الثلاثاء، 10 يناير 2017

البروف جلال الدين محمد صالح مع وكالة زاجل الأرترية للأبناء (باسم القروي ، الحلقة الثانية)







البروف جلال الدين محمد صالح مع وكالة زاجل الأرترية للأبناء
(باسم القروي ، الحلقة الثانية)
9 - أنت تؤمن بحركة بناء وسلام، وتعايش سلمي، لا تغالب ديني .. فما الحل شرعاً إذا كانت الأطراف الأخرى أسوداً كاسرة لا ترضى بزيتونك شريكاً وإنما تريدك مطاوعاً ذليلاً مثلما يفعله النظام الحالي يا بروف، هل في الإسلام خيارات أخرى ترد كيد المعتدي؟
9 - المبدأ الأساس هو التعايش السلمي ، والسلم هو أصل العلاقة بين مكون الجماعة الوطنية وما يطرأ على أصل هذه العلاقة يتعامل معه بوصفه حالة شاذة تعالج بالذي يناسبها وفق مقتضيات الحال والمآل.
10 - يا بروف بالوضوح .. هل تجيز قرع الكلاب المسعورة بالعصى دفاعاً عن الحرمات ؟
10 - تكفي الإجابة السابقة ولكل ظرف أحكامه الشرعية التي تعالج النوازل.
12 - قال الأستاذ أبو محمد علي محمد محمود جوابا على سؤال وكالة زجل عن رابطة المنخفضات أواخر شهر أبريل عام 2014م : (في البدء أؤكد على حق كل شخص أو مجموعة في تبنى الفكرة أو المشروع الذي تراه مناسباً لتحقيق أهداف وطنية عامة أو شخصية ، فلا حجر على أفكار أو مبادرات أي أحد ، ومن حق الآخر قبول أو رفض تلك المبادرات والمشروعات...) . ولهذا رأت المقابلة سلبية في ميلاد حركة المنخفضات المناطقية باعتبار المآلات المتوقعة وضربت أمثلة من ا لماضي للاعتبار..
وأنت تغتنم فرصة المقابلة عن قصد دون أن يضطرك سؤال للتتهم طرفاً وتدافع عن رابطة المنخفضات .. لِمَ تَعيبُ على طرف سياسي حقه في تحليل ظواهر ماثلة وإبداء وجهة نظره وترميه بما لا يحتمل نص حديثه من احتكار الساحة لتنظيم واحد. ألم يعبْ نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم على نبي مثله موقفاً دون أن ينتقص منه: (يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى ، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا) خاصة أن المقابلة صرحت باحترامها خيار قيادة المنخفضات مع أنها طرحت بهدوء مقترح مراجعة فكرة المناطق لما فيها من محاذير تجزئة الوطن.
12 - ما وجهته من نقد إلى مقولة الأخ أبي محمد علي محمد محمود حفظه الله ورعاه، اقتضاه السؤال المطروح من قبلكم، ويأتي في سياق التحاور السياسي، وليس في معرض تبادل الاتهامات، ونعم أن الأخ أبا محمد أقر بأحقية تبني الأطروحات السياسية، في الساحة الإرترية، وهذا متوقع من شخصية في مثل نضجه السياسي، لكن إلحاق المواقف السياسية (بالاستعمار) هو الذي عبته على الأخ أبي محمد؛ لأنه يعني في نظري سحب الشرعية الوطنية، والأخ أبو محمد لا يمثل شخصه، وإنما يمثل تنظيماً يتصدره، فهي قبل أن تكون رؤيته الخاصة به، هي رؤية للتنظيم الذي يتصدره، وهذه في نظري مشكلة كبرى، حين تصنف كيانًا ما، على أنه يعتنق فكرة استعمارية؛ لأن هذا الحكم يحول بينك وبين فتح الحوار معه، ما لم يتنازل عن فكرته الاستعمارية، في معاييرك، وليس في معاييره، وهو ما يباعد الشقة بين الأطراف المتباينة، والتي هي في حاجة إلى التلاقي والتحاور، نصرة للمستضعفين كافة، أنا هنا لا أدافع عن جهة بعينها، وإنما أدافع عن فكرة هي باختصار ( عدم إصدار الأحكام مع الاحتفاظ بحق التخالف والتناقد ).
الذي أفهمه أن رابطة منخفضات إرتريا مؤسسة مدنية، تشعر أن المنخفضات أضحت محل استيطان عنصر آخر، في غياب أهلها وإقصائهم في معسكرات اللاجئين، وأنها في حاجة إلى تكتيل ناسها لحمايتها من هذا الاستيطان، بحجة أن الأرض ملك الدولة، وما أظن هذا له صلة بالاستعمار، ولا بدوائر مراكز الدراسات التي تعمل لإعادة طرح مشروع استعماري، وأما أنها قد تستغله فنعم، ولكن ليس هو ما يستغل فقط، فكل المشاريع يمكن استغلالها، ومع ذلك من حق كل واحد منا أن يكون له تحفظ على مشروع ما، أيا كان هذا المشروع، سواء في الفكرة نفسها، أو في القائمين عليها، أو في الوقت الذي طرحت فيه، أو في الصيغة والصورة التي قدمت بها.
13 - لاحظت أنك تتقمص شخصية د.حسن الترابي - رحمه الله - يظهر فيك بتصنع في لغته وحركاته و صوته وإشاراته التعبيرية ونبرات صوته وإثاراته الفكرية الشاغلة .. والقامة واللون والجسم وحتى الصلعة وخفة اللحية أمور تعزز من أوجه التشابه .. فهل انت مفتوح بالأموات ؟ أين شخصية البروف جلال الدين الخاصة ؟
13- ما كنت أظن أبدًا أن لي شبها بالشيخ الدكتور حسن عبد الله الترابي رحمه الله، لا شكلاً ولا تحريكاً، ولا ابتسامة، وما انتبهت لهذا إلا حين سمعت ذلك من الشيخ راشد الغنوشي حفظه الله، في أول لقاء قابلته فيه بـ( آخن ) في ألمانيا، مركز (بلال بن رباح رضي الله عنه) الذي من خلاله ينشط الأستاذ عصام العطار متعه الله بالصحة والعافية، وختم لنا وله بالصالحات أعمالنا، في ندوة نظمها اتحاد العمال المسلمين بأوربا، تحت عنوان ( أولويات العمل الإسلامي في أوروبا ) وكانت لي في هذه الندوة ورقة قدمتها، وبعد فراغي من إلقائها ومناقشة المداخلات الواردة بشأنها، سألني الشيخ راشد الغنوشي: ما صلتك بالدكتور حسن الترابي، هل بينكما صلة قرابة؟ فقلت له: كلا، فقال لي: فيك شبه به، شكلاً وحركة، وكلاماً. بعدها أصبحت أسمع هذا من كثيرين، في المؤتمرات الإسلامية التي حضرتها، وأنا لا أفعل ذلك تقصدًا، ولا تعمدًا، أو تقمصًا، ولكنها حركاتي الذاتية، تصدر مني عفوًا.
من الناحية الفكرية عندي الكثير الذي لا أوافق فيه الترابي رحمه الله، ومع ذلك لا أنفي أني قرأت عدداً من إنتاجه الفكري، واستمعت إلى الكثير من محاضراته، ولقاءاته السياسية، واستمتعت بها، وأعجبت بخاصية التجدد فيه، في الوسائل التي ينتهجها، وفي بعض الأفكار التي يطرحها، وكذلك أود أن أفعل، ما دامت هذه الأفكار ليست من قطعيات الدين، وإنما من ظنياته، وتأثري به لا يعني ذوبانًا فيه، وإنما هكذا الدنيا مؤثر ومتأثر، وما هذا بعيب في الإنسان، ما لم يكن إلى حد الفناء، وطمس الشخصية، ومع كل هذا لم أقابله إلا مرة واحدة بصحبة الشهيد أول خير مصطفى رحمه الله عام 1991م.
14- من عواصم العمل الجماعي من التمزق تاتي البيعة والعهود والمواثيق واللوائح التنظيمية الضابطة والأهداف الجامعة التي توجب الوفاء والسمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره حتى على الأثرة وأنتم علماء الشريعة والدين ومع ذلك ساقتكم الآراء والاجتهادات المتباينة إلى توزيع الأدلة فيما بينكم فكل الشظايا المعممة تزعم أنها أقرب إلى رضى الله من صاحبتها وتحشد من الأدلة ما يقنعها بعدم التلاقي مع أختها والشعب محتار .
كيف تقرأ هذه الصورة الشائنة للإسلاميين وأنت صاحب علم غزير، وعمر مديد، وتجارب ثرة ؟
14- أهم داء يفتك بالعمل الجماعي هو داء الانشطار والتشظي، والتدين في الفرد يبلى فيحتاج إلى التجدد، وكذلك هو في الحركات والجماعات الناشطة، يتقادم عليها الزمن، فيبلى فيها التدين، وساعتها تصاب بعلل التدين، من الشعور بالاصطفائية عند الله، كما كان الحال مع بني إسرائيل يوم قالوا: (نحن أبناء الله وأحباؤه) وزعموا ( أن الله اصطفاهم وفضلهم على العالمين ) و( أنه لا يدخل الجنة إلا من كان هودا) وهذا النوع من الشعور هو الذي يولد التعادي والتنافر، وهو نهج طائفي مقيت، ومن أهم سبل معالجاته التجدد في الوسائل من الآليات، وفي الظنيات من الأفكار، وفي العقليات مقارنة بالنقليات.
15 - كان مقبولاً أن يختلف العامة استجابة لمفاهيم قبلية أو إقليمية أو ربما انخداعاً ببريق نعمة قريبة أو خوف من بلاء نازل فهل تجد مبررات مقدرة تجعل العمائم تختلف وتتناطح ؟
