الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

الموهبة في العمل الجماعي بين مكاسب التنظيم ... وفتنة الأفراد ( العمل الإسلامي الأرتري نموذجا )

الموهبة في العمل الجماعي بين مكاسب التنظيم .. وفتنة الأفراد.. رؤية شرعية - العمل الإسلامي الأرتري مثالا
الثلاثاء, 27 سبتمبر 2011 06:11 | الكاتب د. حامد محمد إدريس | | |
الإسلام يدعو إلى تآلف الأفراد في صف واحد متعاون خدمة للمجتمع وبناء لدولة المعروف وهدّا لدولة المنكر ويجعل في هذا الصف البركة التي تنمي مواهب الأفراد وتصقلها حتى تتحول إلى مهن مثمرة لصالح العمل الجماعي القاصد الذي يحقق مقاصد الدين ويلبي حاجة المواطنين من أمن واستقرار ومعيشة سعيدة ويطلب من الجماعة رعاية الأفراد وتأهيلهم وتربيتهم حتى لا تكون مواهبهم فتنة عليهم تبعدهم عن الجماعة وبركتها وتعظم في نظرهم أنشطتهم وجهودهم الفردية المحدودة خدمية كانت أم سياسية والمقال التالي يجتهد معالجا لهذه المسألة من الناحية الشرعية داعيا الأفراد الموهوبين إلى الوفاء بعهودهم وواجباتهم تجاه الجماعة والاعتراف بفضلها بعد فضل الله تعالىكما يدعو الجماعة أن تجتهد لمنح الموهوبين فرصا واسعة لإرضاء طموحهم حركة وإبداعا

تعريف الموهبة لغة واصطلاحا:

الموهبة لغة من الهبة ومعناها العطية وتجمع على مواهب وهي في الأصل عطية من الله للإنسان لا تظهر حقيقتها ولا أثرها الإيجابي إلا بالكسب الإضافي والمراد بها اصطلاحا ما يتمتع به الإنسان من استعداد فطري يجعله قادرا لاكتساب قدرات فنية وعلمية وقيادية وحركية عقلية أو عضوية تتنامى بالتعليم والدربة والترويض إلى درجة يتفوق بها على أقرانه من افراد التنظيم .

وقد تتجمع في الشخص الواحد عدد من المواهب وقد ينفرد الشخص في التنظيم بموهبة وغيره بمواهب أخرى فيصبح التنظيم مليئا بمواهب وبقدر بتعددها وتنوعها في أعضائه يكون لها تاثير إيجابي في تحقيق أهداف التنظيم وفي بنائه الداخلي ولاء وتماسكا وتعاونا وتناميا وتمر الموهبة بالدربة حتى تنضج لدى صاحبها فتتحول إلى مهنة منتجة وهذه غايتها الأخيرة وثمرتها المرجوة .

أهمية الموهبة للجماعة :

تظهر أهمية المواهب الفردية في أنها تسخر في دعم التنظيم ( الجماعة ) ونموه أفرادا وإمكانيات وخبرات وفي حمايته من اعتداء الآخرين عليه وإن التنظيم الذي يحرم أعضاؤه من المواهب لتنظيم قابل للفناء والاضمحلال بخلاف التنظيم الآخر الذي يجد في صفه شعراء وأطباء وحكماء وخطباء ورياضيين ومحاورين وقانونيين ومفكرين وفقهاء .. فإن هذه المهن مدعومة بمواهب منماة تجعل من التنظيم جسما متكاملا محميا قادرا على النمو الدائم عضوية وقدرات وقادر على حماية نفسه من الاستهداف وقادر على إدارة المجتمع وتنمية الوطن .

دورالجماعة في تنمية المواهب:

ليسلأي موهوب قدرة على ظهور موهبته وتنميتها إلا في محيط الجماعة التي تمنحه تحفيزا وتسهيلا ماديا أو معنويا فالشاعر مثلا لا يظهر إبداعه إلا عندما يجد من الجماعة إعجابا وتحفيزا وهي لا تمنح التحفيز والإعجاب إلا إذا كان ترجمانا لمشاعرها وخادما لمصلحتها وكذلك الشأن في كل المواهب التي تثمر في نهاية المطاف مهنا ذات نفع وعبر الجماعة ( التنظيم ) يعرف أصحاب المواهب ويروج لهم وتزكي شخصياتهم إلى المجتمع وإلى جهات الإحسان ويسوق لهم لدى ميادين العلاقة الداعمة رجاء أن يكونوا جلاب خير للتنظيم لا لأنفسهم وقد ذم الإسلام من يغلل منهم

ومن التحفيز للموهبة الإعجاب بها وبحامليها والإشادة بها والإقبال عليها إنجذابا ورضى وقد يكون تأثير التنظيم على الموهبة والموهوب بتكريم مادي أو معنوي وقد يتجسد على صورة أتباع معجبين ومقتدين وقد يترجم هذا الاعجاب إلى عمل مادي من جهاد أو دعوة أو ثبات في البلاء أو بذل للمعروف كل ذلك يجعل ا لمواهب تتفاعل وتتنامي في التنظيم وتتنوع بسبب العوامل المحفزة في ا لتنظيم . وقد يكون للتنظيم برامج وإمكانيات ترعى المواهب والموهوبين بهدف تنمية مواهبهم واستثمار طاقاتهم الابداعية لصالح العمل التنظيمي وهذه الرعاية تأخذ أشكالا مختلفة كأن يتلقى الموهوب منحا دراسية أو دعما بالأدوات المعينة أو إيواء في داخليات خاصة يتلقى فيها الرعاية المناسبة استقرارا وإرشادا وتدريبا وتنظيما وهي أرقى صورة لدور التنظيم في تنمية المواهب وهي الإمكانيات التي وفرتها الحركة الإسلامية الأرترية في السودان خاصة بما لديها من علاقات وبما تيسر لها من إمكانيات وبما تمتلكه من قدارات إدارية وتنظيمية وفكرية .

والمواهب التي لا يقف العمل التنظيمي مؤازرا لها ومحفزا قد تموت في ضمير صاحبها فلا ترى النور ولهذا يقع الفضل الأكبر – بعد الله- على العمل الجماعي الذي يساعد على بروز وتنمية مواهب الأفراد وبهذا الخصوص نعرف خطباء وشعراء كانوا مغمورين في مناطق محددة وقد ذاع صيتهم بعد انضمامهم في العمل الجماعي الإسلامي الأرتري .

