الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

الشيخ محمد عمر الحاج ر ائد من رواد الاصلاح والتعليم‏


  • الشيخ محمد عمر الحاج ر ائد من رواد الاصلاح والتعليم‏



 




بسم الله الرحمن الرحمن
الشيخ محمد عمر الحاج
 
رائد من رواد الإصلاح والتعليم
 
1935م - 2001

أحمد أبو أمين             
جدة - السعودية            

نحن أما م سيرة علم من أعلام الدعوة لإسلامية، نذر نفسه ووقته في سبيل الدعوة الى الله  و نشرالعلم الشرعي، ومحاربة الجهل، وانتشال الشبيبة من ظلام الجهل إلى ساحات العلم ، رفض بعد تخرجه  كل الدعوات المقدمة إليه من أحبائه وزملاء دراسته للعمل في دول الخليج حيث بسطة العيش ورفاهية الحياة ، ولكن شيخنا رفض كل ذلك وآثرالذهاب  إلى حيث أبناء الشهداء والفقراء،  والمهاجرين في شرق السودان، جاء اليهم حاملا رسالة العلم ومحاربة الأفكار الهدامة التي كان مرتعها في ذلك الوقت أبناء المسلمين الفقراءفي شرق السودان .
 أسرته ونشأته:
 الشيخ محمد عمر الحاج محمد عمر همد دين من قبلية الحباب التي لها تواجد في ارتريا والسودان، ولد رحمه الله في قرية (قرابيت)عام 1935م.
ينحدر الشيخ محمد عمر من أسرة مجاهدة أشربت حب القرآن ،  فقد تربى في كنف أب حافظ للقرآن الكريم ، متبحر في علوم لشريعة بصفة عامة والفقه المالكي بصفة خاصة،وأم تلقت تعليمها على يدي هذا الوالد.
وكان جده (عمر) الذي سمي باسمه مجاهدا في جيش المهدية.
و والده الحاج محمد كان إماما لأهل قريته،ومرجعهم في الفتيا،زاهدا ورعا ذاكرا لله في كل أحيانه
وكان يشتغل بالزراعة، ليأكل من كسب يده.
 فقد تلقى شيخنا تعليمه الأولي  من دراسة  القرآن الكريم ومبادئ العلوم الشرعية في سن مبكرة، في مسقط رأسه على يد والده الحاج محمد، وبعد وفاة والده تتلمذ على  أخيه الكبير ،الشيخ محمد أبوبكر رحمهم الله جميعا . 
رحلاته العلمية:
 قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه (مفتاح دار السعادة) : " وأما سعادة العلم فلا يورثك إياها إلا بذل الوسع ، وصدق الطلب ، وصحة النية ".     
فالمكارم منوطة بالمكاره ، والسعادة لا يعبر إليها إلا على جسر المشقة ،يقول الإمام مسلم في صحيحه: قال يحيى بن كثير : " لا ينال العلم براحة الجسم " .
وقد قيل : من طلب الراحة ترك الراحة .
رحلات شيخنا في طلب العلم تذكرنا بالسلف الصالح الذين كانو يسافرون ويرتحلون من بلد إلى آخر الأيام والليالي، في سبيل حديث واحد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
  سمها ماشئت مسيرة أم رحلة ، لكنها بالتأكيد لم تكن نزهة ،إنها مسيرة الباحث عن عشقه ، رحلة المحب إلى حبه ، يستعذب فيها الصعاب ، ويتحمل فيها المشاق، فقد فارق مراتع الصبا وترك الأهل والخلان في سبيل هدف نبيل وغاية مباركة ، قاصدا مدينة ( أم درمان)  حيث خلاوي القرآن ومعهد  أم درمان العلمي ، ولكنه قبل كل شئ   فقد عقد العزم على  حفظ القرآن الكريم أولا، ثم تلقي علوم الشريعة، حيث يعتبر القرآن الكريم أصل الأصول وزاد الداعية الى الله في حياته، فأ لزم نفسه حفظه وفهمه والعمل به ، فاعتنى بحفظه وفهمه وتلقيه عن المشايخ الكبار في السودان، فكلما سمع بشيخ عالم متقن للقرآن  شد رحاله وأناخ ركابه،فقد درس القرآن الكريم في منطقة( بَرْبَرْ) خلوة الشيخ أحمد ود الفكي على، ثم انتقل إلى منطقة (كَرِيمة) خلوة الشيخ محمد أحمد عبد الله ، ومنها إلى (الْكُرَيْ) ومنها إلى خلوة الفكي العوض في (الْقُرير).
وواصل رحلته في سبيل إتقان القرآن وتلقيه فدرس في (الْجوير)عام 1957م  وانتقل إلى( دنقلا) و(المحس) حيث حط رحاله عند الشيخ تاج الختم ، وقبل ذلك كان قد سافر إلى مدينة ( شَنْدِي) ودرس بها فترة على يد أولاد الحاج جابر فتتلمذ على كل من الفكي عبد الله والفكي المامون والفكي عبد القيوم .
وبعد معاناة وتكبد المشاق والحل والترحال كان له ما أراد من إتمام حفظ القرآن الكريم وإتقانه وضبطه، وكان يتلوه برواية أبي عمرو الدوري ، ورواية حفص عن عاصم،فقد رأيناه رحمه كثير الاستشهاد بآيات القرآن الكريم، تاليا له، سفرا وحضرا، حاثا على تعلمه، محبا لأهله، معظما له، واقفا عند حدوده، مستفيدا من أساليبه في الدعوة والتربية، وقد شهد له بذلك القريب والبعيد.
ولم يكتف بحفظ القرآن بل عاد إلى مدينة ( أم درمان)  لينتسب في معهد أم درمان العلمي، حيث كانت الدراسة داخل الجامع الكبير في أم درمان، ودرس فيه، ولم يكتف بذلك فقد جلس على الركب في حلقات الجامع الكبير في غير أوقات الدراسة الرسمية، متتلمذا على  العلماء والمشايخ في ذلك الوقت.
وفي أثناء دراسته في أم درمان مر بظروف مادية صعبة، حيث عمل مؤذنا في مسجد الخليفة (أبو كدوك) في أم درمان شارع الأربعين، كما عمل في بيع الكتب الدينية لسد حاجاته وتوفير مبلغ من المال يوصله إلى مصر للدراسة في الأزهر الشريف.
وقد أدى فريضة الحج عام 1962م وهو لا يزال طالب علم ثم عاد وواصل دراسته.
من السودان إلى مصر مشيا على الأقدام:
تحرك صاحب الهمة العالية ونفسه تتوق إلى الأزهر الشريف الذي طالما سمع به، وبعلمائه الأفذاذ، فتاقت نفسه إلى ذلك الصرح العلمي ،ولكن دون ذلك شدائد ومتاعب لم تثنه عن هدفه ولم تضعف من عزيمته ، إذ لم يكن الوصول إلى الأزهر سهلا ، بل كانت  رحلة اكتنفها الكثير من المتاعب والمشاق من سير على الأقدام، وهذا اقلها، إلى تجاوز لحرس الحدود بين الدولتين ،إلى التخفي عن الأنظار عند الوصول إلى نقاط التفتيش ، إلى أن وصل إلى  مبتغاه وغايته، ودرس في الأزهر وانتسب فيه طالبا ، وكان ذلك عام 1962م
لم يكن ليكتف بالدراسة النظامية في الأزهر بل قد اتفق مع  مدرس خاص يعلمه الحساب والقواعد وبعض المواد العلمية الحديثة ، حتى يستدرك ما فاته من العلوم إذ كانت هذه المواد تحتاج منه إلى مضاعفة الجهد ، مما دفعه إلى التعاقد مع مدرس خاص يدفع له مبلغا من المال نظير تدريسه له، وقد كان يقتطع جزءا من المكافئة وقدرها ثلاث جنيهات لذلك المدرس .                                                                          
من الأزهر الشريف إلى رحاب طيبة الطيبة:
وهكذا تتواصل الرحلة المباركة الميمونة،  فمن مصر و جامعها الأزهر إلى مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحرمها الشريف، سيرا على طريقة السابقين من العلماء الربانين،على طريقة الإمام أحمد بن حنبل حين قصد الكوفة والبصرة، ومكة والمدينة المنورة، واليمن والشام ، وعلى طريقة شيخ المفسرين ابن جرير الطبري حين رحل إلى الري والبصرة و واسط  والكوفة وبغداد، وبيروت ومصر.
ووصل الشيخ محمد عمر رحمه الله المدينة المنورة عام 1968 ودرس في المعهد العلمي التابع للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، ومن ثم في الجامعة الإسلامية  في كلية الشريعة وتخرج منها عام 1975م.
الشيخ محمد عمر والشيخ سعيد حوي والرباط الروحي:
في المدينة المنورة اجتمع بالشيخ سعيد حو ى بل وتتلمذ عليه و تأثر به  كثيرا، فقد كان كثيرا ما يذكر لنا وصايا الشيخ سعيد حو ى رحمه الله، وتوجيهاته له ودروسه التي أثرت فيه كثيرا ، وكان يوصي أبنائه وتلامذته بقراءة كتب الشيخ سعيد حو ى خاصة  سلسلة الأصول الثلاثة كتاب( الرسول) صلى الله عليه وسلم وكتاب (الله) عز وجل وكتاب (الإسلام)، وكانت مكتبته العامرة تحتوي على معظم كتب الشيخ سعيد بما فيها كتابه الأساس في التفسير.
ومن شدة حبه للشيخ سعيد أنه كان يصطحب معه كل قادم من بلاده  إلى المدينة المنورة لزيارة الشيخ سعيد وتعريفهم بالشيخ  رحمهم ا لله .
في ميادين العلم و الدعوة والتربية:
ويعد تخرجه من الجامعة الإسلامية عرض عليه العمل في بعض الدول الإفريقية من دار الإفتاء براتب عال ومزايا أفضل، لكنه رفض ذلك وقال إنه ذاهب إلى أهله وقومه في شرق السودان ليعلمهم ، فقيل له : أن من تود الذهاب إليهم لم يطلبو من دار الإفتاء دعاة،يرشدونهم فقال الشيخ : هم لا يعرفونكم  ولكن نحن  نطلب نيابة عنهم.
وتم توظيفه من قبل الإفتاء داعيا إلى الله، براتب أقل مما عرض عليه ، وهو راض بذلك ، ليتجه إلى شرق السودان داعية إلى الله، ويبذل أكثر مما طلب منه، وينجز أكثر مما كان ينتظر منه .وعند وصوله إلى السودان أسس  هو وصديقه ورفيق دربه أستاذنا الشيخ على شيخ داوود (معهد النهضة الإسلامي) في نهاية عام 1975م في (ود الحليو) شرق السودان.وقد كان فيها معسكرا (مخيم) يضم عدد كبيرا من المهاجرين الارتريين.
واستبشر أهل المنطقة خيرا ووقف الكثير منهم مساندا ومعاونا لهم على التأسيس و رحبو بهم.
وفور التأسيس اكتظ المعهد با لإقبال الشديد من قبل الطلاب ونفع الله به كثيرا من الشباب ،إذ كان هؤلاء الشباب من أبناء المسلمين المهاجرين فريسة للأ فكار الهدامة، و كانو بحاجة إلى محضن تربوي ، وكان اختيار هذه المنطقة المكتظة بأبناء المهاجرين اختيارا موفقا من قبل الشيخين محمد عمر وعلي شيخ .
 وبدأت الدراسة في المعهد في شكل حلقات داخل المسجد ، ثم إلى الرواكيب فيما بعد  (بيوت متواضعة تصنع من العيدان والقش) .
وانتقل المعهد بعد فترة من الزمن إلى مدينة( خشم القربة) في أواخر عام 1979م، وذلك لأ ن معظم المهاجرين ر حلو من المعسكر و تفر قو في معسكرات أخرى ، بأمر من الحكومة السودانية.
 وواصل المعهد رسالته التربوية والتعليمية، وخرج أجيالا ،وقبل الكثير من طلابه في منح خارجية للدراسة في الجامعات الإسلامية خاصة في السعودية.والبعض منهم أكمل تعليمه في السودان.
وكان الشيخ على شيخ داوود مديرا للمعهد والشيخ محمد عمر نائبا له، (باختياره ) وكان الشيخ محمد عمر يدرس مادة اللغة العربية، حيث كان شغوفا بها، ولم يكن دوره متوقفا في التدريس فقط بل كان يقوم بدور المرشد والموجه لطلابه في غرس السلوك الحسن والابتعاد عن السلوكيات الخاطئة التي تتنافي مع طالب العلم الشرعي، فقد كان المربي والقدوة.
 