15- لا أجد مبررًا للعمائم أن تختلف اختلاف تضاد، يشرق بينها ويغرب، ولكن لا تنسى أن العمائم إذا لم تتعهد ذاتها بالتجدد، تصاب كما قلت لك آنفا بداء التشظي، الاختلاف في حد ذاته ليس ممقوتا متى ما كان اختلاف تنوع، ومع اختلاف التنوع يكون التوالي، في حين غالباً ما يستصحب التعادي اختلافُ التضاد.
16 - يا استاذ جلال أنت علم وعالم تمثل الوجه الإسلامي علماً وشكلاً وحقيقة نعتز بك لكنا نراك تصاحب أكثر الوجوه بعدًا عن الشريعة والدعوة تصاحب العلمانيين أكثر من مصاحبتك الإسلاميين..حتى أيام المدينة المنورة كنت ترى تتشبث بأضيق دائرة وأنآها عن الجماعة الطلابية الإسلامية بتكويناتها .. أما كان الأجدر بك أن تكون قائداً رائدًا بين الإسلاميين طائعاً أو مطاعًا وأميرًا ومأمورًا ؟
16- أنا من طبعي انفتاحي، أقترب إلى كل من يود الاقتراب مني، وتحاوري، أحب أن أتحاور مع كل من يختلف معي، وأنا إسلامي في وجهتي السياسية، وخياراتي الفكرية، وكثيرًا ما أحب أن أقترب ممن يشاركني الانتماء إلى هذه المدرسة، وما ذكرته عني في المدينة من نأي عن (الجماعات الطلابية الإسلامية ) ما كان إلا لأن هذه الجماعات كانت تتعامل بمنهجية الاصطفاء، توالي الموالين لكيانها، وتقصي لمن كانت تظن فيهم المخالفة الفكرية، أو تلمس منهم انعدام المطاوعة والمسايرة، وكل كيان منها كان يجند من الساحة الطلابية من يراه أقرب إليه فكراً، وأسرع إليه التزاماً، ومن هذا الباب كان أفراد من أنصار السنة، يشيعون عني أني من (الأخوان المسلمون ) حتى يعزلونني عن الاتجاه السلفي، مع أن كثيرًا منهم يعرفونني، ويعرفون سلفيتي، كما يعرفون أبناءهم، ولكن أن فريقًا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون؛ يفعلون ذلك لمجرد أني كنت أنقد نمطهم التقليدي في العمل؛ ولمجرد أني كنت منفتحاً على تراث الأخوان المسلمين، واليوم هم في أنفسهم لم يعودوا أمة واحدة، كل فئة تنزع ثوب السلفية عن الأخرى، فمنهم الجاميون، ومنهم غير ذلك، غشيهم علل التدين كغيرهم، فجعل منهم طرائق قددًا، وربك أعلم بمن اهتدى، ولا نزكي على الله أحداً، وكان (الأخوان المسلمون) لا يحيونني بأحسن مما كنت أحييهم به، قليلاً ما كانوا يجالسونني، حتى في طاولة مطعم الجامعة ساعة الغداء أو العشاء، يتجاهلونني إلى مائدة أخرى، الأخوان فيها كثر، وكأن الأخوة في الله لا تعني إلا من كان مبايعاً، وكأن الآخرين شاقوا سبيل المؤمنين، وصدوا عنه صدودًا، مفاهيم وممارسات جد غريبة، تعكس حالة ضيق الأفق التي كانت عليها هذه الكيانات التي سألتني عنها في الساحة الطلابية، كل ينحاز إلى فريقه، وكنت أنحاز إلى الكرنيين الذين آثروا خيار (عدم الانحياز) على أحد المعسكرين المتنافسين، معسكر الأخوان المسلمون، ومعسكر أنصار السنة، فأجد فيهم ترويحاً بنكتهم اللطيفة والبريئة التي كانت تصلني بكرن، وفكاً لهذا النوع من الحصار الاجتماعي الذي كان يمارس تحت عنوان التربية بالمقاطعة، فقهاً معوجاً لفعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الثلاثة الذين تخلفوا، وهو في الحقيقة ليس تربية، وإنما ضغطًا، وقهراً، وإكراهاً، وإقصاءً، وكان الأخوان إذا ما التقوا بي قالوا لي غير الحقيقة التي كنت أعرفها عنهم، وعن الساحة الطلابية واختلافاتها الحقيقية، وهذا ما كان يستفزني، ويشعرني بأنهم يحاولون التذاكي علي، واستغبائي؛ لهذا كنت أجد نفورًا في نفسي من هذه الكيانات، دون أن أجد نفورًا من الفكر الإسلامي، بمدارسه المتنوعة، فما زلت حتى هذه اللحظة أعتز بانتمائي إلى الفكر الإسلامي، أرتشف من رحيق هذا وذاك، على بصيرة، فأزمتي مع هذه الكيانات كانت أزمة ثقة، ليس إلا، لا أزمة فكر، وتقاربي مع من يخالفني الوجهة من بعض أفراد التيارات غير الإسلامية، هو نوع من الانفتاح على الآخر، دون التخلي عن خصائص الذات ومبادئها.
17 - هل تتوقع أن تنجح المساعي التي تجتهد لتوحيد الإسلاميين الإرتريين وما عوامل نجاحها أو فشلها في رأيك؟
17- التصالح هو تفاعل بين أكثر من طرف، كما هو مقتضى وزنه ( تفاعل ) ولا يمكن لهذا التفاعل أن يكون حقيقة واقعية، ما لم يكن أولا إرادة صادقة، ونية مخلصة؛ لهذا قال المولى عز وجل في شأن الزوجين المختلفين (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما ) الضمير في قوله إن (إن يريدا ) أعاده بعض المفسرين إلى الحكمين، وبعضهم إلى الزوجين، وأيا كان الأمر، فإن الإصلاح بين الزوجين سيتحقق بتوفيق من الله، إذا أراد الحكمان أو الزوجان الإصلاح، بهذا لا أستبعد أن تستعيد الحركة الإسلامية الإرترية عافيتها، فتتوحد من جديد، إذا أرادت ذلك إخلاصا لا مزايدة أو مكايدة، وإذا ما تخلصت من مناحاة كربلاء، وثارات الحسين، فما زال بعض من الإسلاميين يعيش مرارة الماضي، كلما خطوا خطوة إلى الأمام، أعادهم الماضي إلى ما مضى، يندبون حظهم فيه، وينوحون، وكأن عجلة التاريخ قد توقفت، وكأن الحسنات لا تذهب السيئات، وكأن أن لا تغافر، ولا تسامح، وإنما خصومة دائمة، تمتد عبر التاريخ، جميل أن تتعظ بالتاريخ، ولكن كم هو قبيح أن تكون أسير سلبيات التاريخ، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ليس بالضرورة أن تكون هذه الوحدة اندماجية، وإنما تحالفية، على مشروع سياسي واضح المعالم، يفصل فيه العمل الدعوي عن العمل السياسي، فالإسلاميون حتى هذه اللحظة في حدود معرفتي خطابهم تقليدي، يطرحون العموميات، الديمقراطية فقط في المطالب السياسية، اللغة العربية والتجرنية فقط، في المطالب الثقافية، الثنائية فقط، مسلمون، مسيحيون، في حل إشكالية السلطة والثروة، في حين المسألة أعقد بكثير، وأبعاد الصراع أعمق بكثير، إنهم يعيشون فترة الأربعينيات، وخطابها السياسي، أدعوهم إلى التجدد في الطرح، والتوكل في اقتحام عقبته والمدافعة عنه، ثم المدافعة به، والانتقال من الطرح التقليدي الموروث إلى الطرح التجديدي المواكب.
18 - هل من تعليق على مقابلة الأستاذ أحمد القيسي مع وكالة زاجل الأرترية التي اعترفت أن القناعات الفكرية والتصورات الأيديولوجية ، هي خرافة دفعوا فيها أكثر مما ينبغي وأن أسياس أفورقي كان صنماً صنعه رفاقه ؟
18- المناضل القيسي هو أحد القيادات الماركسية، في قوات التحرير الشعبية، التي أسهمت في صناعة هذا الصنم بقوة، وقد أقر هو بذلك حين قال: (صنعنا صنما) وفي الحقيقة، ومن غير اتهام للمناضل القيسي بعينه، ولا لغيره من الرفاق الأوائل، هم لم يصنعوا صنماً فحسب، وإنما صنعوا معه أيضا إرهاباً؛ من خلال السياسات التي اختطها منظرو التنظيم، ومؤسسو حزبه السري ( حزب الشعب ) من طلائع الشيوعيين، في علاقتهم مع الآخر المخالف لهم فكرياً، وسياسياً، وتنظيمياً، وجسدوها عملياً في جملة من الاغتيالات، والاختطافات، والاعتقالات، والتصفيات، داخل التنظيم وخارجه، إلى درجة التحالف مع الوياني؛ لتصفية جبهة تحرير إرتريا، التي هي الأخرى كان يقودها حزب شيوعي سري، عرف بـ(حزب العمل) ومارس هو الآخر قدرًا من الإرهاب ضد مخالفيه، فاعتقل، وعذب، وتآمر بعض منه على الجبهة نفسها بالتنسيق مع حزب الشعب في الجبهة الشعبية، حسب شهادة بعض قيادييه في مذكراتهم، وهؤلاء الشيوعيون في جلهم وغالب منهم، كانوا بلا شك وما زالوا وطنيين مخلصين للفكرة الوطنية، ومناضلين ضد القوى الاستعمارية بشراسة وعناد، غير أنهم اسْتُغِلُوا ووظفوا في خدمة مشروع شيفوني بغيض، على غير وعي منهم، وبقدر كبير من السذاجة، ألقى بهم المشروع