شرعية صقل الموهبة :

إن من بدهيات العمل التنظيمي أن يضم أفرادا يوالي بعضهم بعضا أداء لمصالح دينية أو دنيوية ويرتبط بعضهم ببعض بإدارة تقودهم وفق قوانين تحدد لهم الاهداف والوسائل والواجبات والحقوق وللمواهب التي يتمتع بها أفراد هذا التنظيم دور مهم في تحقيق تلك الأهداف وليست هذه المواهب إلا ثمرة من ثمارات الجماعة التي تصقل الموهبة حتى تؤهل- منحا أو عرضا - الشخص الموهوب ليكون قدوة لغيره في مجال مواهبه وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمتع صف جماعته بواهب كثيرة غرستها الجماعة ورعتها وصقلتها حتى نضجت فتحولت إلى مهن منتجة وقائدة فسيف الله المسلول خالد موهبة قتالية فذة تتوجه إلى حماية الجماعة ومقارعة الأعداء وموهبة الرمي بالنبال تجد توجيه القيادة النبوية من باب العناية بها وصقلها وتسخيرها لخدمة الجماعة كما يشهد له الحديث الصحيح :(ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان فأمسك أحد الفريقين بأيديهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لكم لا ترمون؟ قالوا كيف نرمي وأنت معهم ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ارموا فأنا معكم كلكم) رواه البخاري

وهذا حسان بن ثابت يجد التعزيز القوي الذي ينمي موهبة الشعر فيه فقال صلى الله عليه وسلم (" اهْجُهُمْ ، أَوْ هَاجِهِمْ ، وَرُوحُ الْقُدُسِ مَعَكَ " ،رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ،)

وهناك تقرير واضح من رسول الله صلى الله عليه وسلم يفيد أن في كثير من الصحابة مواهب تميزهم عن بعضهم مسخرة لخدمة الجماعة وبناء الأمة فعن (أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبيّ، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. " قال الألباني في السلسلة الصحيحة: إنه صحيح. ) وكان من بين جنوده من جعلت الموهبة المصقولة منه ذا مهنة نافعة للجماعة فهذا خطيب مفوه وهذا طبيب بارع وهذا سياسي محاور وابن عباس حبر الأمة وسيفها المسلول خالد ومن قضاتها معاذ بن الجبل ومن أشهر سفرائها مصعب بن عمير ومن شعرائها حسان وابن رواحة ومن كتابها الخلفاء الأربعة وهم من أشهر قادتها الإداريين المقتدرين وكلهم كان أمة واحدة يعين بعضهم بعضا في بناء دولة المعروف وهد دولة المنكر ولم تكن هذه المواهب التي كان يتمتع بها الصحابة رضي الله عنهم سببا لتعالي بعضهم على بعض ولا لنفور بعضهم عن صف الجماعة ولا كانت دافعة لهم لتاسسيس كيانات ذات نفع خاص محدود ولا كانت مبررا لتعالي الموهوب على الجماعة .فمن قدوة هذا الذي يتتبع خضراء الدمن يوالي من أجلها ويعادي مسخرا ما أوتي من مواهب – هي أصلا من بركات الجماعة – ومكتسبات هذه المواهب لصالحها ؟

ميدان ظهورالموهبة:

أول ميدان تظهر فيه مواهب الموهوبين هو محيط التنظيم من خلال مواعين التعبير عن الفكر والابداع وتنمية الثقافة كالاجتماعات والمناسبات الثقافية والأمسيات والمهرجانات وتبادل الخبرات والمعارف فإن الموهبة تستجيب لتحريض الجمهور المتلقى فتبدع إبداعا يرضي رغبته ويخدم رسالته فقصائد المجاهدين وأناشيدهم التي تمجد الشهداء ووقائع المجاهدين وبطولاتهم كما تحرض على الجهاد اقتداء بالشهداء وحملا لرايتهم عوامل ناجعة في إثارة المواهب وتحريضها وإن ظهور موهبة الشخص في العمل الإداري تخطيطا وتنفيذا ورقابة في العمل التنظيمي يجعله مؤهلا للقيام بالمهام الإدارية في أي موقع قيادي والحركة الإسلامية الأرترية ليست عقيمة فقد أنجبت كثيرا من القادة المؤهلين الإداريين والعسكريين.. وكثير من المواهب المدعومة والمحفزة التي تحولت إلى مهن ذات نفع مجدي كالأطباء والمهندسين والمعلمين والإداريين والفنيين.

تحفيز الموهوب:

يعمل التنظيم – أراد أو لم يرد – على تحفيز الموهوب وإن هذا التحفيز يأخذ صورا عديدة حسب نوع الموهبة لدى الشخص المعني فقد يتقلد موقعا إداريا أو يمنح فرص مخاطبة الجمهور بصورة دائمة أو يعين ممثلا للتنظيم في وظائف ذات طابع كسبي مادي أو معنوي أو تعقد سنمارات لمناقشة إبداعاته والإشادة بها فإن مثل هذه العوامل تعد محفزا للموهوب تدفع به نحو الإبداع الأعظم وكل ذلك كان – ولا زال – معمولا به في العمل الإسلامي الجماعي الأرتري بصورة مقدرة ربما لم تبلغ الدرجة القصوى لكنها غير منكورة الوجود.

مكانة الموهوب:

وإن ذلك يدل على علو مكانة الموهوب لدى الجماعة كما يدل على الاحترام العميق الذي تكنه الجماعة للشخص الموهوب والتقدير الذي تعطيه لما لديه من مواهب خادمة لاهداف التنظيم خاصة أو مصالح المجتمع عامة .

لقد حضرت مناسبات عديدة للعمل الإسلامي ا لأرتري احتشدت لها الجماهير وتابعت فقراتها برضى وانشراح وما ذلك إلا لوجود مواهب مبدعة شعرا وإنشادا ونثرا وخطابا وفكرا وتحليلا وكم رأيت الأعناق تشرأب لسماع محاضرة من شيخ أو قصيدة من شاعر أو نشيد من فرقة دبرسالا أو تحليلا من مفكر وكاتب وكم هيج الموهوبون مشاعر الجماعة بشعارات حماسية وعواطف فياضة وتحليل منطقي فعلت منزلتهم لدى الجماعة وسمت مكانتهم وذاع صيتهم لاحتفاء الجماعة بهم وبمواهبهم مثل ما كانت تفعل قبائل العرب في الجاهلية حين يولد فيها شاعرنابغ .

مشاهد من العمل الإسلامي الأرتري :

من خلال معايشة العمل الإسلامي الأرتري وجدت أفرادا احتضنتهم الجماعة صغار السن لم تنبت لهم لحى ولا ظهر لهم شارب كانوا عديمي التجربة والخبرة والعمل وقد التقطتهم الجماعة من الشوارع يلعبون ويعبثون حتى اشتد عودهم واخضرت أوراقهم ونضجت عقولهم وتوسعت مداركهم و أتت إليهم بركات العمل الجماعي فأصبحت لهم خبرات ومهن وعلاقات ومعارف بل ولبعضهم أموال وأرزاق ومكاسب مادية لم يكونوا قد ولدوا بها من أمهاتهم ولا نمت لديهم من معجزة بلا أب ولا أم ولا كانت نتاجا لعمل ظاهر من كد عرقهم وإنما كانت من بركات الجماعة عرضا أو منحا ولهذا فهي صاحبة الفضل عليهم الذي يستوجب الشكر والتقدير والولاء والتبجيل لا النكران والعقوق والإدبار .

قابلت مرة سائق حافلة في الخرطوم وقرأت قرائن تدل أنه ينكر فضل الجماعة عليه ويزعم أنه حبس نفسه لها والآن عندما خبا صوتها – بسبب ظروف الابتلاء - تحرر منها ليعمل سائقا يتقاضى أجرا مجزيا فقلت له أين تعلمت السواقة فقال : في سيارات المجاهدين ! قلت : هل كنت على علم وخبرة عندما جندتك الجماعة ؟ فقال : لا .وهل كنت على غنى انتزعته منك الجماعة ؟ فقال : لا . فقلت له : وإذا الجماعة أعطتك خبرة وعلما وحفظت لك شبابك من الضياع وربتك على فعل الخيرات فهل ترى أنها أضرت بك .؟ فقال : لا . وأخيرا إذا وجدت منها بحسن التدبير وبركة العمل الجماعي – وأنت تعلم أنها ليست دولة وأن إمكانيتها محدودة - مهنة تدر عليك رزقا حلالا .. فهل ترى أنها قصرت في حقك ؟ فقال : لا.

