأولاد وقرر علي ذالك عقوبات.
 * بل أكرمه حتي بعد موته  فلا يجوز رميه بعد موته في قارعة الطريق ولا تشويهه ولا العبث بجسده ولا الجلوس فوق قبره ولا كسر عظمه فقد قال عليه الصلاة والسلام :لأن يجلس أحدكم على جمرةٍ فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خيرٌ له من أن يجلس على قبرٍ .  وحديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ' إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسر عظمه حياً ) بل من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا وجعل الإسلام حرمة الإنسان أعظم من حرمة بيت الله الحرام، وضعك من حق الإنسان  فقد راعي الإسلام حق البهائم وحفظ لها حقوققها .
البشرية وحقوق الإنسان .
من 1948– 1991 سنَت البشرية عبر كل مؤسساتها الدولية والإقليمية والمحلية آلاف القوانيين المتعلقة بحقوق الإنسان، والغريب أن أغلب القوانين التي سنت للحفاظ علي حقوق الإنسان شرعت تحت هدير الحراب وصليل السيوف وفرقعات المدافع ولم تعصم هذه القوانين دماء الناس ولم تحفظ حقوقهم، انظر الي افريقيا كيف تسفك فيها الدماء وتهدر فيها كرامة الإنسان وكذالك آسيا واضطهاد الأقليات فيها وسلخهم كالبهائم وحيثما يممت وجهك شطر المعمورة سوف تري ضياع هذا المخلوق حتي في الدول التي تصدرت سن هذه القوانين فهي التي انتجت اسلحة الدمار وغزت البلدان وأهانت اللآجئ المسكين المستجير بها فكم من محروم  يهان علي شوارع اروبا وتسلب كرامته  ( انها الإنسانية المعذبة تصرخ )، واصم المفكرون والكتاب والآدباء  والحقوقيون وجميع اهل الفكر والراي صموا وأصموا آذانهم وأفئدتهم من لإنصات لنداء الدين المتناغم مع الفطرة وحيدوه جانبا واشمأزت منه قلوبهم  فإذا  بجهدهم البشري المشوب بكثير من النقص والمشحون بالعيوب  والملطخ  بالجور والإنحياز لم يستطع اسعاد هذه الإنسانية المعذبة ، ولا نستطيع في خطبة جمعة إبراز وجه الإسلام المشرق الذي تجاوز القوانين الوضعية حيث جعل حقوق الناس دينا يعاقب صاحبه ويخضع للعقوبات الرادعة في الدنيا وفي الآخرة يقف في محكمة الواحد الديان، وحقوق العباد هي  من الحقوق التي لا يغفرها الله الا إذا سامح صاحب الحق او رد الحق الي صاحبه فطلب الرسول منا أن نتحلل المظالم اليوم قبل الا يكون غدا دينار ولا درهم .
الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وتناغمه مع مبادئ الإسلام . 
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو وثيقة حقوق دولية تمثل الإعلان الذي تبنته الأمم المتحدة 10 ديسمبر 1948  وهويتألف من 30 مادة تمثل رأي الجمعية العامة بشأن حقوق الإنسان المكفولة لجميع الناس.ولو إستعرضنا هذه المواد من غير ترتيب  لوجدنا غالبيتها وكأنه مستنبط من الشريعة الإسلامية فمثلا  .
 المادة 1 - يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء. { ورحم الله أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب عندما قال: متي إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرا را ؟ }
 المادة  2 - لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز.. 
 المادة  3 لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.                                                     
  المادة   4 لايجوز استرقاق أو استعباد أي شخص.....
المادة 5 -لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة.
المادة  9 - لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً.          
 المادة 10- لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة...
= من أكثر المواد التي تتقاطع وتتعرض مع منطلقات ومبادئ الإسلام المادتان - 16  و 18 – من الميثاق وإن كنا لسنا بصدد تقييم الميثاق ومحاكمته ونستطيع أن نقول نحن نعتبر هذا السعي الحثيث لحماية حقوق الإنسان من أكبر المنتجات  الفكرية والعقلية  التي تجد منا التشجيع والمناصرة ونناشد العالم الأخذ بتعاليم الإسلام ففي تطبيقها الحل الناجع  .                                  
   لكن ماهي حظوظ بيوتنا ومؤسساتنا ودولنا من هذه الحقوق ؟
يا أمة الحقوق يا أول الأمم تحضرا وسموا ورفعة لماذا تذ بح كرامة الإنسان اليوم في أحضانك الدافئة ؟ للأسف لا يعلم حكامنا من حقوق الإنسان إلا قطعة قماش ترفرف فوق السواري والجبال وفرش أحمر يتبخترون فوقه ورجال قمع يبطشون بهم كل ناصح ومخلص ، وزوج لا يعرف من حقوق الزوجة الا حق الفراش والمعاشرة وزوجة لاتعرف من حق الزوج الا إعداد الأطعمة والأشربة ، وأبناء لا يعرفون من حق الوالدين إلا النداء الجميل بالأبوة أو الأمومة وأستطيع أن أقول مقتبسا ( أقيموا حقوق الإنسان في بيوتكم يقام في أرضكم)
أيها الأخوة و الأخوات : من أكثر الأمور المقززة للنفس والمقزمة للقيم والمبادئ أن تجد بعض أهل الرأي والكلمة    والسيا سة والفكر يدافعون عن أشخاص بدل المبادئ ويسعون للحصول علي الكراسي بأي طريقة كانت ، فإن كان الحاكم ينتفش ويتجبر وينتفخ فما أعانه علي هذا الأمر الا المطبلين والمزمرين واصحاب الأهواء والشهوات ، فمن ناضل وجاهد ينبغي أن يناضل  ويجاهد من أجل القيم وليس من أجل الكراسي والمناصب ومن حكم ينبفي أن يحكم بالعدل.
ومن أكبر الجرائم أن يحول الحاكم شعبه الي قطيع يسجن من يشاء ويقتل من يشاء وينفي من يشاء وفي نفس الوقت يجد من يصفق له وينبح ، والأكثر جرما من هذا من سجن له أخ او اب او قريب أو جار او إبن  صلبه او إبن وطنه -   فسكت وتجاهل ( الساكت علي الحق شيطان أخرص )
اقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ، والي خطبة قاد مة بإذن الله تعالي .
لفت نظر : بعض الأراء التي ترد في الخطبة قد  تكون محل نظر بين العلماء ولكن الخطبة  ليست درسا فقهيا ولا وقت للتفصيل فيها ولذالك ننطلق في التوجيه والإرشاد والنصح والإنكار وغيرها من المواضيع التي تحتويها الخطبة علي ما يوافق الشرع ويلائم واقعنا في اروبا فنرجوا المعذرة . 

أخوكم : محمد جمعة أبو الرشيد   
 
 31-12-2009م

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013