في نهاية المطاف في السجون والمعتقلات، دونما رحمة، عندما اعترضوا عليه وقالوا له: ( لا ) وأجرى عليهم قانون التصفيات نفسه، وسياسات الإرهاب نفسها التي مارسوها هم من خلال حزبهم السري من قبل، ضد مخالفيهم، مؤصلين لها ومباركين، ومهما تفاوتوا في درجات السذاجة بحالة الاستغلال التي وقعت عليهم، فإنهم في النهاية كانوا جميعهم ضحية سذاجتهم هذه، وليس جماعة منهم فحسب، أو فرد، فنكبوا أنفسهم، ونكبوا معهم الشعب الإرتري، وفي حين يقر بعضهم أنهم استغلوا فعلاً ووظفوا في خدمة مشروع آخر، سذاجة منهم، وهذا ما قاله لي أحد كوادرهم العليا الذي أفنى عمره في خدمة التنظيم، يوم التقيته في بلد عربي، يكابر بعضهم، ويأبى أن يقر بهذه السذاجة، وأيا كان فالخاتمة بالنسبة لهم وللشعب الإرتري قاطبة كانت سيئة ومريرة، وكم يكون جميلاً وحسناً وخدمة كبيرة للشعب الإرتري، لو أن بقايا هؤلاء الشيوعيين عكفوا على كتابة تجربتهم هذه، وقدموها إلى الشعب الإرتري برؤية نقدية، لا بنفس تمجيدي، إطرائي، كما فعل بادوري في كتابه ( إرتريا رحلة في الذاكرة) ومن قبله الأمين محمد سعيد، في كتابه ( الثورة الإرترية الدفع والتردي ) حتى تكون عبرة للمعتبرين، ففي قصصهم والمآل الذي انتهى بهم فعلاً عبرة لأولي الألباب، من الأجيال القادمة، حتى لا تكون ضحية مشاريع مشابهة، تركب ظهور الساذجين، من الوطنيين المخلصين، فكونك وطنياً مخلصاً لا يعني بالضرورة أنك فطن في كل الأحوال، لا تنطلي عليك الألاعيب، وأنك على أمان من تمرير المشاريع الضارة، أو الأجندات المهلكة، كما يسميها المناضل القيسي حين وصف أجندة الرئيس بالمهلكة.
19 - غيركم فشل في حل المشكل الإرتري يا أهل الدين فهل من مساعي جادة لتلاقي العلماء المسلمين والقساوسة المسيحيين لبذل جهد مشترك لصالح الوحدة الوطنية؟ علما أن الإسلام أمر معتنقيه بمثل هذا التعاون على المعروف ؟
19- اسمح لي أن أقول لك: إن الصراع الإرتري الإرتري ليس صراعًا دينياً، حتى يحتاج إلى علماء وقساوسة، وإنما هو صراع سياسي، والدين فيه عامل تأجيجي، والدين كغيره من المُثُل العليا يستغل ويوظف لمآرب أخرى، والساسة من هذا الطرف أو ذاك، يمكن أن يجعلوا من الدين مطية لهم إلى مصالحهم الخاصة، فيوهم نفر منهم المسيحيين بأن المسلمين يكيدون لهم كيدًا، وآخرون يوهمون المسلمين أن المسيحيين يمكرون بهم مكرًا كُبَّارًا، في حين الأمر ليس كذلك، وإنما هؤلاء ينفخون في كير هؤلاء، وهؤلاء ينفخون في كير هؤلاء، ومع ذلك من المهم أن تتصاعد وتيرة الحوار الثقافي والديني بين المسلمين والمسيحيين، في سبيل التعايش معاً بسلام، وأن يحل الصراع السياسي بتوزيع السلطة والثروة، بين كل المكون الإرتري، على أساس من العدالة الحقيقية لا الشكلية، الصراع ليس ثنائياً بين المسلمين والمسيحيين، وإنما في كل منهم صراع داخلي، ومداره السلطة والثروة، وليس الدين بالدرجة الأولى والأساسية.
20 - الحوار أسلوب حضاري لمعالجة القضايا المجتمعية هل من تقييم لواقع الحوار في الساحة الأرترية وإلى أي حد يعطي الإسلاميون أولوية للحوار مع مخالفيهم ..توضيح لمبدأ الحوار بين النظرية والتطبيق لدى الإسلاميين الأرتريين ؟
20- يظهر لي أن الحوار يشغل حيزاً كبيراً من اهتمامات الإسلاميين؛ ومن هنا نجدهم يمثلون ركنًا أساسياً في الحراك السياسي الجاري في الساحة الإرترية، ولكن من المهم أن يبعث الإسلاميون الحوار بينهم أولاً من مرقده، حتى يذهبوا حالة التجافي بينهم والتنافي، فتلاقيهم وتآلفهم جزء مهم من بناء حالة الاستقرار السياسي، في المجتمع الإرتري، ورفع الاستضعاف عن المستضعفين، مسلمهم، ومسيحيهم، ووثنيهم، من كل الجماعات الإرترية، في التربة الإرترية.
21 - من سيرة الشعب الأرتري أنه شجاع ضد إثيوبيا لكنه جبان ضد نظام الجبهة الشعبية منكس الرأي يبحث عن الهروب فقط ليهلك ولا يفكر في الدفاع عن نفسه عرضاً وأرضاً وحرمات ..غيب خيرة أنبائه علماً وخلقاً ولم يتحرك
كيف تفسر هذا الوضع الذليل الذي عليه الشعب الأرتري ؟
21- الشعوب تصاب بالإحباط كما الأفراد يصابون، والشعوب تعطي وتضحي، ولكن إلى حد معلوم، والشعب الإرتري أعطى وضحى؛ لأنه كان ينتظر الأخذ والمكافأة، ولكن فوجئ بنقيض ما كان ينتظره، وأصبح بين مطرقة حكومة أفورقي الذي انقلب على الجبهة الشعبية نفسها، وسندان المعارضة التي عجزت عن إثبات ذاتها بقوة، فآثر الفرار قائلا: (انج سعد فقد هلك سعيد) إذ لا يرى أملا في المعارضة لضعفها وانقساماتها، ولا يرى في حكومة أفورقي ليونة لعنجهيتها وكبريائها، فماله من سبيل إلا الفرار، ليس جبنا ولكن لعدم الثقة في من يحكم، وفي من يعارض.
22 - السلاح فشل في حل إشكالات الثورة الأرترية عبر تاريخها والحوارات خابت مساعيها ..أين المخرج هل ترى ضوءاً في الأفق ؟
22 – نعم أرى ضوءًا في الأفق، وشروقاً للحرية بعد غروبها، فما من ضائقة إلا ويعقبها انفراج، تلك سنة الله في الذين خلوا من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
التغيير لا محالة آت، والدكتاتور مهما انتفش فإنه لاشك زائل، ولكن السؤال: ماذا أعددنا لما بعد زوال الدكتاتور وسقوطه؟ تعلم ـــ أخي الدكتور باسم ـــ ذلك الرجل الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم: متى الساعة؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ماذا أعددت لها؟.
ما مشروعنا السياسي الذي أعددناه لما بعد سقوط النظام الشيفوني؟ ما رؤيتنا لحل إشكالية السلطة والثروة؟ هل كل ما نريده هو فقط هامش من الديمقراطية تعطى لنا، والثنائية في اللغة ( العربية والتجرنية ) ينص عليهما الدستور وكفى، ثم الحشاش يملآ شبكته؟ ما السبيل إلى ملأ الفراغ؟ كيف ننفتح على شعبنا كله ونقوده إلى حياة آمنة ومستقرة، ونجنبه الانهيارات الأمنية التي تتخطف الناس من حولنا؟
هذا هو أكبر تحد يواجهنا، وليس سقوط النظام وزواله، فذلك أمر مفروغ منه، ومن المهم ذكره هنا أن في الجيش الشعبي أحرارًا يسوؤهم ما آل إليه نضالهم، وفيهم عقلاء لابد أن ينهضوا بواجبهم الوطني نحو إسعاد المواطن، واستقرار الوطن، ويعملوا مع العاملين في مشروع التغيير والبناء.
23 – أنت ترأس مجلس شورى رابطة علماء أرتريا فهل من تعريف موجز بهذه الرابطة وما المسافة التي تفصل بينها وبين هيئة علماء ارتريا ؟ وبينها وبين العمل السياسي ؟
23- رابطة علماء إرترية هيئة شرعية تعنى بشؤون الدعوة والدعاة، وليست كيانًا سياسياً، تسعى إلى أن تكون مؤسسة جامعة لكل الكيانات الدعوية في المجتمع الإرتري، في سبيل خدمة الدعوة والداعية، والطالب والطالبة، في مختلف التخصصات، ومع ذلك قد تكون هناك هيئات علمائية، لم تسمع بها الرابطة، وهي ما زالت قائمة، وأخرى تعلم بها، من نحو (هيئة علماء مسلمي إرتريا) التي لم تحل ذاتها، على الرغم من أن لعضويتها العضوية الكاملة في الرابطة، وهم مشاركون في تأسيسها، وعدم المسارعة إلى الحل ربما آتٍ من الخوف عن المآلات الضارة، اعتبارًا بما سلف، وأحسب أنها مرحلة تأنٍ وتفكرٍ، وظني أنهم متى ما اطمأنت نفوسهم، وانقشعت مخاوفهم من المآلات، وغلب عليهم الظن الراجح بقوة الرابطة واستمراريتها، سارعوا إلى كلمة سواء تجمع الشتات، وإلى التوحيد قولاً وفعلاً، توحيداً للخالق، وتوحيداً للموحدين جميعا.
24 - المساحة الختامية لك ماذا تقول الشيخ جلال الدين محمد صالح؟
24- في ختام هذا اللقاء أشكر الأخوة في وكالة زاجل للأنباء وأتمنى لهم مزيدا من النجاح الإعلامي، سائلا المولى لي ولهم التوفيق والسداد 
منقول من موقع عونا