السراج الذي يضئ أينما وضع:
ونظرا لظروفه الصحية ترك الشيخ محمد عمر التدريس في المعهد ، حيث اتجه إلى مجال القران الكريم وتدريسه فأسس (مركز  أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم) عام1981م نهاية العام 1402هـ
فقد كان رحمه الله كالسراج أينما وضع أضاء، وقد نجحت الفكرة و أثمر الغراس، فكما استفاد وانتفع المسلمون بالمعهد وتأسيسه ،كذلك عم النفع بتا سيس (مركز أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم)، حيث كان الشيخ قائما عليه بالإشراف والتوجيه ومتابعة الطلاب ، وكان يضم عددا كبيرا من الطلاب من خارج المنطقة حيث كانو يسكنون في الإسكان الداخلي ، مع توفير ما يحتاجون إليه من أكل وشرب وضروريات حياة.
وقد شارك المركز في حياة المؤسس في مسابقات  عدة محلية داخل السودان، وعالمية خارجه،ونال التكريم في مهرجان القران الكريم في السودان بإحرازه المركز الأول في مسابقة القران الكريم .
وقد تخرج من هذا المركز  الحفاظ والأئمة والدعاة الذين حملو راية القرآن بعد شيخهم ، فا نتشرو في القرى والمدن في السودان وارتريا وتشاد والسعودية محفظين للقرآن الكريم.
وفي حياته رحمه الله انشأ قسما خاصا   في مركز أبي بن كعب لتعليم الفتيات وربات البيوت ، مما يدل على  اهتمامه بتعليم ا لنساء وتربيتهن التربية السليمة، كان ولازال المركز بقسميه يؤدي رسالته الإسلامية ولله الحمد والمنة ويشهد تطورا مستمرا بإدارة وإشراف ابنه الشيخ حسين.
                                                                               
الشيخ محمد عمر والعمل الإسلامي المنظم:
قد ارتبط الشيخ محمد عمر بالعمل الإسلامي مبكرا ، وأخذ عن علماء الحركة الإسلامية وتأثر بفكر الإمام حسن البنا رحمه الله عندما كان طالبا ،بل وانخرط  في العمل الإسلامي  عضوا فاعلا وجنديا من جنود الدعوة ، يُقدم والناس محجمون، ويتقدم الصفوف وغيره يتردد أو يتأخر، مع أن  تركيزه الأكبر كان على تعليم أبناء المسلمين .
وتجمعه علاقات حميمة وصداقة قوية مع أبرز علماء الحركة الإسلامية في السودان مثل الشيخ الصادق عبد الله عبد الماجد،وغيره، وفي الكويت الشيخ عبد الله المطوع،وغيره ، وكان محل حفاوة وتقدير كثير من شيوخ الحركة الإسلامية.
 