هذا نموذج راض قنوع شاكر ويوجد من أمثاله كثير ..

وأعلم شخصا مديرا لمؤسسة خيرية ظل علة غير مطاوعة للجماعة متعاليا بما تحت يديه من خير.. كانت الجماعة سببا في تأهيل مواهبه وسببا في نيله ثقة داعميه.. وهو مثال لحالات سلبية مشابهة.

ووجدت خياطا تعلم الخياطة عند المجاهدين ومدير مؤسسة ومدير مدرسة وصاحب علاقات في الخارج مؤتمن على أموال المحسنين جلبا وإنفاقا ومن تخرج في جامعات وتخصص في مهن مختلفة من طب وحاسوب وصيدلة وإدارة واقتصاد .. ومن تعلم التجارة في السوق بيعا وشراء .. وإذا تفحصت هؤلاء كلهم – أو جلهم - فسوف تجد أنهم ليس لهم نسب متصل فيما هم فيه من خير إلا نسب العمل الجماعي الذي صقل المواهب وتيسرت عن طريقه الأسباب ولو الله ثم هي لما كانوا هم على شيء ولا كانت مواهبهم الفطرية قد بلغت بهم – دون سبب الجماعة- ما بلغت من علو المكانة والمكان جاها وسلطانا أو خبرة ومالا أو علاقة وتواصلا .

إن من يرى موهبته أفضل له من ظل الجماعة ويظن أن ما يكسبه عن طريقها من جاه وعلم وسلطان ومال وعلاقات ( إنما يؤتاه على علم من عنده ) فإن موقفا مثل هذا ليس له نسب متصل بالصدق والصحة وذلك لأن الإنسان - دون الجماعة- شخص عادي جدا قد يكون موهوبا فطرة لكن موهبته هذه تظل حبيسة بين نفسه أو في إطار ضيق حتى تموت آسفة لأنها لم تجد الحضن الجماهيري الدافئ الذي تغرس فيه فينميها وإن ظهرت له عبر الموهبة آثار إيجابية من مكاسب مادية ومعنوية فهي محدودة جدا لا تقارن بما لو تفجرت مواهبه عبر الجماعة التي تدفع بمواهبه إلى أبعد مدى لم يكن يخطر بباله فيصبح مثالا يعتز به وهبة من السماء يقتدى بها وتذكر في هذه النقطة شعراء وخطباء ومهنيين كثيرين لم يكن يعرفهم أحد أو كانوا في دائرة صغيرة ولما انضموا إلى الجماعة ذهبت بذكرهم الركبان وعلا شأنهم في الزمان والمكان وعلى سبيل المثال من كان يعرف الشيخ خليل محمد عامر غير مستمعي خطبته يوم الجمعة في أحد مساجد كسلا ومن كان يعرف الشيخ عرفة أحمد محمد غير المصلين في مسجده بمناطق المهاجرين قبل أن يتوليا قيادة العمل الجماعي الإسلامي الأرتري وأين كان الكتاب المبدعون محمود إيلوس وعبد الرازق كرار وبقية العقد الفريد قبل أن تصقل مواهبهم في مصنع بركات العمل الجماعي الإسلامي وأين أخبار الشيخ محمد علي سليمان خطيب الجهاد المفوه بعد أن انزوى في جمعية خيرية صغيرة – دون التقليل من جهدها ولا تحقير من إنجازاتها - وانغمس في مشكلات العمل الإداري بخصوصها .

كانت موهبته وقدراته جمة وكان رجلا بأمة والآن تصاغرت مواهبه حتى لا أحد يسمع بها غير المنتفعين المحدودين أو المحسنين المحدودين

فتنة الموهبة :

مالي أرى - بين فترة وأخرى- أفرادا إسلاميين أرتريين ذوي مواهب - كانوا - في عمل عام - دعاة مهديين وقادة ربانيين وإداريين مقتدرين وكتابا مرموقين وشعراء وأدباء أصحاب شأن عظيم .. ثم تذهب بهم مواهبهم - مفتونين بها - بعيد ا عن الجماعة مشكلين لأنفسهم دوائر ضيقة تظهر على شكل مؤسسات خيرية أو جمعيات خدمية أو مدارس تعليمية أو مواقع إعلامية أو تكتلات قبلية متناطحة أو على أفضل الفروض أنها نبات غير طبيعي وغير متعاون ...تأخذهم هذه المواهب الفتنة بعيدا عن الجماعة العامة وتزين لهم ما هم فيه من مكاسب" خيرية" مادية ومعنوية ويعادون العمل العام الذي كانوا جزءا منه تنكرا لفضل الجماعة عليهم أو حرصا على هذه المكاسب الفردية متناسين أنها ما أتت إليهم إلا من بركات الجماعة ! وما وجدوا من نصيب داعم إلا كان تقليصا من خزينة الجماعة لكونهم لا يتحركون إلا في ميدانها وليسوا على قدرة لاكتشاف غيره.

والعاقل لا يتجاهل حقيقة ساطعة أن الفرد يظل مغمورا ثم ينتظم في الجماعة فيصبح رائدا أو شاعرا أو مديرا أو كاتبا أو عالما أوفقيها فأي بركة فيك يا جماعة وأي موتور هذا الذي رضع من ثديك ثم كافأك بالتنكر والعقوق ؟

لم يكن للفرد قيمة ولا لموهبته مكانة إلا عندما ينضم للجماعة فيولد من جديد لأنها تكتشف موهبته وتنمي قدراته وتنبهر لإبداعاته وتتأسى بإنجازاته وتتخذه مثلا يحتذى به ونورا يستضاء به فمتى تخلى عن الجماعة وانزوى ذهبت البركة عنه وانطمس الضياء فيه وأصبحت حركته في محيط خاص وظلت مواهبه محصورة في دائرة ضيقة وظل عرضة لحديث الناس سلبا بعد أن كان قدوة لهم في الخير مبجلا وكثيرة هي النماذج التي يذكرها العمل الإسلامي الجماعي الأرتري التي تعالت على الجماعة وفتنت بمواهبها وما تحقق لها من مكاسب فتشبثت بما هو ضيق على ما هو واسع وبما هو خاص على ما هو عام وما يجلب المصلحة الفردية على ما يفيد الجماعة الخاصة والوطن العام فبناء على هذا أنشئت كيانات تحت راية قبائل أو عشائر أو ظاهرة الفرد المتعاظم ( المستقل) وكلهم جعل غايته الانتفاع من الموهبة والقدرات الخاصة به وإن ذلك مما يوهن الجماعة العامة والعمل العام ومما يقتل الموهبة نفسها لدى صاحبها وهو أمر مخالف لسنة الإسلام التي تفرض تجميع المواهب في صف واحد – حقيقة أو مجازا - وتوجهها وتسخرها لتحقيق الأهداف العامة التي يكون لكل فرد من المجتمع نصيب منها نافع وكافي .