د. جلال الدين محمد صالح في حواره مع وكالة زاجل




.د. جلال الدين محمد صالح في حواره مع وكالة زاجل :



لا يلزم الوفاء ببيعة استحالت جماعتها إلى جماعات

أنا سلفي عقيدة، وإخواني فكراً وسياسة، وأعرف منهجية الاجتهاد الشرعي.

سلوك الإسلاميين المستفز نفرني عنهم تنظيمياً، وتواصلي مع غيرهم تواصل حوارٍ وانفتاحٍ

لم أرث القلم عن أسرتي، وأتوقع أن ترث قلمي ابنتي ابتهال - تخصص" جينات"

استهلال:

أ.د.جلال الدين محمد صالح داعية أكاديمي أرتري باحث وهو من القلة الذين يمثلون وجه الوطن المسلم في سعة ثقافته و فصاحة لسانه وجمال هيئته وحسن هندامه وتبنيه القضية بالوضوح في حين يتوارى كثيرون بسبب ظروف لم يتعرض لها هو بحكم إقامته في مساحة حرة غير مضايقة سياسياً وقد اغتنمها بذكاء وهمة حتى سطع نجماً وزاحم بشرف ممثلا ً لأرتريا في منابر إعلامية وأكاديمية وسياسية.
لم يحدث أن أجريت مقابلة مثل هذه في هدوئها وسلاستها حيث اكتملت دون مهددات بالنسف والتدابر ومع ذلك يظل البروف جلال الدين محمد صالح يحافظ على آراء وسلوك خاص يتكلف له - في رأيي - الاستنباطات القلقة من النصوص الشرعية فهو لا يرى بأساً أن يتحلل من قيود البيعة ومواثيق الجماعة إذا انشق بعضها عن بعض الأمر الذي يجعله غير قادر على معرفة المحق والمبطل عند البلاء والفتن .. ولا يرى حرجاً أن يكون ضمن جماعة اليوم وغدًا في غيرها بحجة البحث عن التجدد وهو سلفي عقيدة وإخواني فكرًا وسياسة ويضيق به الماعون التنظيمي في الطرفين ، وتنشرح مسيرته التاريخية لغير الإسلاميين تواصلاً ، ويحب توحد الإسلاميين في كيان يحكمه المواثيق، ويرى تفرق العمائم لا مبرر له ؛ دون أن يعيب على نفسه سلوكه في البعد عن الكيانان الجماعية الإسلامية متى شاء ، والخروج عليها متى شاء ، ويتهم في حديثه أن الجماعات تستخدم فقه البيعة سوطاً على مخالفيها مستدلة بنصوص نقض البيعة التي تلاحق الناكثين بالطرد من رحمة الله !! ويبالغ أ.د.جلال الدين مبالغة تتعارض مع مستواه العلمي الشرعي في القول: إن الجماعات تعتبر الخارج عليها خارج عن الله ويتهم من ينتقد بعض المبادرات الأرترية المناطقية بدعاة هيمنة الطائفة أو التنظيم ويسهب في شرح رأيه.. وهذا استنباط ظالم لأن الجماعات السياسية كلها لم تدعِ التفرد بالرأي ولا بالتنظيم ولا بالساحة.. ولم تتبنَ في أطروحاتها السياسية أنها الوحيدة الأحق بالسيطرة والحكم وإدارة البلاد والعباد ..
ومع كل هذه الملاحظات يظل البروف جلال الدين الباحث الناجح والرقم المهم بين صفوف الإسلاميين خاصة والمعارضة الأرترية عامة ولو صبر على كدر الجماعة وأطاع في المعروف وحبس نفسه في الأطر التنظيمية إدارة وولاء وتقيد بها وابتعد عن الهواجس التي أخذت تفسر سلوك الآخرين تجاهه تفسيرًا سلبياً – قد لا يوافقه الواقع - و رضي بوضع الجماعة له مكاناً ومكانة لو فعل ذلك لأصبح قائدًا للإسلاميين بلا منازع نحسبه كذلك ولا نزكيه على الله .
قلت له :