صفا ته:
من صفاته التواضع وحب الخير ، ومساعدة المحتاجين، وكثيرا ما سمعناه  عندما ينفق يتمثل قوله تعالى( فهو يخلفه)
وكان رحمه الله لا يرد طالبا أتاه للانتساب في المركز للدراسة مع كثرة الطلاب وقلة الإمكانيات المادية من إعاشة وسكن ، وكان يحب وحدة المسلمين ويسعى إليها ، ويكره الشقاق والخلاف بين المسلمين، وله مواقف مشهودة في ذلك.
الابتسامة لا تفارق محياه رحمه الله،وكثيرا ما يشارك أبناءه الطلاب فيما يكلفهم به من أعمال،تحفيزا لهم وتشجيعا.
 ومن صفاته أيضا حفظ اللسان و سلامة ا لصدر وحب العلماء واحترامهم ومعرفة قدرهم مما أكسبه حب الكثيرين له.
وقد حباه الله بذاكرة قوية فقد كان يعرف طلابه مع كثرتهم بأسمائهم كاملة مع مناطقهم، وقبائلهم ، وكان رحمه الله  يتميز بالنباهة والفراسة. 
وكان احد أبرز من يحمل هم الدعوة والعمل لهذا الدين ، يعمل أكثر مما يتكلم ، فكان تأثيره واضحا في الشباب، و كان كالوالد لهم ، نا صحا لهم، فيما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم، مشفقا عليهم،متوددا إليهم.
لم يكن رحمه الله يتحدث عن أعماله  مع كثرتها ، بل يحدثك عما عمله الآخرون من دعوة ونشر علم وإصلاح، ولكن هاهي آثاره تتحدث عنه ،وأعمال الخير والبر شاهدة له .
وكان يحتقر طاعته وعبادته لله ويحتقر نفسه في جنب الله ، كما هو دأب الصالحين ويتمثل قول الإمام البوصيري رحمه الله:
استغفر الله من قول بلا عمل             لقد نسبت به نفلا لذي عقم
 أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به    وما استقمت فما قولي لك استقم
الشيخ محمد عمر مدرسة متميزة:
أستطيع أن أقول ان الشيخ كان مدرسة خاصة بأسلوبه المتميز في التدريس وطريقته الخاصة  في الدعوة والعمل للإ سلام، وفي تعامله مع أقرانه وأبنائه الطلاب.
أما مكتبته الخاصة وهي مكتبة عامرة بالكتب ،فقد كان يستثمرها في الدعوة الفردية فكانت مكتبة متحركة، يأخذ الكتب الدعوية والمجلات الإسلامية معه  إلى الفصل ويوزعها على أبنائه الطلاب ليتناوبو على قر ائتها، ولازلت اذكر أنني مما قرات أعداداقديمة من  مجلة ( الشهاب) اللبنانية أول مرة في مكتبة شيخنا محمد عمر رحمه الله.
أما منزله المتواضع كان مفتوحا لأبنائه الطلاب، في كل وقت وحين.
زواج الشيخ محمد عمر رحمه الله:
للشيخ محمد عمر زوجتان، تزوج الأولي أثناء دراسته في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة،وكانت معه في المدينة وهي (أم الحسن) وكان هذا الزواج عام 1972م
 وهي من أسرة متدينة ، اشتهرت بتعليم القران الكريم ، فكانت نعم الزوجة المعينة لزوجها، مربية ، فاضلة، حافظة لحقوق الزوجية، كسبت احترام وتقدير جميع أفراد العائلة، فكانت للصغير منهم أما، وللكبير أختا.
وبعد عودته إلى السودان تزوج بزوجته الثانية (أم حواء) عام 1978م وهي كذلك من أسرة كريمة محترمة ،عاشتا معا كأختين لا كضرتين ، في جو تسوده المحبة والألفة ، وانعكست  هذه المحبة والألفة بين أبناء وبنات الشيخ .
وقد كان أهل الحي يدعون لكل من تزوج بامرأة ثانية أن يكون زواجه ميمونا وتكون زوجتيه كأم الحسن وأم حواء، وقد رزقه الله منهما بنين وبنات ولله الحمد.
 
العودة إلى المدينة المنورة:
وحط الفارس رحاله ،وودع أهله وذويه ، في رحلة العودة من حيث انتهى  به طلب العلم ،وحن القلب  شوقا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتحركت المشاعر إلى طيبة الطيبة ، حيث كان يتمثل وهو في طريقه لأداء مناسك العمرة، وقد غلبه الحب  بقول الشاعر:
 قلبي يحن إلى مدينة طه   فمتى أفوز بوصلها وأراها.
 إنه الشوق إنه الحب، أحب الحبيب ففاز بجواره،  و أحب المدينة فضمته إلى ثراها الطاهر ،وكان خير ختام لهذه الحياة الحافلة بالعلم والعطاء والدعوة :
اكتمال بناء مسجد أبي بن كعب في( خشم القربة) ،وافتتاح هذا المسجد الذي كان حلما يراوده ، منذ فترة ، فتم بناء المسجد في نفس الشهر الذي توفي فيه الشيخ واختار له لجنة تسير أعماله ، ولأمر يعلمه الله لم يجعل نفسه ضمن لجنة المسجد.
وبعد افتتاح المسجد  توجه مباشرة للأراضي المقدسة  لأداء مناسك العمرة، وزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصلة الأقارب والأرحام هناك ، وقد اصطحب معه ابنه الشيخ حسين لأول مرة وكأنه يهيئه للقيام بالمهام من بعده، بل صرح بذلك لبعض من أحبابه عند قدومه إلى الأراضي المقدسة، وبعد أداء مناسك العمرة توجه إلى المدينة المنورة ،وأتم الزيارة ،وفي أثناء تأديته لصلاة التراويح أحس بألم في جسمه، حيث كان رحمه الله يعاني من مرض السكري ، فاضطر للذهاب إلى مقر إقامته ، وهناك عاوده الألم ونقل إلى المستشفى وفاضت الروح الطاهرةإلى بارئها، في24 رمضان المبارك عام1423هـ الموافق 29نوفمبر 2002م
وصلي عليه في المسجد النبوي الشريف، ودفن في البقيع رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به في مستقر رحمته .
هذا ولايسعني إلا أن أشكر كل من الأخ الشيخ بشير مركاب الذي كان صاحب الفكرة في كتابة ترجمة عن الشيخ ، كما اشكر الاستاذ أبو هيثم عثمان إدريس على تعاونه، وكذلك الشكر لأسرة الشيخ وأبنائه الذين أمدونا بالكثير من المعلومات، والشكر موصول لشيخنا الشيخ مجد بن أحمد مكي ، الذي عندما عرضت عليه المسودة على استحياء وجدت منه التشجيع والاهتمام وكانت كلماته وتشجيعه لي حافزا قويا لاتمام الموضوع بل والمضي قدما في الترجمة لبقية الدعاة والعلماء من جيل الرواد ، إنشاء الله.  