مشهد ختامي:

من المفيد في العمل الإسلامي الخدمي والمدني أن تتعدد أوعيته على شكل مؤسسات وجمعيات ومدارس وأن يكون لهذه الأوعية منابر تعبير من مجلات وجرائد ومواقع النت ومن المفيد كذلك أن يكون بينها تنافس إيجابي سلمي خدمة وفكرا ومواعين تعبير ومن الواجب أن يكون لها خيوط إيجابية تربطها بالتنظيم فهي تنوعت لتغذيه لا لتعاديه وتعددت لتؤازره لا لتنافسه ومن غير المفيد أن تكون هذه التشكيلات متصارعة ومتكايدة وأن يكون لبعضها حضور على حساب غياب الآخرين أو الإضرار بهم و من أسوء الصور أن تدعو الموهبة العاصية صاحبها إلى إنكار حقيقة أن النشاط الفردي يعد جزئا غير قادر لإحداث تغيير في المجتمع دون مساندة العمل الجماعي التنظيمي وأن تتعالى بمسؤوليها – وهي في الأساس من بركات الجماعة - على العمل التنظيمي وأن يكون تسويق مناشطها مزاحما في آبار الجماعة المعدودة لا تقوى أن توجد لنفسها أسواقا جديدة غير ما ساقتها إليه الجماعة تزكية وتعريفا عندما كانت تتقلد مهاما قيادية في التنظيم معافاة راشدة وإن هذا مما تقود إليه المواهب الفتانة التي توحي على صاحبها وحيا شيطانيا بأنه أعظم شأنا من التنظيم وأقدر على العمل لو تحرر من قيود التنظيم واغترارا بهذه الثقة كم هي المواهب التي تخلت عن العمل الجماعي التنظيمي ، بعضهم يبقى في التنظيم مواليا جهرا وباحثا عن البديل باطنا فإذا وجد البديل أسرع إليه دون تحية وداع لمن كان يتقاسم معهم حلاوة الإيمان في مرارة الابتلاء وبعضهم يتعالى على العمل التنظيمي بداية وتتعاظم نفسه عليه فيبقى مقدسا لها مستقلا .

إن الشعور بالتعاظم نتاج لتربية عليلة أدت إلى تضخيم الذات أمام صاحبها فقذفت به إلى الركن القصي عن الجماعة فانحشر فيه وما زال الشيطان يريه من محاسن نفسه وتعدد مواهبه ما يقنعه لاحتقار جهود الجماعة وجهادها فيبتعد ويبتعد حتى يكون لنفسه ظلا صغيرا يقتات منه وبهذا تتكمش الموهبة التي صقلتها الجماعة وجعلت من صاحبها رائد أمة تنكمش على نفسها حتى تصبح في نهاية المطاف ضيقة على صاحبها ذابلة وعندئذ يصحو بعضهم من الغرور ليعالجها بالعودة التائبة إلى إخوان أمسه لكن بعد أن ذهب كثير من حيائه وأضر كثيرا بسمعته ومكانته ويعالجها بعضهم بتكثير سواد الأعداء وأمثال هذا في الساحة كثير كل ذلك تجر إليه المواهب الفتانة­­ـــــــــ وأشهرها عند الإسلاميين الأرتريين موهبة الخطابة والكتابة وشيء من موهبة الإدارة قليل ملخصة في سلطة الأمر والنهي وتلقي واجب السمع والطاعة من رعية جاهزة للانفضاض عند ظهور الابتلاء وانعدام الانتفاع وشيء من العلاقات الداعمة قليل كذلك مدعوما بحظوظ نفسيه وقبلية وهوى محرض ــــــــــــــ التي لا يسخرها صاحبها لخدمة الجماعة ولا يتخذها وسيلة تقربه إلى الله والدارالآخرة .

26/9/2011م الموافق 28/10/1432هـ

الخميس، 22 سبتمبر 2011

السعادة

السعادة



الشيخ/ علي الطنطاوي


يحمل الرجلان المتكافئان في القوة الحمل الواحد، فيشكو هذا ويتذمر؛ فكأنَّه حمل حملين، ويضحك هذا ويغنِّي؛ فكأنَّه ما حمل شيئًا.

ويمرض الرجلان المتعادلان في الجسم المرض الواحد، فيتشاءم هذا، ويخاف، ويتصور الموت، فيكون مع المرض على نفسه؛ فلا ينجو منه، ويصبر هذا ويتفاءل ويتخيل الصحة؛ فتسرع إليه، ويسرع إليها.

ويُحكم على الرجلين بالموت؛ فيجزع هذا، ويفزع؛ فيموت ألف مرة من قبل الممات، ويملك ذلك أمره ويحكِّم فكره، فإذا لم تُنجه من الموت حيلته لم يقتله قبل الموت وَهْمُه.

وهذا (بسمارك) رجل الدم والحديد، وعبقري الحرب والسِّلْم، لم يكن يصبر عن التدخين دقيقةً واحدة، وكان لا يفتأ يوقد الدخينة من الدخينة نهاره كله فإذا افتقدها خلَّ فكرُه، وساء تدبيره.

وكان يومًا في حرب، فنظر فلم يجد معه إلا دخينة واحدة، لم يصل إلى غيرها، فأخَّرها إلى اللحظة التي يشتدُّ عليه فيها الضيق ويعظم الهمُّ، وبقي أسبوعًا كاملًا من غير دخان، صابرًا عنه أملًا بهذه الدخينة، فلمَّا رأى ذلك ترك التدخين، وانصرف عنه؛ لأنه أبى أن تكون سعادته مرهونة بلفافة تبغ واحدة.

وهذا العلامة المؤرخ الشيخ الخضري أصيب في أواخر عمره بتَوَهُّمِ أن في أمعائه ثعبانًا، فراجع الأطباء، وسأل الحكماء؛ فكانوا يدارون الضحك حياءً منه، ويخبرونه أن الأمعاء قد يسكنها الدود، ولكن لا تقطنها الثعابين، فلا يصدق، حتى وصل إلى طبيب حاذق بالطب، بصير بالنفسيات، قد سَمِع بقصته، فسقاه مُسَهِّلًا وأدخله المستراح، وكان وضع له ثعبانًا فلما رآه أشرق وجهه، ونشط جسمه، وأحسَّ بالعافية، ونزل يقفز قفزًا، وكان قد صعد متحاملًا على نفسه يلهث إعياءً، ويئنُّ ويتوجَّع، ولم يمرض بعد ذلك أبدًا.

ما شفِي الشيخ لأنَّ ثعبانًا كان في بطنه ونَزَل، بل لأن ثعبانًا كان في رأسه وطار؛ لأنه أيقظ قوى نفسه التي كانت نائمة، وإن في النفس الإنسانية لَقُوًى إذا عرفتم كيف تفيدون منها صنعت لكم العجائب.

تنام هذه القوى، فيوقظها الخوف أو الفرح؛ ألَمْ يتفق لواحد منكم أن أصبح مريضًا، خامل الجسد، واهِيَ العزم لا يستطيع أن ينقلب من جنب إلى جنب، فرأى حيَّة تقبل عليه، ولم يجد مَنْ يدفعها عنه، فوثب من الفراش وثبًا، كأنَّه لم يكن المريض الواهن الجسم؟ أو رجع إلى داره العصر وهو ساغب لاغب، قد هَدَّه الجوع والتعب، لا يبتغي إلا كُرْسِيًّا يطرح نفسه عليه، فوجد برقية من حبيب له أنه قادم الساعة من سفره، أو كتابًا مستعجلًا من الوزير يدعوه إليه؛ ليرقي درجته، فأحسَّ الخفة والشبع، وعدا عدوًا إلى المحطة، أو إلى مقرِّ الوزير؟

هذه القوى هي منبع السعادة تتفجر منها كما يتفجر الماء من الصخر نقيًّا عذبًا، فتتركونه وتستقون من الغدران الآسنة، والسواقي العكرة !