1 - أنت مشهورٌ في الإعلام صوتاً وصورة ً حاضرٌ قلماً وفكرًا لكني أنظر إليك ؛ أنك مضنى ، عاكف بين بطون الكتب ، حاني الظهر، ساهر العينين مُجْهَد ، شارد عمن حولك، تناجي السابقين واللاحقين صامتاً.. فهل تشهد أنك ناجح في بيتك؟ ألقِ الضوء عن أسرتك الصغيرة، يا بروف وبرنامجك اليومي معها ، وهل ورثَ القلمَ سابقٌ لخالفٍ؟

1- في البدء تحية لك أخي الدكتور باسم القروي، وشكرًا لهذه المؤسسة الإعلامية الرائدة، في ميدان الإعلام الإرتري، التي أتاحت لي هذه السانحة المباركة بإذن الله، أطل عبرها على القارئ الإرتري الكريم.
غير خافٍ لديك ـــ الأخ الدكتور باسم القروي ـــ أن النجاح نسبي، ولا بد أن يكون لي قدر من هذا النجاح النسبي، إلى جانب قدر من الإخفاق؛ ومن ثم لا أشهد بأني ناجح، أو فاشل مطلقاً، ولكن أشهد بأني حققت قدرًا من النجاح في حياتي الأسرية، فأنا على وفاق كبير مع زوجتي وأبنائي، وإخواني، وقد مَنَّ الله علي بابن بار بي وبأمه، هو الآن يحضر الماجستير في جامعة لندن، في العلاقات الدولية، وببنت بارة أيضاً، ومتفوقة، هي في الفصول النهائية من المرحلة الجامعية، تخصص (جينات ) في جامعة (وستمنستر ) لندن، وتقدمني ابن ثالث هو الأصغر، أسأل الله أن يشفعه في، يوم ألقاه، ويبارك لي فيما أبقى من النسل والذرية.
كثيراً ما يشغلني العمل العام عن شؤون الأسرة، إضافة إلى العمل الأكاديمي، ومع ذلك أحاول قدر الإمكان أن تكون لي جلسات، فأنضبط أحياناً، وأنفلت أحايين كثيرة، ومن هنا لم يكن برنامجي مع الأسرة ثابتاً على نسق واحد، إلا أن من أهم ما فيه الجلوس معاً، سؤال الأبناء عن الإنجاز المدرسي، مراجعة التلاوة القرآنية؛ حيث كانت ابنتي تحرص على مادة القرآن في المدرسة، يوم كانوا معي في الرياض؛ ولهذا جاءت إجادتها للتجويد حسنة، كذلك ابني قراءته للقرآن جيدة.
وبخصوص وراثة القلم، فإني وحيد الأسرة في الاشتغال بالكتابة، لا أعلم سابقًا لي فيها، وأتوقع أن تكون ابنتي ابتهال هي الوريثة لي في هذا المجال، فقد حازت على جائزة أفضل إنتاج أدبي باللغة الإنجليزية، وهي في مرحلة تعليمها المتوسطي في لندن؛ لعل هذا يجعل منها وريثة قلم سابق، قلم أبيها، كذلك الابن مصعب حفظهما الله معًا، مجال تخصصه علاقات دولية، له الملكة الكتابية، إن تابع ذلك واهتم به، طبعاً باللغة الإنجليزية.

2 - لا توجد الشيعة في أرتريا فما الذي جعل منك خصما للشيعة تناطحهم في الرسائل العلمية وفي المنابر الإعلامية ؟ هل تعيش معركة بلا مبرر جابر؟ أما كان الأفضل للشعب الأرتري أن يتخصص أ.د. جلال الدين في خصوصياته شريعة وجغرافية وتاريخاً وتربية واقتصاداً وسياسةً؟

2- نعم لا يوجد التشيع المنحرف في إرتريا، فقد وقاها الله شره، ونعم أنا خصم لهذا التشيع المنحرف، خصومة فكرية، شأن كل من يحفظ للصحابة رضوان الله عليهم جميعاً منزلتهم السامية، عند الله وعند رسوله، وعند المؤمنين، دون انتقاص لمنزلة أهل البيت، رضوان الله عليهم، لا يملك إلا أن يكون خصماً لهذا التشيع، وأنا لا أعيش معركة وهمية، ليس لها من مبرر، ولكن أخوض معركة مفروضة على الأمة، كلنا نرى آثارها في سوريا على نحو أبشع، تذكرنا بخيانة الوزير العباسي الشيعي ابن العلقمي، حين تحالف من منطلق طائفي صرف، مع التتار في اجتياح بغداد، والتنكيل بأهلها، وقتل الخليفة العباسي، إذن هي معركة حقيقية، لها ماضيها، كما لها حاضرها المشاهد الملموس، ولها رؤيتها المستقبلية، يفرضها علي تخصصي، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، كما هي القاعدة الأصولية.
وحملني على هذا التخصص دون غيره مما ذكرتم، رغبة ذاتية بالدرجة الأولى والأساسية، جاءت من دراسة مقالات بعض الفرق الإسلامية، في (كلية الدعوة وأصول الدين) بالجامعة الإسلامية، بالمدينة النبوية، في المجادلات العقدية، وإعجابي بإلزاماتهم العقلية، وبالردود المتبادلة بينهم، في المسائل الفكرية، ذات الصلة بالجانب العقدي، كما هي في المصادر المتخصصة، ( مقالات الإسلاميين واختلاف المصليين ) للإمام أبي الحسن الأشعري، وكتاب ( الفرق بين الفرق ) للبغدادي، و(الملل والنحل) للشهرستاني، وكتاب ( الفصل في الملل والأهواء والنحل ) لابن حزم الظاهري رحم الله الجميع، وحين قُبِلتُ في الدراسات العليا، كانت الثورة الإيرانية بقيادة الخميني قد خلعت الشاه عام 1979م، وأعلنت تأسيس جمهورية إسلامية، ورفعت شعارين أحدهما (تصدير الثورة) والآخر ( نصرة المستضعفين ) وكان من جراء ذلك حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران من عام 1980 ـــــ 1988م، وفي هذه اللحظة وجدت في ذاتي رغبة في تسجيل موضوع عن التشيع، ووجدت تشجيعاً من أستاذي البرفسور سعدي مهدي الهاشمي حفظه الله، وهو عراقي، ووقتها ما كان اختيار موضوع كهذا سهلا؛ لندرة المصادر الأصلية، ولكني اقتحمت العقبة متوكلاً، وخضت المعركة البحثية مقتنعاً، واتصلت بالسفارة العراقية بجدة للسفر إلى بغداد، في رحلة علمية، فلم أوفق على الرغم من أني وسطت الأخ (عجيل) عضو تنظيم (اللجنة الثورية) وممثله في مكتب قوات التحرير الشعبية، الذي كان حينها في كيلو خمسة بجدة، ومع أنه لم يقصر في المساعدة، إلا أني لم أوفق، فسافرت إلى باكستان، وأمضيت فيها شهرين، جمعت خلالها أهم المصادر الأصلية، وأنجزت رسالتي بعنوان ( الإمامة عند الشيعة الاثني عشرية ) وأجيزت بتقدير ممتاز ولله الحمد، ثم واصلت في الموضوع نفسه، في بحث الدكتوراه، إذ كان بعنوان ( المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشرية ).
تخصصي هذا ربطني بهموم الأمة الإسلامية، ولم يعزلني عن هموم الوطن الإرتري، فهو ذو صلة بأكثر من جانب؛ ولأنه بالجانب السياسي ألصق، جعل مني لصيقا بالتدافعات السياسية بموطني، إرتريا، وبالمجادلات السياسية الدائرة فيها، وعمق فِيَّ الاهتمام بالقضايا الفكرية، ذات التأثير السياسي، إذ كنت أقتني وما زلت من الإنتاج الفكري ــــــ أيا كان ـــــــ كل ما تقع عليه عيناي، ما دام له صلة بالفكر الإسلامي السياسي، توافقاً، أو تناقضاً، توالياً، أو تعادياً، وكثيرًا ما كنت أتردد إلى ( دار التقدم) بأم درمان في السودان ــــــ إذا ما جئت السودان في الإجازة السنوية ــــــ لأشتري منها كتباً ماركسية، من نحو (أصول الفلسفة الماركسية) وبعض معاجم المصطلحات الماركسية، فقد كانت هذه الدار بحكم توجهها الفكري، محلاً لترويج المصادر الماركسية، بثمن رخيص، وكلنا يدرك ما كان لليسار الماركسي حينها من نفوذ في الثورة الإرترية، حزب العمل في جبهة التحرير الإرترية، وحزب الشعب في قوات التحرير الشعبية.