سألت نفسي عن أسعد لحظة عشتها ..؟؟



أسعد لحظة
للدكتور مصطفى محمود
سألت نفسي عن أسعد لحظة عشتها ..؟؟
ومر بخاطري شريط طويل من المشاهد ... كل مشهد يحمل لحظة سعادة .... وبعد أن أستعرضت كل المشاهد قلت في سري ... لا ... ليست هذه ....
بل هي لحظة اخرى ذات مساء ... لحظة اختلط فيها الفرح بالدمع بالشكر بالبهجة بالحبور حينما سجدت لله فشعرت أن كل شيء في بدني يسجد ... قلبي يسجد ... عظامي تسجد ... أحشائي تسجد ...عقل...ي يسجد ...ضميري يسجد ... روحي تسجد...
حينما سكت داخلي القلق وكف الاحتجاج ورأيت الحكمة في العدل فارتضيته، ورأيت كل فعل الله خير، وكل تصريفه عدل، وكل قضائه رحمة، وكل بلائه حب ... لحظتها أحسست وأنا أسجد أني أعود إلى وطني الحقيقي الذي جئت منه وأدركت هويتي وانتسابي وعرفت من أنا ... وأنه لا أنا ... بل هو .... ولا غيره...
انتهى الكبر وتبخر العناد وسكن التمرد وانجابت غشاوات الظلمة وكأنما كنت أختنق تحت الماء ثم أخرجت رأسي فجأة من اللجة لأرى النور وأشاهد الدنيا وآخذ شهيقا عميقا وأتنفس بحرية وانطلاق ... وأي حرية .. وأي إنطلاق يا إلهي ... لكأنما كنت مبعدا منفيا مطرودا أو سجينا مكبلا معتقلا في الأصفاد ثم فك سجني ... وكأنما كنت أدور كالدابة على عينيها حجاب ثم رفع الحجاب
نعم ... لحظتها فقط تحررت.
نعم ... تلك كانت الحرية الحقة ... حينما بلغت غاية العبودية لله. وفككت عن يدي القيود التي تقيدني بالدنيا وآلهتها المزيفة ... المال والمجد والشهرة والجاه والسلطة واللذة والغلبة والقوة ...
وشعرت أني لم اعد محتاجا لأحد ولا لشيء لأني أصبحت في كنف ملك الملوك الذي يملك كل شيء ...
كانت لحظة ولكن بطول الأبد ... نعم تأبدت في الشعور وفي الوجدان وألقت بظلها على ما بقي من عمر ولكنها لم تتكرر ... فما أكثر ما سجدت بعد ذلك دون أن أبلغ هذا التجرد والخلوص وما أكثر ما حاولت دون جدوى ... فما تأتي تلك اللحظات بجهد العبد ورغبته بل بفضل الرب ...
ولقد عرفت في تلك اللحظة أن تلك هي السعادة الحقة وتلك هي جنة الأرض التي لا يساويها أي كسب مادي أو معنوي
يقول الله سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام (واسجد واقترب) 19 – العلق.

دكتور مصطفى محمود
من كتاب السؤال الحائر

الأحد، 18 ديسمبر 2011

توصيف دولة الظلم

من قناعاتي الخاصة إن دولة الظلم تلصق التهم بالأبرياء ، وتقرب اليها النفعيون والأغبياء 

مواقف مضحكة



 
 
 مواقف ضاحكة
مواقف ضاحكة
الشيخ: علي الطنطاوي
جاءني مرة - وكنت في عنفوان الشباب أكتب في أوائل كتاباتي في الرسالة (عام 1933)- ثلاثة من الغرباء عن البلد، لم يعجبني شكلهم، ولم يطربني قولهم، فوقفت على الباب أنظر إليهم فأرى الشكل يدل على أنهم غلاظ، وينظرون إليّ فيرون فيّ (ولداً)، فقالوا: هذه دار فضيلة الشيخ الطنطاوي؟
قلت كارها: نعم…
فقالوا: الوالد هنا؟
قلت: لا…
قالوا: فأين نلقاه؟ قلت: في مقبرة الدحداح على الطريق المحاذي للنهر من جهة الجنوب.
قالوا: يزور أمواته؟
قلت: لا.
قالوا: إذن؟
قلت: هو الذي يزار...
فصرخ أحدهم في وجهي صرخة أرعبتني وقال:
- مات؟ كيف مات؟
قلت: جاء أجله فمات...
قالوا: عظم الله أجركم، إنا لله وإنا إليه راجعون، يا خسارة الأدب.
قلت: إن والدي كان من أجل أهل العلم ولم يكن أديباً...
قالوا: مسكين أنت لا تعرف أباك.
وانصرفوا وأغلقت الباب وطفقت أضحك وحدي مثل المجانين، وحسبت المسألة قد انتهت فما راعني العشية إلا الناس يتوافدون عليّ فأستقبلهم، فيجلسون صامتين إن كانوا لا يعرفون شخصي، ومن عرفني ضحك وقال:
- ما هذه النكتة السخيفة؟
قلت: أي نكتة؟
فأخرج أحدهم الجريدة وقال: هذه؟ هل تتجاهل؟
فأخذتها وإذا فيها نعي الكاتب الـ … كذا وكذا.. علي الطنطاوي… هذه واحدة‍
ومما حدث لي أنني:
لما كنت أعمل في العراق سنة 1936 نقلت مرة من بغداد إلى البصرة إثر خصومة بيني وبين مفتش دخل علي الفصل فسمع الدرس. فلما خرجنا (نافق) لي وقال أنه معجب بكتاباتي وفضلي. (ونافقت) له فقلت إني مكبر فضله وأدبه. وأنا لم أسمع اسمه من قبل. ثم شرع ينتقد درسي قفلت: ومن أنت يا هذا؟
وقال لي وقلت له.. وكان مشهداً طريفاً أمام التلاميذ.. رأوا فيه مثلاً أعلى من (تفاهم) أخوين، وصورة من التهذيب والأخلاق. ثم كتبت عنه مقالة كسرت بها ظهره، فاستقال و(طار) إلى بلده ونقلت أنا عقوبة إلى البصرة.
وصلت إلى البصرة فدخلت المدرسة، فسألت عن صف (البكالوريا) بعد أن نظرت في لوحة البرنامج ورأيت أن الساعة لدرس الأدب. توجهت إلى الصف من غير أن أكلم أحداً أو أعرفه بنفسي.
فلما دنوت من باب الصف وجدت المدرس، وهو كهل بغدادي على أبواب التقاعد، يخطب التلاميذ يودعهم وسمعته يوصيهم (كرماً منه) بخلفه الأستاذ الطنطاوي، ويقول هذا وهذا ويمدحني... فقلت: إنها مناسبة طيبة لأمدحه أنا أيضاً وأثني عليه ونسيت أني حاسر الرأس وأني من الحر أحمل معطفي على ساعدي وأمشي بالقميص بالأكمام القصار، فقرعت الباب قرعاً خفيفاً، وجئت أدخل. فالتفت إليّ وصاح بي: ايه زمال وين فايت؟ (والزمال الحمار في لغة البغداديين) فنظرت لنفسي هل أذني طويلتان؟ هل لي ذيل؟… فقال: شنو؟ ما تفتهم (تفهم) أما زمال صحيح. وانطلق بـ (منولوج) طويل فيه من ألوان الشتائم ما لا أعرفه وأنا أسمع مبتسماً.
ثم قال: تعال لما نشوف تلاميذ آخر زمان. وقِّفْ احكِ شو بتعرف عن البحتري، حتى تعرف إنك زمال ولاّ لأ؟
فوقفت وتكلمت كلاماً هادئاً متسلسلاً، بلهجة حلوة، ولغة فصيحة. وبحثت وحللت وسردت الشواهد وشرحتها، وقابلت بينه وبين أبي تمام وبالاختصار، ألقيت درساً يلقيه مثلي.. والطلاب ينظرون مشدوهين، ممتدة أعناقهم، محبوسة أنفاسهم، والمدرس المسكين قد نزل عن كرسيه وانتصب أمامي، وعيناه تكادان تخرجان من محجريهما من الدهشة، ولا يملك أن ينطق ولا أنظر أنا إليه كأني لا أراه حتى قرع الجرس..
قال: من أنت؟ ما اسمك؟
قلت: علي الطنطاوي؟
وأدع للسامعين الكرام أن يتصوروا موقفه!
منقول من موقع ادباء الشام