يا أيها القراء : إنكم أغنياء، ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها، فترمونها؛ زهدًا فيها، واحتقارًا لها.

يُصاب أحدكم بصداع أو مغص، أو بوجع ضرس، فيرى الدنيا سوداء مظلمة؛ فلماذا لم يرها لما كان صحيحًا بيضاء مشرقة؟ ويُحْمَى عن الطعام ويُمنع منه، فيشتهي لقمة الخبز ومضغة اللحم، ويحسد من يأكلها؛ فلماذا لم يعرف لها لذتها قبل المرض؟

لماذا لا تعرفون النِّعم إلا عند فقدها؟

لماذا يبكي الشيخ على شبابه، ولا يضحك الشاب لصباه؟

لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت عنَّا، ولا نُبْصِرها إلا غارقة في ظلام الماضي، أو مُتَّشحةً بضباب المستقبل؟

كلٌّ يبكي ماضيه، ويحنُّ إليه؛ فلماذا لا نفكر في الحاضر قبل أن يصير ماضيًا؟

أيها السادة والسيدات : إنا نحسب الغنى بالمال وحده، وما المال وحده؟ ألا تعرفون قصة الملك المريض الذي كان يُؤْتى بأطايب الطعام، فلا يستطيع أن يأكل منها شيئًا، لما نَظَر مِن شباكه إلى البستاني وهو يأكل الخبز الأسمر بالزيتون الأسود، يدفع اللقمة في فمه، ويتناول الثانية بيده، ويأخذ الثالثة بعينه، فتمنَّى أن يجد مثل هذه الشهية ويكون بستانيًّا.

فلماذا لا تُقدِّرون ثمن الصحة؟ أَما للصحة ثمن؟

من يرضى منكم أن ينزل عن بصره ويأخذ مائة ألف دولار؟...

أما تعرفون قصة الرجل الذي ضلَّ في الصحراء، وكاد يهلك جوعًا وعطشًا، لما رأى غدير ماء، وإلى جنبه كيس من الجلد، فشرب من الغدير، وفتح الكيس يأمل أن يجد فيه تمرًا أو خبزًا يابسًا، فلما رأى ما فيه، ارتدَّ يأسًا، وسقط إعياءً، لقد رآه مملوءًا بالذهب !

وذاك الذي لقي مثل ليلة القدر، فزعموا، أنه سأل ربَّه أن يحوِّل كلَّ ما مسَّته يده ذهبًا، ومسَّ الحجر فصار ذهبًا؛ فكاد يجنُّ مِن فرحته؛ لاستجابة دعوته، ومشى إلى بيته ما تسعه الدنيا، وعمد إلى طعامه؛ ليأكل، فمسَّ الطعام، فصار ذهبًا وبقي جائعًا، وأقبلت بنته تواسيه، فعانقها فصارت ذهبًا، فقعد يبكي يسأل ربه أن يعيد إليه بنته وسُفرته، وأن يبعد عنه الذهب!

وروتشيلد الذي دخل خزانة ماله الهائلة، فانصفق عليه بابها، فمات غريقًا في بحر من الذهب.

يا سادة : لماذا تطلبون الذهب وأنتم تملكون ذهبًا كثيرًا؟ أليس البصر من ذهب، والصحة من ذهب، والوقت من ذهب؟ فلماذا لا نستفيد من أوقاتنا؟ لماذا لا نعرف قيمة الحياة؟

كلَّفتني المجلة بهذا الفصل من شهر، فما زلت أماطل به، والوقت يمرُّ، أيامه ساعات، وساعاته دقائق، لا أشعر بها، ولا أنتفع منها، فكأنها صناديق ضخمة خالية، حتى إذا دنا الموعد ولم يبق إلا يوم واحد، أقبلت على الوقت أنتفع به، فكانت الدقيقة ساعة، والساعة يومًا، فكأنها العلب الصغيرة المترعة جوهرًا وتبرًا، واستفدت من كلِّ لحظة حتى لقد كتبت أكثره في محطة ( باب اللوق ) وأنا أنتظر الترام في زحمة الناس، وتدافع الركاب، فكانت لحظة أبرك عليَّ من تلك الأيام كلِّها، وأسفت على أمثالها، فلو أنِّي فكرت كلَّما وقفت أنتظر الترام بشيء أكتبه، وأنا أقف كل يوم أكثر من ساعة متفرِّقة أجزاؤها لربحت شيئًا كثيرًا.

ولقد كان الصديق الجليل الأستاذ الشيخ بهجة البيطار يتردد من سنوات بين دمشق وبيروت، يعمل في كلية المقاصد وثانوية البنات، فكان يتسلَّى في القطار بالنظر في كتاب ( قواعد التحديث) للإمام القاسمي، فكان من ذلك تصحيحاته وتعليقاته المطبوعة مع الكتاب.

والعلامة ابن عابدين كان يطالع دائمًا، حتى إنه إذا قام إلى الوضوء أو قعد للأكل أمر من يتلو عليه شيئًا من العلم فأَلَّف (الحاشية).

والسَّرَخْسي أَمْلَى وهو محبوس في الجبِّ، كتابه (المبسوط) أَجَلَّ كتب الفقه في الدنيا.

وأنا أعجب ممن يشكو ضيق الوقت، وهل يُضَيِّق الوقت إلا الغفلة أو الفوضى؛ انظروا كم يقرأ الطالب ليلة الامتحان، تروا أنَّه لو قرأ مثله لا أقول كلَّ ليلة، بل كلَّ أسبوع مرة لكان عَلَّامَة الدنيا، بل انظروا إلى هؤلاء الذين ألَّفوا مئات الكتب كابن الجوزي والطبري والسيوطي، والجاحظ، بل خذوا كتابًا واحدًا كـ (نهاية الأرب)، أو (لسان العرب)، وانظروا، هل يستطيع واحد منكم أن يصبر على قراءته كله، ونسخه مرة واحدة بخطِّه، فضلًا عن تأليف مثله من عنده؟

والذهن البشري، أليس ثروة؟ أما له ثروة؟ أما له ثمن؟ فلماذا نشقى بالجنون، ولا نسعد بالعقل؟ لماذا لا نمكِّن للذهن أن يعمل، ولو عمل لجاء بالمدهشات؟

لا أذكر الفلاسفة والمخترعين، ولكن أذكِّركم بشيء قريب منكم، سهل عليكم هو الحفظ، إنكم تسمعون قصة البخاري لمَّا امتحنوه بمائة حديث خلطوا متونها وإسنادها، فأعاد المائة بخطئها وصوابها، والشافعي لمَّا كتب مجلس مالك بريقه على كفه، وأعاده من حفظه، والمعرِّي لما سَمِع أرْمَنِيَّيْنِ يتحاسبان بِلُغَتهما، فلما استشهداه أعاد كلامهما وهو لا يفهمه، والأصمعي وحمَّاد الراوية وما كانا يحفظان من الأخبار والأشعار، وأحمد وابن معين وما كانا يرويان من الأحاديث والآثار، والمئات من أمثال هؤلاء؛ فتعجبون، ولو فكَّرتم في أنفسكم لرأيتم أنكم قادرون على مثل هذا، ولكنكم لا تفعلون.