3 - ماشاء الله ! تبارك الله !
" بروفيسور " درجة علمية وصلت إليها بصعوبة ، بعد رحلة شاقة ، بدأت بأنامل تتراجف عند مسك القلم، وكفٍ يصعب عليها كتابة حرف؛ بخط مستقيم على تراب يتعلق بعضه بعرق يتصبب من الجبين لضخامة المهمة .!! .هل أنت واثق الآن أنك بلغت منزلة الاجتهاد، يا صاحب القلم الأنيق، والثوب الأنيق، والقامة الأنيقة ، واللسان الأنيق، وما العوامل التي جعلتك تصعد مراقي شامخات، وأنت من بيئة لا تحتفي كثيرًا بالعلم والعلماء إلا بمقدار " شرافوت " تنتهي بإكرامية تقدم لـــ "سيدنا" ؟

3- لا أقول إني بلغت منزلة الاجتهاد المطلق، ولكن في الوقت نفسه أستطيع أن أقول: أعرف منهجية الاجتهاد، لست إمعة، إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، وإنما أنا مفكر أبذل قصارى جهدي في تنمية قدراتي العلمية والفكرية، وفي تحديد مواقفي من قضايا الفكر الإسلامي دون تجاوز النص القطعي في ثبوته، القطعي في دلالته.
والذي جعلني أصعد هذه المراقي، هو والدي الشيخ محمد صالح حاج حامد آل شباللا مؤسس مؤسسة أصحاب اليمين التعليمية بكرن، رحمه الله تعالى، وتقبل منه صالح عمله، إذ أخرجني من المدرسة الحكومية بكرن، بعد السنة الرابعة من المرحلة الابتدائية، وأدخلني معهد الدين الاسلامي بكرن، أول وأقدم معهد عرفته مدينة كرن، أسس على يد الشيخ القاضي موسى آدم عمران رحمه الله، أحد مؤسسي حزب الرابطة الإسلامية، ثم معهد أصحاب اليمين، ومن هناك سافر بي عام 1974م، عبر أديس أبابا إلى المدينة النبوية، وألحقني بالمرحلة الإعدادية، في متوسطة الجامعة الإسلامية، وهكذا مضيت في الدرب حتى حصلت على هذه الدرجة العلمية.

4 - الطلاب الأجانب في الجامعة الإسلامية عندما يتخرجون كانت سفارات بلادهم تحتفي بهم وتهيئ مقامات وظيفية مناسبة بخلاف الطلاب الأرتريين .. كيف تصف لنا شعور الطالب الارتري المسلم عندما تنتهي إقامته بالمملكة العربية السعودية بانتهاء دراسته؟

4- كان وما زال حتى هذه اللحظة، لحظة ما بعد الاستعمار، شعور الطالب الإرتري بئيسًا وحزيناً، وحائراً، لا يدري أين يذهب، إذ لا وطن يحتفي به، ولا حكومة تستقبله، وقد زُجَّ بعدد كبير من الخريجين، في سجون الحكومة الارترية، عقب استقلال الوطن، واندحار المستعمر، ولا أحد يعرف مصيرهم، هل هم أحياء أم أموات؟ ولا تقر حكومة أفورقي بوجودهم معها، بعد أن أخفتهم قسريا، عكس غيره من الطلاب الذين كانوا يعودون إلى موطنهم، فرحين مستبشرين بما أوتوا؛ يشغلوا وظائف تدر عليهم أرزاقهم، وتعلي من شأنهم المجتمعي.

5 - أرتريا الوطن والشعب والدولة محتاجة إلى الكفاءات العلمية أمثالك ..لم أنت تتعلق بأغصان الغربة؟ هل تجري خلف المرعى الأخضر يا بروف؟

5- أدري، بلادي في حاجة إلي، وكنت أتمنى أن أعود إليها، ولكن حيل بيني وبينها، إذ باتت إرتريا طاردة لكل من فيها، فضلا من أن تستقبل العائدين إليها، فقد ابتليت بنظام سياسي، جعل منها جحيما لا تطاق، وإني على موعد معها، إذا ما انفرج الضيق، وهبت نسائم الحرية عليها، وزال عنها الكابوس الخانق.

6 - مررت بتجارب في العمل الجماعي إذ كنت أصحاب اليمين وأنصار السنة والاتحاد الإسلامي وحركة الجهاد والفيدرالية والآن رابطة علماء أرتريا ...لم هذا التنقل من غصن لغصن؟ هل يسوقك الطموح الزائد إلى سقف لا زال حلمك البعيد والواقع غير معزز لبلوغه؟

6- نعم مررت بتجارب في العمل الجماعي، ونعم أنا من (أصحاب اليمين) ولكن لم تكن أصحاب اليمين جماعة، وإنما هي مؤسسة تعليمية، درست فيها، كما درس فيها غيري، وما زالت حتى هذه اللحظة تقوم برسالتها التعليمية، ولم أكن عضوًا في جماعة أنصار السنة المحمدية، وكانت توجهاتي الفكرية على خلاف معها، وإن كانت توجهاتي العقدية على وفاق معها، بحكم دراستي للعقيدة السلفية في مؤسسة أصحاب اليمين التعليمية بكرن، كما لم أكن عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، من الناحية التنظيمية، ولكني أنا على وفاق مع الإخوان المسلمين في الطرح الفكري، وإلى إنتاجهم الفكري يعود فضل نضوجي السياسي، وتوسع مداركي الفكرية، الجهة الوحيدة التي عملت معها تنظيميا هي: الاتحاد الإسلامي لطلبة إرتريا، حركة الجهاد الإسلامي الإرتري، الحركة الفيدرالية، والآن رابطة علماء إرتريا، وكل هذه الكيانات من المتغيرات، لا من الثابتات؛ لأنها وسائل وليست غايات في ذاتها، والجمود على جانب منها يجافي سنن التطور، والإنسان متجدد بطبعه، ولا بد أن يتجدد، ومن لا يتجدد يتبدد، وحب التجدد وعدم الجمود هو الذي يدفع بي إلى التغير الفكري، وإلى التنقل التنظيمي أيضاً، متى ما دعت الحاجة، دون الإخلال بالثوابت والمبادئ، أما ترى أن النحلة تنط من زهرة إلى أخرى، فتمدنا بعسل مصفى، ولو جمدت على زهرة واحدة؛ لما كان عطاؤها شفاء للأسقام.