السبت، 17 ديسمبر 2011

بئــــــــــر الرحمـــــــــــــــة من إيثـــــــــــــــــــــار الخيــــــــــــــــــر




أفضل الصدقة على الإطلاق سقي الماء، سيما لمن احتاج إلى ذلك من إنسان أوحيوان، وأفظع الجرائم حرمان سقي الماء لمن قدر عليه، لمن احتاج إلى ذلك، وإليك الأدلة:
أولاً: قوله تعالى: "ونادى أصحابُ النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أومما رزقكم الله قالوا إن الله حرَّمهما على الكافرين".4
قال ابن عباس رضي الله عنهما وقد سئل أي الصدقة أفضل؟: "الماء، ألم تروا إلى أهل النار حين استغاثوا بأهل الجنة: "أن أفيضوا علينا من الماء أومما رزقكم الله"؟
ثانياً: روى أبو داود في سننه أن سعد بن عبادة رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أيُّ الصدقة أعجب إليك؟ قال: الماء؛ فحفر بئراً فقال: هذه لأم سعد".
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال سعد: "يا رسول الله، إن أم سعد كانت تحب الصدقة، أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: نعم، وعليك بالماء، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر سعد بن عبادة أن يسقي عنها الماء".
قال القرطبي في تفسير الآية السابقة: (في هذه الآية دليل على أن سقي الماء من أفضل الأعمال.
ثم قال معلقاً على أمره صلى الله عليه وسلم لسعد أن يتصدق عن أمه بالماء: فدل على أن سقي الماء من أعظم القربات عند الله تعالى، وقد قال بعض التابعين: من كثرت ذنوبه فعليه بسقي الماء).
ثالثاً: ومن الأدلة كذلك على فضل سقي الماء ما خرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: "بينما رجل بطريق فاشتد عليه العطش فنزل بئراً فشرب منها ثم خرج، فإذا كلب يأكل الثرى من العطش، فقال: لقد بلغ هذا الكلب مثل الذي بلغ بي؛ فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، ثم رقى فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له"، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجراً؟ قال: "في كل ذات كلب رطبة أجر".
وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم: "بينما كلب يُطيف برَكية5، كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها – يعني خفها – فسقته، فغفر لها به".
فهذه بغي من البغايا، وممن؟ من بني إسرائيل الملعونين على ألسنة الأنبياء والمرسلين والصالحين إلى يوم الدين، والمسقي كلب من الكلاب، فكيف بمن سقى إنساناً؟ بل وكيف بمن سقى مؤمناً موحداً فأحياه: "فكأنما أحيا الناس جميعاً.