انظروا كم يحفظ كلٌّ منكم من أسماء الناس، والبلدان، والصحف، والمجلات، والأغاني، والنكات، والمطاعم، والمشارب، وكم قصة يروي من قصص الناس والتاريخ، وكم يشغل من ذهنه ما يمرُّ به كلَّ يوم من المقروءات، والمرئيات، والمسموعات؛ فلو وضع مكان هذا الباطل علمًا خالصًا، لكان مثل هؤلاء الذين ذكرت.

أعرف نادلًا كان في (قهوة فاروق) في الشام من عشرين سنة اسمه (حلمي) يدور على رواد القهوة - وهم مئات - يسألهم ماذا يطلبون : قهوة، أو شايًا، أو هاضومًا (كازوزة أو ليمونًا) والقهوة حلوة ومرة، والشاي أحمر وأخضر، والكازوزة أنواع، ثم يقوم وسط القهوة، ويردد هذه الطلبات جهرًا في نَفَسٍ واحد، ثم يجيء بها، فما يخرم مما طلب أحد حرفًا !

فيا سادة : إن الصحة والوقت والعقل، كلُّ ذلك مال، وكلُّ ذلك من أسباب السعادة لمن شاء أن يسعد.

وملاك الأمر كلِّه ورأسه الإيمان، الإيمان يُشبع الجائع، ويُدفئ المقرور، ويُغني الفقير، ويُسَلِّي المحزون، ويُقوِّي الضعيف، ويُسَخِّي الشحيح، ويجعل للإنسان من وحشته أنسًا، ومن خيبته نُجحًا.

وأن تنظر إلى من هو دونك، فإنك مهما قَلَّ مُرَتَّبك، وساءت حالك أحسن من آلاف البشر ممن لا يقلُّ عنك فهمًا وعلمًا، وحسبًا ونسبًا.

وأنت أحسن عيشة من عبد الملك بن مروان، وهارون الرشيد، وقد كانا مَلِكَي الأرض.

فقد كانت لعبد الملك ضرس منخورة تؤلمه حتى ما ينام منها الليل، فلم يكن يجد طبيبًا يحشوها، ويلبسها الذهب، وأنت تؤلمك ضرسك حتى يقوم في خدمتك الطبيب.

وكان الرشيد يسهر على الشموع، ويركب الدوابَّ والمحامل، وأنت تسهر على الكهرباء، وتركب السيارة، وكانا يرحلان من دمشق إلى مكة في شهر، وأنت ترحل في أيام أو ساعات.

فيا أيها القراء : إنكم سعداء ولكن لا تدرون، سعداء إن عرفتم قدر النعم التي تستمتعون بها، سعداء إن عرفتم نفوسكم وانتفعتم بالمخزون من قواها... سعداء إن طلبتم السعادة من أنفسكم لا مما حولكم، سعداء إن كانت أفكاركم دائمًا مع الله، فشكرتم كل نعمة، وصبرتم على كل بَلِيَّة، فكنتم رابحين في الحالين، ناجحين في الحياتين.


والسلام عليكم ورحمة الله.



• أديب ومفكر سوري كبير

نشرت عام 1948

المصدر : كتاب صور وخواطر للشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى










--


(وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)