7- العمل الجماعي قيود بالمواثيق والولاء والأنظمة وكلمة وموقف يوجبان الصبر و الوفاء في العسر واليسر والسراء والضراء والمنشط والمكره وأنت تراه وسيلة لا غاية يا بروف وتجيز الخروج لنفسك متى شئت آخذا بشعار " من لا يتجدد يتبدد " فكيف تبنى كيانات جماعية دون ولاء وثبات قياداتها معها وكيف تكون قائداً يتبعك السرب وأنت تتنقل بين الأشجار ترعى الخصب و تترك رعية موالية محبة وأنت تبحث عن غيرها ؟

7 - نعم، العمل الجماعي ـــ كما قلتم ـــ عهود، ومواثيق أبرمت، ولكنه ليس قيودًا وأغلالاً، تكبل الإنسان، وتجمد عقله، وترهبه من أن يخالف ويعترض، ويتحلل من هذه الأغلال، بحجة عظم نقض البيعة التي تؤخذ منه للأسف على أساس أنها بيعة الخليفة الراشد، تجب في المنشط والمكره، وأن من اعترض انطرد، يعني انطرد من رحمة الله، ومن انطرد إنما هو من الغنم القاصية، ليس له من مصير سوى الذئاب الكاسرة.
العمل الجماعي ليس هو هكذا، وإنما هو: حراك تكاملي، بين أفراد، على وفاق في قضية ما، يتعاونون في مناصرتها وبلورتها، التزاماتهم نحوها التزامات أخلاقية، ومن يختارون قائدًا منهم هو الآخر عليه الانضباط بما تواطأوا عليه من ضوابط تنظيمية إلى حين.
وفي إطار هذا الانضباط تتلاقح الأفكار وتتلاحق، وتتناسخ الآراء وتتزاوج، وتتبدل، وتتغير الهياكل التنظيمية، وتتطور المشاريع والأطروحات السياسية والفكرية.
وفي مسيرتي الحركية لم تأت تحولاتي تمردًا على المواثيق، ولا نقضاً لها، أو استخفافاً بالعهود، ولا خروجاً عليها، وإنما لأسباب موضوعية، كان منها استحالة هذه الكيانات التي انتظمت فيها إلى كيانات أخرى، غير التي كانت عليها، فالاتحاد الإسلامي لطلبة إرتريا نسخ بحركة الجهاد الإسلامي، حين حل نفسه، معلناً الالتحاق بها، وعلى الرغم من أني كنت أشد معارضة لإرادة الحل، والالتحاق بحركة الجهاد؛ لشعوري بأنها ولدت قبل اكتمال أشهرها، وطارت قبل تكامل أجنحتها، وحاولت أن لا نستعجل الرحيل إلى هذا الوليد الكسيح، إلا أن رغبة الحل والانصهار في الحركة كانت أقوى، فلم يكن أمامي إلا أن أمضي مع الماضين، احترامًا للقرار الجماعي، ووفاءاً بالعهود، والتزاماً أيضاً بالمتفق عليه، من تغليب رأي الأغلبية، واحترام رأي الأقلية، وهكذا أصبحت عضوًا في مجلس شورى حركة الجهاد الإسلامي، ومسؤولاً عن مكتب الإعلام الخارجي، انضبط بضوابطها، وأكون حيث تضعني، ولكن عندما استحالت حركة الجهاد إلى كيانات متدابرة، تتنابز بالألقاب، وفقدت بهذا خاصيتها، وماهيتها، رأيت أن أنبذ كل هذه الكيانات، ربما تقول لي: إن جناح التنفيذية هو الأصل، والبقاء معه هو الأصوب، وأقول لك: نعم هذا صحيح نظريًا، إلا أنه لا يغير من الواقع شيئا؛ لأن تعريف حركة الجهاد الإسلامي لا ينطبق عليه، كما لا ينطبق على المنقلب عليه، فالاستحالة إذن تحققت، إذا ما استعرنا لغة الفقهاء، في إنزال الأحكام بالحل أو الحرمة، على مادة محرمة استحالت إلى مادة أخرى، بفعل فاعل، أو بتلقاء ذاتي.
أما الحركة الفيدرالية فأنا أحد مؤسسيها، وأحد قيادييها الأوائل، وأحد الصامدين في وجه الآراء التشكيكية التي واجهتها، وأحد المنظرين لطرحها الفيدرالي، في حل إشكالية السلطة والثروة، وهو طرحي الذي ما زلت عليه حتى اللحظة؛ ولكن لأن العمل الأكاديمي حال دون الوفاء بالتزاماتي التنظيمية، من حضور اللقاءات لاتخاذ القرارات، ومنها قرارات مصيرية، لا يمكن أن تتحمل مسؤوليتها، ما لم تكن مشاركاً في صناعتها مباشرة، وليس من بعد، طَلبْتُ من عضوية مؤتمر الحركة ـــــ وهو آخر مؤتمر بالنسبة لي، عقد في مدينة حمرا ـــــ إعفائي عن الارتباط التنظيمي، ووافق المؤتمر، بعد أن تفهم عذري، وبقيت الصلة الفكرية مع الحركة الفيدرالية قائمة على سوقها، وما فعلت هذا إلا تقديرًا للعمل الجماعي، واحتراماً لعهوده ومواثيقه، وخروجي منها كان عبر مؤسساتها التنظيمية، وليس تراشقاً بالبيانات، وتبادلاً للاتهامات.

8 - الخروج عن أثقال القيادة لا يوجب الخروج عن التنظيم وقيوده والتزامات عضويته يا بروف والعمل الجماعي الواجب لا يمنح صكوك التحلل من الالتزام إلا في حال إعراض العضو نفسه وتغيير مواقفه وقناعته التي تدفعه لتأويلات بعيدة تتسق مع الميل الشخصي ولا تتفق مع النصوص الشرعية الموجبة الوفاء بالعهود، وتلزم الأفراد الاستظلال بظل الجماعة وبركتها، فمن ( كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، وإن استأذن لم يؤذن له، وإن شفع لم يشفع) هذه السلوك هو الذي يجعل الجماعة تبقى عاملة فاعلة ثابتة ... ما تعليقك؟