الخميس، 15 ديسمبر 2011

قصة العلم الأرترى الأول وشرعيته التاريخية



قصة العلم الأرترى الأول وشرعيته التاريخية
بقلم : أحمد نقاش
Friday, Jun 24, 2011 1:12 pm
قصة العلم الأرترى الأول وشرعيته التاريخية
مدخل:
إن الامة التى تنسى تاريخها لا تحسن التعامل مع الحاضر، ومن لا يحسن التعامل مع الحاضر ليس له مستقبل،وذاكرة الشعوب لا تنسى لكنها قد تضعف بحجب الحقيقة عنها لفترة من الزمن ،وذكر الحقائق من جديد وإعادة قراءة التاريخ مرة تلوى  الاخرى قد ينعش الذاكرة من جديد،بل قد ينجى من الوقوع  مرة اخرى فى غفلة قد تضع صاحبها فى وضع لا يحسد عليه. منذ اكثر من عقدين من الزمان يرفرف فى سماء ارتريا علم {افورقى} الذى صممه واقره بنفسه دون استشارة الشعب كماهو شأنه فى  سائر امور الدولة ونهجه فى الحكم ،حتى كاد الناس نسيان العلم الارترى الشرعى الذى اثبته الأباء الاولون عبر الجدل والنضال تحت قبة البرلمان الارترى الاول من عام 1952.الجيل الذى وليد وكبر فى عهد النظام الديكتاتورى لا يعرف شئ عن تاريخ هذا العلم الذى اريد ان اتحدث عنه  فى هذا المقال لعلى بذلك ازيح عنه الغبرة التى تراكمت عليه حتى حجبته عن اعين الناس والاجيال ، والتجاهل  لهذا  العلم بل إلغائه  منذ سيطرت قيادات الجبهة الشعبية على الوطن بأسره ، لم ياتى  من فراغ انما  هو عمل  ممنهج  من  اجل  محو كل المكتسبات التاريخية  والرموز الوطنية  والاثار التاريخية ،وفى هذا السياق  يأتى محاربة العلم الشرعى لأرتريا حتى يسقط من ايد الناس وقلوبهم ليحل محله علم افورقى  لان كل ما يستخدم ينمو وكل ما يهمل يضمر. لقد لحظت فى الآونة الاخيرة ان  كثير من  ابناء ارتريا  يرفعون بكثرة راية افورقى بحجة انه العلم  الارترى المعترف به  دوليا الان فى الوقت الذى يتظاهرون ضد نظام دكتاتورى معترف  به  دوليا كرئيس لأرتريا   على الاقل الى  هذه اللحظة ، والمسالة  ليست  مسالة  الاعتراف  بالواقع انما هى مسألة ادراك او عدم ادراك  للابعاد  التاريخية  والسياسية والثقافية،وجدلية الصراع فيها ، فى كثير من القضايا منها قضية  العلم والرموز وشعارات الدولة وعطلاتها الرسمية، من هنا رأيت ان اسطر قليل  من السطور لعلى اسلط الضوء  على تاريخ هذا  العلم الذى اسقط فى ليلة ظلماء، كما سرقت نضالات شعبنا فى غفلة من الزمن ،والأمم الحية هى التى تحافظ وتتمسك بمكتسباتها التاريخية وتنقله الى قلوب ابنائها وايدى شبابها ، ليرفرف العلم من بعد ذلك معبرا  عن  تاريخ نضالى طويل من اجل إستقلال ارتريا وسيادتها وكرامة شعبها فوق  ارضه  الحرة.
إذن ما هى قصة هذا  العلم؟ وكيف تم اقراره ؟ وما هى الصعوبات التى وجدها الاباء من اجل اعتماده كعلم رسمى  لأرتريا ؟ فى مقابل علم الاستعمار الاثيوبى الذى اراده البعض ان يكون علما لأرتريا كما ارادوا حكم أثيوبيا  لارض ارتريا .
أولا : أهمية الرايات والأعلام ودلالاتها :
إن للراية والاعلام اهمية خاصة فى تاريخ الشعوب ونفوسها،لانها تعبر فى كثير من الاحيان عن طبيعة الخلاف  وطموح الشعوب وزعمائها،ولعلها فى غالب الاحيان تمدنا بدلالات تكشف لنا عما يختلج فى نفوس اصحاب الراية والاعلام من امال يحلمون من تحقيقها فى المستقبل، والاعلام اذن ليست مجرد قطعة قماش يتم تغييرها فى الغابة دون الرجوع الى راى الشعب او  تختارها لهم  كيف ما  اتفق، لان العلم الوطني  يمثل جميع افراد الشعب ، لذا لا يقل اختيار الشعب لعلمه عن اختياره لمن يدير شؤون حكمه، من هنا لا يمكن لأى شعب حر ان يقبل  علم و رموز او شعارات للدولة  تفرض عليه ودون ارادته  لمجرد  ان  العلم  رفع  فى مبنى الامم  المتحدة او فى منابر  رسمية، لان كل هذا  يمكن تغييره  بقرار يصدر من ارادة الشعب الارترى   لان للأعلام    دلالات  ومعانى  يجب  ادراكها بكل دقة وإهتمام.لأن الرايات والشعارات جزء لا يتجزأ من المكون التاريخى لأى أمة او شعب.ولكل طاغية فى الزمان والمكان رموز وادوات ومنهج ،ولا يقبل المنطق بقبول جزء منها مع رفض  الجزء  الاخر – "... أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض..." "1" - لان هذه الامور كل  لا يتجزء فى بنائه القائم على قاعدة منهجية الظلم والاقصاء ، لان الدكتاتورية قبل ان  تتمظهر فى شكلها  المادى  وهى فكر ومنهج ورموز يقبع فى  رؤس المنظرين له ، ولكل منظر سدنة وحواريين وان ذهب صاحب النظرية تمسكوا بشئ من  نهجه ورموزه لإعادة الكرة بشكل من الاشكال ان استطعوا اليه سبيلا. و الثورة  الحقيقية واصحاب التغيير الحقيقى هم من يضع الدكتاتور ونهجه ورموزه فى ذمة التاريخ.وعلم  افورقى هو  جزء  من هذا  الكل الذى  يجب  على كل  ارترى  ثورى  حر  ان يرفضه. 
ثانيا : مكونات العلم الأرترى  الاول ودلالاته   
يتكون من أرضية زرقاء اللون إشارة الى البحر الأحمر الذى إكتسبت منه ارتريا إسمها،وفى وسطه أغصان الزيتون الخضراء الذى يشير الى السلام فضلا عن  أنه ينبت فى الهضبة الارترية بكثرة ويعرف بالزيتون البرى .تم إثبات هذا العلم شرعيا بالإجماع فى الجمعية الوطنية الارترية المنتخبة وتم اثباته تحت المادة 22 من الدستور الارترى لعام 1952 ، وفى  يوم 15/09/1952 عندما سلمت الادارة البريطانية السلطة رسميا للحكومة الارترية والاثيوبية، تم إنزال العلم البريطانى ورفع بدلا عنه العلم الارترية  فى إشارة واضحة على الحكومة الارترية المستقلة عن الحكومة الفدرالية، والعلم الأثيوبى للإشارة على الحكومة الفدرالية.وبالتالى إن اول علم للشعب الارترى يرفرف فى سماء أرتريا كان هذا العلم الذى إتخذته الثورة الارترية راية النضال والكفاح الأرترى فيما بعد .
ثالثا : جدلية الصراع من اجل  إقرار العلم  فى الجمعية الوطنية الارترية {البرلمان}
بعد إقرار القرار الفدرالى وقبول الاحزاب الأرترية به واجه الشعب الارترى بأسره أعقد ثلاثة إشكاليات كادت ان تفشل تطبيق الفدرالية وتدخال البلاد الى منزلق الحرب  الاهلية وهذه الموضوعات هى :
1-     قضية اللغة  العربية
2-     قضية وجود ممثل الأمبرطور الأثيوبى فى ارتريا
3-     قضية العلم الخاص لأرترية
بعد حل القضية الاولى والثانية عبر التوافق والتنازل بقية  قضية العلم مثار الجدل والصراع  بين ممثل الشعب فى الجمعية الوطنية الارترية والاحزاب السياسية.
حزب الرابطة الاسلامية واحزاب الكتلة الإستقلالية بزعامة الشيخ {إبراهيم سلطان} وكذلك حزب التجمع الإسلامى فى المنطقة الغربية بزعامة السيد {على موسى راداى} كانت تدعوا الى ضرورة ان  يكون لأرترية علمها  الخاص الذى يميزها عن علم الفدرالية بإعتبار أرتريا  كيان مستقل  فى ظل الفدرالية. ام حزب الوحدة مع اثيوبيا {اندنت } بزعامة السيد{ تدل بايرو} رفضوا بشدة  ان  يكون لأرتريا علم خاص بخلاف  العلم الأثيوبى ، وكانوا ينادون  بأن يكون العلم الأثيوبى هو نفسه علم لأرتريا.وكذلك وقفت أثيوبيا عبر ممثلها  بشدة ضد وجود علم خاص لأرتريا قائلا : {إن أرتريا ليست دولة منفصلة حتى يكون لها علمها الخاص} "2" وهذا الكلام كان يدل على النية المبيتة لدى اثيويبا ضد الحكم الفدرالى  برمته  مستقبلا .ومفوض الأمم المتحدة فى ارتريا السيد {ماتيسو} لم يرى أى تعارض مع قرار الفدرالية رقم 390-أ من ان يكون لأرتريا علمها الخاص.
عندما وصلت  الاحزاب الى طريق مسدود شكلت الجمعية الوطنية الارترية بتاريخ 29/05/1952 لجنة خاصة لدراسة قضية  ممثل الامبرطور الاثيوبى وقضية العلم الخاص لأرترية وشعارات الحكومة الارترية  والبوليس الأرترى فى آن واحد وأن تتقدم اللجنة  بتوصياتها للجمعية الوطنية الارترية ، وشكلت اللجنة من {12} شخص وهم : "3"
1- القاضى موسى آدام عمران                 رئيس اللجنة
2- ملأكى سلام دمطروس                      نائب الرئيس
3- الناظر حامد سيد عثمان                    عضوا
4- بلاتا دمساس ولدميكائيل                    عضوا
5- إمبابى قبراملاخ                             عضوا
6- الشيخ حامد فرج حامد                      عضوا 
7- الشيخ محمد باطوق                         عضوا
8- أزماتش بينى زهلاى                       عضوا
9- القنزماش برهانو أحمدين                            عضوا
10- القنزماش حدقبمس كفلوم                 عضوا
11- الشيخ محمد سعيد حسنو                  عضوا
12- القنزماش ولد يوهنس قبراقزى          عضوا