الثلاثاء، 13 سبتمبر 2011

الحنـــــــــــــــــــــــــين الى الوطـــــــــــــــــــن




مفهوم الوطن والحنين إليه ... رؤية شرعية وواقعية على ضوء النموذج الأرتري
د. حامد محمد إدريس
استهلال :
المعاناة في الوطن أدت بالأرتريين إلى الهجرة عنه التجاء إلى وطن بديل فما رأي الشرع الحنيف في مثل هذه المعاناة و ما تثمره من الهجرة القاسية وهل يلزم الشرع المهاجر واجب العمل لإزالة أسباب المعاناة في الوطن الأصيل وهل يجيز له أن يقطع صلته به مشاعر ودعما وتضحية وحاضرا وتاريخا استغناء بم تحصل له من أنواع النعيم أمنا ورفاهية معيشة ؟ المقال التالي يعالج هذه القضية آخذا النموذج الأرتري مثالا..
الحنين إلى الوطن :
منذ فجرالهجرة الأرترية يوجد أرتريون في شتى بقاع الأرض وجدوا الأمن والأمان والمعيشة الرغيدة فاستقرت أقدامهم في الأرض البديل فهل طاب لهم المقام وانصرفت إليها قلوبهم رضى بالخير الوفير وإعراضا عن الأرض التي لا تزال تطرد أبناءها بسبب الاستعمار الجديد- حكومة الجبهة الشعبية - كما كانت تطرد هم بسبب الاستعمار القديم- النظام الإثيوبي- .
رفقا بقلبك إن كنت مهاجرا خارج وطنك فالقلب يضطرب إن عنت له الذكرى وتعرض للإثارة حتى لو كان الوطن البديل يوفر من أسباب المعيشة والهناء المادي ما لم يتوفر في الوطن الأصلي مصداق ذلك ما
روي أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه تزوج امرءة تسمى ميسون من أهل البادية وكانت ذات جمال باهر فأعجب بها معاوية وهيأ لها قصراً مشرفاً على حديقة غناء وزينه بأنواع الزخارف ثم سئلت هل رضيت بالوطن الجديد فأنشدت شعرا تقول :
لبيـت تخفـق الأرواح فيـه
أحب إليّ من قصـر منيـف
ولبس عبـاءة وتقـرّ عينـي
أحب إليّ من لبس الشفـوف
وأكل كسيرة فـي كسر بيتـي
أحب إليّ من أكـل الرغيـف
وأصوات الريـاح بكـل فـج
أحب إلى من نقـر الدفـوف
وكلب ينبـح الطـراق دونـي
أحب إلـي مـن قـط أليـف
وبكر يتبع الأظعـان صعـب
أحب الي مـن بعـل زفـوف
وخرق من بني عمي نحيـف
أحب الي من علـج عنـوف
خشونة عيشتي في البدو أشهى
الي نفسي من العيش الطريف
فما أبغي سوى وطنـي بديـلا
وماأبهاه مـن وطـن شريـف
مشهد يتكرر:
ما نتابعه اليوم في مختلف ديار الغربة – استراليا ولندن وأمريكا .. الخ - من مظاهرات واحتياجات متكررة يقوم بها مهاجرون أرتريون شبيه بتلك القصة وهي فطرة تنزع إلى الوطن الأصل تذكر به دوما وتجتهد للعودة إليه وتظل غير راضية عن كل خير تجده في ديار الغربة حتى تتمكن من العودة إلى الوطن الاصيل الذي تعتبره لوحة مشرقة تتبدى في أرضه ترابا وأشجارا وأنهارا وثروات كما تتبدى في سكانه أنسابا وأحسابا وأصهارا وجيرة وفي مساكنه مدنا وقرى وأحياءا وشوراع .. حتى جدار البيت له طعم يستحق اشتياق البعيد وتقبيل القريب ( أقبل ذا الجدارا وذا الجدارا) استجابة لمشاعر نبيلة تجاه ذكريات الأحبة والحياة والتاريخ . وبناء على ذلك يظل المهاجرون الأرتريون يحنون إلى الوطن الاصيل على الرغم من علمهم أن ما لديهم من الحياة المادية غير متوفرفيه إنه السر الخفي الذي يجعل الإنسان ينجذب إلى قطعة أرض اتخذها أهلوه لأول مرة وطنا أصيلا دون سائر الأرض فهل الإسلام يعطي تقديرا للعلاقة بين الإنسان وبين وطنه الاصلي
تعريف الوطن في الشرع :
يطلق الوطن شرعا وعرفا على الأرض الأصلية التي يرتبط بها الإنسان ميلادا و تاريخا وأهلا وعشيرة ومعيشة ولهذا تصبح محل رضى بالنسبة له وفخر وانتماء إلى درجة يحس فيها أنه جزء من تلك الأرض موتا وحياة يلزمه ألا يفرط فيما هو بضعة منه يورثه السابق للاحق وتتناقل الأجيال الإفادة منه والانتفاع بما يضمه من أرض وسماء وكنوز ويعد مالا غير قابل للتقدير بالأثمان من شدة ما هو عزيز وباق إلى قيام الساعة محتاج إليه أبناء الغد مثل حاجة أبناء اليوم ولهذا يصبح فراقه مرا على النفس تتأبى أن تتجرعه كما تتمنع أن تستقبل الموت مستسلمة .
الوطن صنو الروح :
تحدث القرآن الكريم عن هذه الحقيقة في سياق حديثه عن بني إسرائيل فقال تعالى :
( وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ... (66 سورة النساء)
فنصت الآية الكريمة على أن قتل النفس والحرمان من الوطن سيان مرارة لا تقبل بها النفس الإنسانية . والديار هي الأوطان سواء كانت أرضا بوارا مسخرة للمراعي أو الزراعة أو كانت عمارا بالبنية التحتية والسكان المعمرين والإسلام يعتبر الخروج عنها مثل قتل النفس أمرا في غاية ا لصعوبة على النفس وهو صفة حميدة جدا لما فيها من التشبث بالحياة التي يوجب الله على الإنسان حمايتها من الهلاك والتشبث بالارض الوطن التي يوجب الله على الإنسان عمارتها وإحياءها وحمايتها إلى درجة أن الموت دفاعا عنها شهادة على اعتبار أنها أغلى ما يملكه الإنسان من مال وهذا يستوجب على كل مواطن أرتري الصمود في وجه الاعتداءات الجارية على وطنه من قبل السلطان الجائر حماية للوطن والتماسا للأجر.
تحريم استلاب الوطن :
وإن من المحرمات انتزاع الوطن من المواطن قسرا ويعد ذلك من أشد أنواع الظلم التي تقع عليه من مستبدين أفرادا محكومين أو سلطانا حاكما وسواء كان هذا الوطن خاصا بفرد ضعيف كأملاك المزراع والمساكن والمراعي أو كان لعدد من المواطنين الذين جمعتهم المصالح فكونوا لأنفسهم وطنا محدود المعالم - دولة أو قرية أو مدينة - يتعرض منهم لخطر الانتزاع على يد الظالمين كما يدل له قوله صلى الله عليه وسلم:
(من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين ) وأخرج البخاري قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عبدالله بن المبارك حدثنا موسى بن عقبة عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين. ويدخل في ذلك ما تقوم به الحكومة الأرترية من انتزاع الأراضي من أصحابها وتوزيعها إلى قوم آخرين غير مستحقين لها أوتهجير المواطنين المسلمين وتسكين غير المسلمين في ديارهم كما يتهدد هذا الوعيد كل من ساند النظام السالب أو استفاد من التوزيع الجائر .
امتلاك الوطن وتنميته :
لكل مواطن قطعة أرض من الوطن الكبير سخرها الله له وربط بها سعادته معيشة واستقرارا ومن قطعة وقطعة ومواطن ومواطن يتكون الوطن الكبير وقد أوجب الله على المواطنين استثمارهذه الأرض - متعاونين - وحمايتها كما جعل التعمير ( الإحياء) والحماية وسيلة امتلاكها وقد دل له ما ورد
عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أحيى أرضا ميتة فهي له ) قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها، قال عروة قضى به عمر رضي الله عنه في خلافته
والقرآن الكريم يعبر عن هذه الحقيقة فمرة ينوه بما وضع فيها من كنوز وما أتاح للإنسان فيها من تمكين :( وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ) الأعراف: 10.
ومرة بإشعار الإنسان بأن كل ما في الأرض مخلوق له ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً )ٌ البقرة : 29
ومرة يوجه الإنسان بالحركة الإيجابية في الأرض تعميرا وتنمية واستفادة ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) الملك : 15
ومرة يذكر صورا ذات بهجة للوطن محرضا للمواطن أن يصل بوطنه إليها غرسا وعناية وإنتاجا ( وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ، فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ، وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ، فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) الرحمن: 10/11
وذلك بجهده وجهاده حرثا وزرعا وتنمية دون أن تثبط همته حتى لو رأى أنه غير منتفع بما أنتجت يداه في وطنه مصداق ذلك ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل)، جاء في فيض القدير: "(إن قامت الساعة) أي القيامة، سميت به لوقوعها بغتة، أو لسرعة حسابها، أو لطولها ولأنها عند الله تعالى على طولها كساعة من الساعات عند الخلائق (وفي يد أحدكم) أيها الآدميون (فسيلة) أي نخلة صغيرة، إذ الفسيل صغار النخل (فإن استطاع أن لا يقوم) من محله أي الذي هو جالس فيه (حتى يغرسها فليغرسها) وحماية لتنمية الوطن يسعى الإسلام إلى ترسيخ مبدأ الأمن الشامل بهدف استقرار المواطنين واتجاههم إلى تنمية وطنهم فهذا القرآن الكريم يربط بين الامن والرزق الوفير وهما من مقاصد الشريعة قال تعالى حكاية عن ابراهيم أبي الأنبياء عليه السلام :(وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات) (51).وقد امتن الله على قريش بتوفير نعمتي الأمن من الخوف والرزق الحلال الوفير( (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) كما وجه الله الإنسان المواطن أن يقوم بتنمية ا لوطن على اعتبار أنه بحاجة إلى ذلك للانتفاع به في الدنيا كما يلزمه أن أيبتغي الله فيما آتاه الله والدار الآخرة ((وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) [3].