8 – اتفق معك ولكن تبقى المسألة في إطار التقدير والاجتهاد في التقييم، ففي قناعتي أن العمل السياسي، ومنه العمل الإسلامي، اجتهادي، والاجتهاد خطأ، أو صواب، وفي كلتا الحالتين أجر، مضاعفاً في الصواب، ودون ذلك في الخطأ، ولا تأثيم أبدًا مع الاجتهاد، ومن هنا لا ينسخ اجتهاد اجتهاداً، مادام المجتهد يرى صحة اجتهاده، وفي العمل الإسلامي العهود والوفاء بها مقدر وواجب شرعاً وعرفاً، ولكن لا يعني هذا أنها عهود أبدية دائمة، تقيد الإنسان عن الإمساك بمعروف، أو التسريح بإحسان، بمعنى ليست من نوع عقود الزواج الكاثوليكي الذي لا طلاق فيه، وكان من أهم ما حال دون بقائي مع القيادة الشرعية في الحركة والاستمرار معها في العمل ضمن أمور أخرى استصحبتها في اجتهادي عند اتخاذ القرار المناسب، أن الانقسام كان على معيار الانتماء إلى الجماعة الإخوان مع الإخوان، والأنصار مع الأنصار، ولا أقول السلفيون مع السلفيين، ففي الإخوان سلفيون، وفي السلفيين إخوان، وليس كل السلفيين أنصار السنة، كما أن السلفية منهج في فهم الدين، وليست كياناً تنظيمياً، ومن ثم لا يحتكرها طرف دون طرف، ومع أن قيادة الحركة هي القيادة الشرعية في قناعتي؛ لكونها وليدة مؤتمر تأسيسي، إلا أني بعد وقوع الواقعة، وقراءة التمايز على أساس ما ذكرت، عدت إلى عهد المدينة النبوية، وقلت: ما دمت لست عضوًا في تنظيم ( الإخوان المسلمين) فإني سأعيش على الهامش، وأن الكيان ستقوده حلقة من الداخل، هي حلقة ( الإخوان المسلمون) كما كان ( حزب العمل ) يقود سًرا جبهة تحرير إرتريا، و(حزب الشعب) الجبهة الشعبية، ولن يكون (جلال) بالتأكيد جزءًا من هذه الحلقة، فهو وإن كان قوي الإيمان بفكرة الأخوان المسلمين، إلا أنه ليس منظمًا، وحتى لو دفع به التظيم إلى الصفوف القيادية، فسيكون بقرار من هذه الحلقة الضيقة، وعند اللزوم يمكن سحبه أيضا بقرار منها، والسبب أنه ليس من التنظيم، وأنت تعرف معنى (التنظيم) عند الإخوان، أهميته تفوق أهمية الفكرة نفسها، بمعنى مهما آمنت بالفكرة، فإن التزامك التنظيمي أهم معيار لإخوانيتك، يعني أن ( الإخوان ) ليسو تياًرا فكريًا، ولكن تنظيمًا انضباطيًا، يستصحب الآخرين معه، ولكن هو من يقود.
هذه الفلسفة، وهذا النوع من التفكير، كان حاضرًا عندي بقوة، ساعة اتخاذي قرار الخيار الذي فضلته، وقد تكون مجرد هواجس، ولكنها كانت حاضرة.
أما الإخوة الذين عملت معهم في ( الاتحاد الاسلامي لطلبة إرتريا ) فهم زملاء أوفياء عملنا معاً، وإخوة أفاضل، جمعتنا رؤية مشتركة، منهم من اصطفاه الله فقضى نحبه، ومنهم من ينتظر، ألحق الله السابقين بالشهداء، ووفق الآخرين وسخرهم لخدمة وحدة الصف مع إخوانهم في الكيانات الإسلامية الأخرى، والكيان الذي أقمناه معاً جمع بين خصائص الإخوان المسلمين، وخصائص المدرسة السلفية، وكان بحق كياناً انفتاحياً، ومع أن الجزء الأكبر من عضويته يعودون إلى أنصار السنة، إلا أنهم تجاوزوا الرؤية التقليدية التي نشأوا عليها، وانحدروا منها، غير أني لم أكن ــــــ أولًا ــــــ على وفاق معهم في الإجراء الذي اتخذه بعضهم اجتهاداً، فيما أسموه بالخطوة التصحيحية، ثم أنهم ــــــ ثانيًا ــــ عللوا خطوتهم هذه بالاستمرارية في العمل العسكري، وبعض من أنصارهم، كان يقول: حتى إقامة الدولة الإسلامية، فنأيت عنهم، وعن قناعاتهم هذه، متحررًا ومتحللاً من عهود الصداقة معهم، ومواثيق العلاقة التنظيمية التي ربطتنا معاً، فتلك مجرد عواطف رأيت أن لا أعبأ بها، وبالتأكيد الآن تطورت نظرتهم، وتغيرت اجتهاداتهم، وما عادوا على ما كانوا عليه، ومعروف عني في الحركة أني ما كنت أرى هذا أبداً، وكنت أعارض هذه الوجهة في حركة الجهاد الإسلامي وحينها كانت تتنامى بقوة، وكنت أطالب بإلقاء السلاح، والتحول إلى حركة (بناء وسلام) وهو مذهبي الذي أنا عليه حتى هذه اللحظة، فأرتريا في نظري هي (دار تعايش سلمي) توزع فيها السلطة والثروة بعدالة حقيقية، أرى الحل الفيدرالي أفضل مجسد لها، لا دار (تغالب ديني) ودار تحاور وتجادل بالتي هي أحسن، لا دار تعانف وتنافٍ فكري أو عقدي، ثم من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر.

9 - ما علاقة أ.د.جلال برابطة المنخفضات ؟

9- رابطة المنخفضات كما علمت من بعض مؤسسيها أنها مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني الإرتري، وليست تنظيمًا سياسياً، لم أكن مؤسساً لها ولا منظرًا، ولا عضوًا فيها، ولا مشاركاً في فعالياتها، بل إني اقترحت عليهم في أحد مقالتي التي كتبتها الانضمام في الحركة الفيدرالية وتقويتها، لاسيما أن بعضاً منهم كان منها ثم غادرها، وما كنت أرى مسوغاً لإنشاء كيان بهذا الاسم ( المنخفضات ) والحركة الفيدرالية موجودة، تقدم الحل لكل الجهات، لكل المجتمع، ما لم يكن هناك إبداع نسبي، ومسوغات معقولة، ولكن في النهاية من حق القائمين عليها، والمؤسسين لها أن أحترم خيارهم، وقناعاتهم، وأقدر اجتهاداتهم، فربما لهم تحفظات في الحركة الفيدرالية، ليس من حيث الفكرة، ولكن من أمور أخرى لا أعلمها، فالعمل العام مبناه على الاجتهاد، وفي الاجتهاد خطأ وصواب، وليس فيه تجريم وتأثيم، ومن هنا ليست رابطة المنخفضات في نظري فساد محض، ولا صلاح محض، ولأني لا أؤمن بأن ساحة العمل المدني والسياسي تضيق عن الإبداع، ولا تسع إلا لجهات بعينها، فإني غير متضايق من وجودها، فالساحة ليست حكراً لهذا أو ذاك، أو وقفاً عليه، ولكن من حق الجميع أن يتحرك فيها وفق قناعاته، وأن مقولة الساحة لا تتحمل أكثر من تنظيم، أكل عليها الدهر وشرب، من بعد أن أساءت وأضرت، وانتهت بالشعب الإرتري إلى هيمنة اتجاه شوفيني أكسومي، هو الآخر رفع شعار الدولة لا تتحمل أكثر من حزب، والحزب لا يتحمل أكثر من قائد، وهذا القائد لا يتحمل أكثر من ثقافة، وهذه الثقافة هي الثقافة الأكسومية.
ومما قرأته من التصريحات بشأن رابطة المنخفضات، تصريح أدلى به أحد أخواننا الفضلاء من القياديين الإسلاميين، قال فيه: إن مشروع المنخفضات مشروع استعماري.
مثل هذه الأحكام الحادة، على المواقف السياسية، وخيارات الأفراد، عمل غير صالح، جميل لو ترفعنا عليه، نحن الإسلاميين، ونأينا بأنفسنا وتفكيرنا عنه، فمضمون هذا التصريح ولازمه هو: أنا وحدي الوطني، ومشروعي وحده هو الوطني، ومن لي وجهة نظر أو تحفظ في طرحه، فإنما لأنه يتبني مشروعاً استعماريًا.
بهذه المقولة قمع الشيوعيون في الثورة الإرترية الإسلاميين، وجردوهم عن الشرعية، وجعلوا من أنفسهم الوطنيين المخلصين، ومن غيرهم عناصر مندسة، يحركها الاستعمار والإمبريالية العالمية، والقوى الرجعية، على حد تعبيراتهم العقائدية.
حري بالإسلاميين أن لا يظلوا أسرى مفاهيم كهذه، منطلقها نزعة الإقصاء، واحتكار الوطنية، مهما توارت بالنوايا الحسنة في حماية الوطن، فما أنت بأكثر وطنية من غيرك، والكل يجتهد في إطار المصلحة العامة للوطن الواحد المتماسك، إنه عمل سياسي، والعمل السياسي اجتهادي، وكفى.
اجري الحوار الدكتور / باسم القروي

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013