إلا أن اللجنة فشلت فى حسم المسألة ، وإنسحب أعضاء حزب الوحدة {اندنت} من جلسات اللجنة وفضلوا الاحتكام الى الشارع  فى مسألة العلم  وإنطلقوا يطلقون شعارات غاية فى الخطورة قائلين : 
 {يا أنصار الوحدة شمروا للأمر سواعدكم تهيأوا لكى تفدوا العلم الأثيوبى اليوم بأرواحكم كما دافعتم عنه وحميتموه حتى اليوم بدمائكم } "4" هكذا كادة مسالة العلم ان تخلق إضطرابات واسعة النطاق فى ارتريا ، خاصة فى العاصمة أسمرا، وإستعد الجميع للنزال فى ظل التحريض و التعبئة الاعلامية، خاصة عبر الجرائد  الناطقة بالتقرينية والعربية.  
عندما شعرت أثيوبيا بخطورة الامر وخافت من ان تفلت الأمور عن  السيطرة وتفشل الفدرالية بأسرها قبل  ان  تدخل  وتتسلم الامور فى ارتريا ،وبالتالى  اشارت إلى عملائها  فى حزب الوحدة بتجاوز مسالة العلم على  اساس انها قضية مرحلية ومسالة وقت لا أكثر  ، عندها فقط  استطاعت اللجنة ان تصل الى الحل الوسط الذى تمثل فى ان يكون لأرتريا علمها الخاص وأن يكون العلم الأثيوبى  هو علم الفدرالية، وتقدمت اللجنة الى الجمعية الوطنية الارترية  بتوصية مفادها إثتحداث المادة 22 من فقرتين على الدستور الارترى على النحو التالى :
{أ} يحترم علم الفدرالية فى  انحاء ارترية " يقصد به العلم الأثيوبى "
{ب} يكون لأرتريا علمها الخاص وشعارات وأختام يحدد القانون تفاصيلها .
اقرت الجمعية الوطنية الارترية {البرلمان} ما جاء فى توصية اللجنة، بذلك  تم اثبات شرعية العلم الأرترى منذ ذلك التاريخ بشكل ديمقراطى وموافقة الجميع { الجمعية الوطنية الارترية - امبرطور أثيوبيا - مفوض الأمم المتحدة } وكل هؤلاء  وافقوا على المادة 22 من الدستور الارترى لان يكون لارترية علمها الخاص الذى يميزها عن أثيوبيا .
 إلا ان أثيوبيا وحزب الوحدة {أندنت} لم يقبلوا  العلم الخاص لارتريا  صدقا كما كان الامر بالنسبة للفدرالية برمتها، انما كان القبول والتوقيع  على الدستور الارترى  مسالة تكتيكية صرفة لكسب الوقت ووضع القدم فى ارتريا، مع ذلك  انزعاج اثيوبيا من رؤية العلم الأرترى كان اكثر وضوحا لانه كان رمزا يراه الجميع فى كبد السماء،  وبالتالى حاولــت أثيوبيا من اول وهلة وقبل إلغاء الفدرالية رسميا  انزال العلم وإلغائه من ذاكرة الشعب الأرترى. لعل هذا ما يتضح لنا من حديث السيد {حامد فرج} مع المحامى إسماعيل حاج محمود عندما قال له : { يا ابني اسماعيل  الفدرالية قرار دولى وما تطلبه أثيوبيا هو فقط إنزال العلم الأرترى وإلغاء شارات البوليس ولكن الدستور سيبقى كما هو، وفى المستقبل سوف يأتى  جيل جديد ويعيد الأمور الى ما كانت عليه ...}"5"
     رابعا : فشل الفدرالية وإنزال العلم
نشأت حركة تقرير المصير فى أرتريا منذ أن وضعت الحرب العالمية اوزارها واحتلت قوات الحلفاء المتمثلة فى الادارة البريطانية كامل التراب الأرترى من عام 1941.وباتالى أتاحت الادارة البريطانية الفرصة للشعب الارترى للتعبير عن ارائه السياسية وتكوين الاحزاب ليقرر  مصيره بنفسه.
إلا ان الانقسام الدينى فى ارتريا ، جزء يطالب بالإستقلال الكامل،وجزء اخر  يطالب بالإتحاد مع أثيوبيا أدى الى فشل تحقيق الاستقلال  فى عام 1952 ، وبالتالى تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار الاتحاد  الفدرالية رقم {390-أ} مع أثيوبيا كحل وسط لأطراف النزاع ولتأمين المصالح الأثيوبية والدول الكبرى المرتبطة بها تاريخيا.القرار الفدرالى كان ينص على ان ارتريا دولة مستقلة مرتبط فدراليا مع اثيوبيا وتتمتع بسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية مستقلة، ولها علمها الخاص ولغتها الخاصة – العربية والتقرينية- وأن تشترك فى الأجهزة  الفدرالية بعدد متساوى مع أثيوبيا.
لكن السؤال الذى يطرح نفسه بعد فشل حق تقرير المصير لماذا فشلت الفدرالية ؟ هنا يقول الشهيد {عثمان صالح سبي } فى كتابه "جذور الخلافات الأرترية وطرق معالجتها : { فشل التطبيق لم يأت نتيجة النوايا الاثيوبية السيئة فقط ، واهمال الامم المتحدة لوضع ضمانات كافية لصيانة الاتحاد ، وانما جاء الفشل وبصفة اساسية نتيجة استمرار الخلافات الارترية .}"6"
     الخلاصة :
 إن صبر أثيوبيا فى رؤية العلم الارترى يرفرف فى سماء ارترية لم يدوم طويلا،وفى الثانى من شهر نوفمبر من عام 1959 انزلت أثيوبيا  العلم الارترى ليحل مكانه العلم الاثيوبى فقط ، وفى ذات اليوم قدم رئيس الجمعية الوطنية الارترية {البرلمان} السيد "إدريس محمد آدام " إستقالته إحتجاجا على انزال العلم الوطنى من  سماء ارتريا.
وفى نوفمبر من عام 1962 اعلنت اثيوبية بشكل رسمى دمج ارتريا نهائيا الى اثيوبيا وإعتبارارتريا  الاقليم الرابع عشر لاثيوبيا ، بذلك تم دفن  الفدرالية التى تم إجهاضها من الناحية العملية منذ اليوم الاول لولدتها.
وفى غرة الفاتح من سبتمبر عام 1961 رفرف  العلم الارترى من جديد ولكن هذه المرة  فى جبال آدال، عندما فجر  القائد عواتى ثورته فى ذاك  الجبل  الشامخ ولسان حاله يقول :
 السيف أصدق إنباء من الكتب....... فى حده الحد بين الجد واللعب .
بيض الصفائح لا سود الصحائف ... فى متونهن جلاء الشك والريب . "7"
  ومنذ ذلك التاريخ كان العلم الارترى هو رآية النضال التى سالت دماء شهداء ارتريا تحت لوائه، الى ان جاء الابن البار لحزب {اندنت} السيد افورقى ليعد المراحل التى تم حرقها الى المربع الاول وأبتدع لنا من جديد علم لأرتريا من ام افكاره الاقصائية وروحه الديكتاتورية دون ان يستشير الشعب الارترى ،وبذلك مارس  عمليا إلغاء العلم الارترى الشرعى ليحقق بذالك ما  عجز عنه زعماء حزب الوحدة "اندنت" دون شرعية جديدة ليكون الشعب الارترى امام  امر واقع كما هو حال حكمه الغير شرعى الذى يمارسه منذ اكثر من عقدين من الزمن بحكم الامر الواقع ، وليس بحكم  الدستور والقانون والشرعية ..تلك اذن قسمة ضيزى...؟ "8" الا ان الشرفاء من ابناء ارتريا والراسخون فى علم التاريخ لازالو يرفعونه فى قلوبهم وايدهم وفى كل مناسباتهم  وتظاهراتهم اقرارا للشرعية الحقيقية واكراما لشهداء ارتريا الذين  سالت دماءهم  تحت  لوائه واحتراما لنضالات الاباء  ومجهوداتهم من اجل اثباته  ليميز الطيب  عن  الخبيث ، والتمسك بهذا العلم يعتبر التمسك بالمكتسبات التاريخية التى سطرها لنا  الاباء والاجداد .
وجملة القول ان العلم الارترى الاول يبقى  من الناحية القانونية هو العلم الشرعى للوطن  الى ان يأتي برلمان  ارترى منتخب بطريقة ديمقراطية ليبقيه او يلغيه. وفى الاخير لا يحق  الا الحق وان طال الزمن . {فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث } "9"
هذه هى قصة العلم  الارترى وراية النضال . 
--------------------------------  هوامش 
1-     سورة البقرة آية85
2-     عثمان صالح سبي – تاريخ ارتريا ط2/1984ص 205
3-      الم سقد تسفاى – فدرالية ارتريا مع اثيوبيا – ت/ابراهيم توتيل ط1/2009ص176
4-     المصدر السابق /ص 177
5-     موقع ناود للكتاب 19/09/2008
6-     عثمان صالح سبى – جذور الخلافات الارترية وطرق معالجتها – ط1/1978ص27
7-     الشاعر العربى "أبو تمام "
8-     سورة النجم آية 22
9-     سورة الرعد آية 17                
 منقول من موقع ارتريا اون لاين 

متى تتوقف تصرفات وحماقات الحكومات السودانية ضد ابناء شعبنا ؟


متى تتوقف تصرفات وحماقات الحكومات السودانية ضد ابناء شعبنا ؟ / بقلم : حسن ادريس
Thursday, Oct 27, 2011 3:56 pm
متى تتوقف تصرفات وحماقات الحكومات السودانية  ضد ابناء شعبنا ؟  / بقلم : حسن ادريس
قرأت في الايام القلائل الماضية وعلى صفحات الانترت  خبرا يقول :( دانت مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين، يوم الثلاثاء، طرد السودان نحو 300 طالب لجوء يتحدرون من أريتريا، على الرغم من وجود اتفاق بين الخرطوم والمفوضية، بينما يصل الرئيس الأريتري أسياس أفورقي الخرطوم يوم الأربعاء) انتهى الخبر.
مع العلم ان طرد السلطات السودانية لطالبي اللجؤ وتسليمهم للنظام الدكتاتوري في ارتريا لم يكن لاول مرة ، بل هو مرات ومررات يصعب احصاءه .
والغريب في الامر ان هذه الممارسات والحماقات التي تقوم به السلطات السودانية ضد ابنا شعبنا لم تبدأ بها حكومة الانقاذ ، بل مارستها جميع الحكومات السودانية المتعاقبة على الحكم منذو عهد الاستقلال ، ويمكن ان نذكر منه وبختصار شديد ما يلي :
في عام 1964م وقبل اندلاع ثورة اكتوبر والذي بموجبها تنحى الفريق عبود عن الحكم ، سلمت حكومة عبود مجموعة من مناضلي جبهة التحرير الارترية الى الحكومة الاثيوبية المحتلة لارتريا .
·        وفي عهد الحكم  الديمقراطي الذي امتد من اكتوبر 1964- 25- 5-1969م ، سلمت السلطات السودانية مجموعة من مناضلي جبهة التحرير الارتري الى السلطات الاستعمارية لالاثيوبية ، وتم اعدامهم من قبل السلطات الاثيوبية فيما بعد .
·        واثناء حكم نمير الذي امتد من 25 مايو 1969م وحتى ابريل 1985م ، ارتكبت حكومة نميري اكبر جريمة في التاريخ بحق شعبنا ، وذلك عندما تعرضت جبهة التحرير الارترية لمؤامرة تحالف الجبهة الشعبية لتحرير ارتريا ووياني تقراي الاثيوبية ، عملت القوات السودانية على تجريد جيش التحرير الارتري من السلاح وذلك  عندما انسحب جيش التحرير ودخل الحدود السودانية من اجل تجميع قواته واعادة انتشاره مرة ثانية .
·        في عام 1977م ، وبعد الانقلاب الفاشل الذي قاده حسن حسين ضد نميري ، تم اعتقال وسجن وتعذيب مجموعة كبير من المناضلين الارتريين الذين تصادف وجودهم في الخرطوم ، وذلك اثر اشاعة بثتها السفارة الاثيوبية في الخرطوم ، ادعت فيه مشاركة الارتريين في عملية الانقلاب الفاشلة .
·        هذا اذا استثنينا الاعتقالات والكشات الذي كان يتعرض لها الارتريين بمناسبة وغير مناسبة وخاصة عند ما كانت تقوم الوفود الاثيوبية بزيارة للسودان . ومن المفارقات العجيبة  اليوم ان يتم تسليم المعارضيين الارتريين للنظام في ارتريا من قبل السلطات السودانية ، كلما فكر ريئس النظام الارتري القيام بزيارة للسودان .
·        في عام 1983م اعتقلت حكومة نميري مجموعة من القيادات والكوادر العليا في جبهة التحرير الارترية واودعتهم سجن كسلا المركزي وعلى رأسهم كان المناضل ابراهيم محمد علي ، ولم يتوقف  الامر عند الاعتقال فقط ، بل طلب منهم ان يغادروا السودان فورا ، ونتيجة لذلك تم بالفعل اعادة توطينهم وغادروا السودان مكرهين الى امريكا واروبا .
·        وفي عهد  حكومة الصادق المهد التي جاءت بعد انتفاضة ابريل وسقوط نظام نميري وبالتحديد في عام 1986م ، وبعد المحاولة الفاشلة لاغتيال المناضل عبد القادر جيلاني الذي كان يرأس جبهة التحرير الارترية- المجلس الوطني في كسلا بواسطة عبوة ناسفة عن بعد ، قامت حكومة الصادق المهدي باعتقال جميع قيادات الثورة الارترية الذين تصادف وجودهم في الاراضي السودانية وجمعتهم في باحة الامن الخارجي بالخرطوم لعدة اسابيع ، وكان من ضمن القيادات المعتقلة ، الشهيد عثمان صالح سبي ، الشهيد عبدالله ادريس ، المناضل احمد ناصر، المناضل د. هبتي ، المناضل دكتور يوسف برهانو ، المناضل عبد القادر جيلاني وآخرون غيرهم .
·        والغريب في الامر ان المستهدف من عملية الاغتيال كان قيادات الثورة الارترية ، فكيف يستقيم المنطق ان يعتقل المجني عليهم وخاصة ان منفذ عملية الاغتيال الفاشلة قد قبضت عليه السلطات السودانية في نفس اللحظة التي فجرت فيه العبوة الناسفة ومعه جهاز التفجير.
·        وفي عهد حكومة الانقاذ الممتدة من يوليو 1989م والى الآن تمت عدة اغتيالات لقيادات الثورة الارترية داخل مدينة كسلا نذكر منهم ، الشهيد محمود حسب ، الشهيد ادريس هنقلة ، ولد داويت ، هذا بالاضافة لمحاولة الاغتيال الفاشلة للمناضل الشهيد عبدالله ادريس ، وذلك في مدينة الخرطوم وفي وضح النهار ، والجدير بالذكر ان السلطات السودانية ، كانت تسجل تلك الجرائم التي ارتكبت بحق ابناء الشعب الارتري وقيادته ضد مجهول ، مع العلم انها اعتقلت بعض الاشخاص الذين ارتكبوا تلك الجرائم ! !  .
·        في عام 1992م سلمت السلطات السودانية بكسلا ، قياديين في جبهة التحرير الارترية- المجلس الثوري الى نظام اسياس الدكتاتوري ولم يعرف مصيرهم حتى الآن .
·        واليوم تقوم حكومة الانقاذ بتسليم مئات الارتريين من طالبي اللجوء السياسي الى النظام الدكتاتوري في ارتريا مرة تلو المرة من اجل استرضائه غير آبهة بما سيتعرضون له من اعتقالات وتعذيب على ايدي مسؤلي امن النظام الدكتاتوري في ارتريا .
·        هذا هو تصرفات وحماقات الحكومات السودانية المتعاقبة على الحكم في السودان ضد ابناء شعبنا الارتري والذي يتناقض مع اخلاقيات الشعب السوداني المضياف الذي تحمل ولا يزال يتحمل ويتقاسم العيش والملح مع اشقائه من ابناء الشعب الارتري الذي لجأ الى السودان من جحيم الاستعمار الاثيوبي في السابق ومن جحيم نظام اسياس الدكتاتوري حاليا .

·        والاسئلة التي تطرح نفسها علينا الآن هي : متى يتوقف هذا العبث والتصرفات الحمقاء التي تمارسه الحكومات السودانية ضد ابناء شعبنا الارتري ؟ لماذا تلتزم المعارضة الارترية بالصمت وهي ترى وتسمع بطرد السلطات السودانية لمئآت اللاجئين الارتريين وتسليمهم الى النظام الدكتاتوري في ارتريا ؟ وما هو موقف ودور منظمات المجتمع المدني الارترية من تسليم السلطات السودانية لللاجئين الارتريين الى نظام اسياس ام الامر لايعنيها ؟
منقول من موقع ( ارتريا اونلاين )

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013