وله الحق أن تصل تنميته للوطن مستوى راقيا جدا من الترف والنعيم الرغيد ما دام قدالتزم بالشرع الحنيف كسبا وانفاقا ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [4].وليس للسلطة الحاكمة الحق في الامتنان على هذا المواطن أو أن تستلب وطنه منه قسرا سواء تمثل على مرعى أو مزرعة أو سكن ..الخ
واجب الدفاع عن الأوطان شرعا :
على المواطن مواجهة السلطة الجائرة التي تستهدف أرضه فقد ربط الإسلام الأوطان بالدين إذ أوجب الدفاع عنها كما أوجب الدفاع عن الدين وعلق التعايش مع ( الآخر) باحترامه لحقوق المسلمين دينا وأرضا وجعل من حق المسلمين محاربة الآخرين المعتدين في حال صدور اعتداء منهم إلى عقيدة المسلمين وأرض المسلمين وليس من الحميد شرعا أن تستقبل بأغصان زيتون وحمامات سلام من يقصد النيل من أرضك أو دينك فمن أراد مصادرة أراضي المسلمين أو قام بتعديلها على غير الوجه الصحيح فعلى المسلم الوقوف في وجهه رفضا ودفاعا حتى لو أدى ذلك إلى حرب فإنها مشروعة على الرغم مما فيها من ضحايا .قال تعالى متحدثا عن شرعية هذه الحرب ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ....( 191 ) أمر من الله بقتل مؤلم وإخراج قسري وهما فريضتان يقوم بهما المسلم ضد من يعتدي على نفسه وعلى أرضه وحرماته وأحيانا تأتي هاتان الفريضتان عن طريق النهي عن معايشة المعتدي والإستسلام لسلطانه والنهي عن إخلاء الوطن له بالهجرة والهروب من المواجهة الجهادية أو بالخنوع والولاء للمعتدي قال تعالى ( إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم، أن تولوهم، ومن يتولّهم فأولئك هم الظالمون) الممتحنة 8 -9.
بل قد جعل الله من مات دفاعا عن الوطن أحد الشهداء الذين يتقبلهم الله برضى كما دل له قول الني صلى الله عليه وسلم :(من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد ".صححه الشيخ الألباني وقال :
أخرجه أبو داود (2 / 275) والنسائي والترمذي (2 / 316) وصححه، وأحمد (1652) 1653) عن سعيد بن زيد، وسنده صحيح. وفي رواية "" من قتل دون مظلمته فهو شهيد " "أحكام الجنائز 1/42
كما دل على شرعية هذه الحرب وعلى أنها محببة عند الله وأن القائم بها منصور من الله مؤيد قوله تعالى : أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير، ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز( الحج 39- 40.
وهي سنة للمؤمنين قديمة رحب بها اتباع الأنبياء دفاعا عن الوطن والأهل والعرض والدين قال تعالى عن مثل هذا الموقف النبيل:
(قَاَلوُا وَمَاَ لََنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا... (246 سورة البقرة
كل ذلك يوضح أن المواطن يلزمه التشبث بالوطن تعميرا وتنمية وحماية ودفاعا وكان محمودا ما يبذله من أجل الوطن حتى لو أدى ذلك إلى استشهاده .
قسوة الخروج من الوطن :
يعتبر الإسلام إخراج الناس من أوطانهم جريمة كبرى لأنها تفصل المواطن عما تأصل بينه وبين وطنه من مشاعر حب وولاء يقودان إلى معيشة وتعمير وتنمية وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبر عما يجد في نفسه من مرارة الخروج عن وطنه ففي سنن الترمذي بإسناد صحيح : عن عبد الله بن عدي بن حراء قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقفا على الحزورة فقال : " إنكِ لخيرُ أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجت منك ما خرجت "، قال العيني رحمه الله : " ابتلى الله نبيه بفراق الوطن "
وقد وضح القرآن الكريم الخيارات الصعبة التي فرضها المشركون على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) سورة الأنفال آية 30 وقد ذكر القرآن الكريم كذلك أن من الأنبياء السابقين من تعرضوا للحرمان القسري عن الأوطان قال تعالى :( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا) والخيارات الثلاثة تؤدي إلى نتيجة واحدة وهي إبعاد الدور الإيجابي للأنبياء وأتباعهم من الوطن فالمسجون والمنفي والمقتول كلهم سواء في إعاقة دورهم الدعوي والشرعي والريادي في المجتع وهذا ما يعايشه الدعاة السجناء في أرتريا منذ فجر الاستقلال وهو نفسه مايعانيه المهاجرون الأرتريون خارج وطنهم .
التعايش مع الوطن البديل :
ومعلوم ان الوطن البديل الذي يطرد إليه المواطنون ظلما لا يجد الإنسان فيه نفسه وربما أدى به ذلك إلى الانطواء والانحباس مع ذكرى الماضي الأليمة ومعالجة لهذا الموقف السلبي حرض الإسلام الإنسان المهاجر أن يتعايش مع الواقع الجديد في الوطن الجديد معمرا ومنميا وهذا أمر يتطلب التوفيق بين حب الوطن الأصل وذكرياته الطيبة وبين ضرورة التعايش مع الوطن الجديد وهذا لا يكون إلا بمجاهدة كبيرة من وسائلها الصبر والسعي والإنتاج والدعاء خوفا من أن تكون نفس المهاجر أسيرة للوطن الأصلي منكسرة ذليلة مصداق ذلك ما جاء في الشرع الحنيف الذي أوجب الهجرة عن الوطن الأصل إلى الوطن البديل وحرض عليه ووصفه بأنه واسع وأن من تعايش مع الذل والظلم في الوطن الاصيل بدل الهجرة موعود بالعقاب الأليم في جهنم يوم القيامة قال تعالى :
( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلاَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِير)
وحرض المواطن على الهجرة الإيجابية التي تأبى الضيم وتسعى في تغيير أنظمة الكفر والجور انطلاقا من الوطن البديل قال متحدثا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم :
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر.
فالآية الكريمة وصفت الصحابة المهاجرين بأنهم فقراء والسبب أنهم هاجروا من وطنهم وأموالهم لكن موقفهم مشاد به وذلك لكونهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وكانت هجرتهم نصرا لله ورسوله فهي هجرة بنية العودة واسترداد الوطن وحماية العرض والدين والنفس.
وهذا الموقف الإيجابي لصالح الوطن البديل يدل على شرعية حب رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة الوطن البديل وتعميره إياها وأنه صلى الله عليه وسلم أخذ يعالج موقف الصحابة المهاجرين المتعلق بالوطن الأصلي والمتضايق من الوطن الجديد الذي وصفه بعضهم بأنه أرض الوباء مقارنا بين مكة المكرمة وبين المدينة المنورة فقد أخرج البخاري أن بلالاً قال: اللَّهُمَّ الْعَنْ شَيْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وعُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ، وأُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ كمَا أخْرَجُونَا مِنْ أرْضِنَا إلَى أرْضِ الوَباءِ". وهذا موقف غير متعايش مع الوطن الجديد ونظرة سلبية منكسرة متألمة اقتضت من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقوم بالمعالجة بهدف أن يتحول موقف المهاجرين إلى حب وبناء وتنمية الوطن الجديد المدينة المنورة راضين ومجتهدين وكان صلى الله عليه وسلم – إذا خرج مجاهدا - يسرع بالعودة إلى المدينة اشتياقا إليها ففي صحيح البخاري : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته (أي أسرع بها).. قال ابن حجر - رحمه الله - : " فيها دلالة على فضل المدينة، وعلى حب الوطن والحنين إليه " ومجاهدات الرسول الله عليه وسلم لتربية وترويض أصحابه على حب الوطن الجديد تمثلت في توجيهم بالعمل والانتاج مثل بقية المواطنين الاصليين الانصار وفرض حب المدينة المنورة عليهم والدعاء لهم بنقل الوباء عن المدينة وفرض الهجرة إليها وتأسيس دولة الإسلام الأولى فيها وجعل نفسه واحدا من الأنصار حتى بعد الفتح كل ذلك يفيد أن الهجرة من الوطن الاصلي إلى الوطن الجديد تتطلب مجاهدة كبيرة بهدف ترويض المهاجر ليكون لبنة إيجابية في الوطن الجديد دون أن ينسى الوطن الأصلي
العمل لاستراداد الوطن السليب :
إن من سنة الأنبياء العمل لاستعادة أوطانهم التي هاجروا منها قسرا متى توفرت لهم أسباب العودة وفرصة تغيير الأنظمة المستبدة التي أخرجتهم من أوطانهم وليس من الحق في شيء أن ينسى الإنسان وطنه الأصلي الذي خرج منه قسرا وليس من الحق في شيء أن يؤدي ما يجد المهاجر في الوطن البديل من أسباب الاستقرار والرفاهية إلى نسيان ما عليه من واجب العمل لاستراداد الوطن الأصلي وهذه مسيرة الأنبياء تشهد أنهم تشبثوا بأوطانهم ابتداء إلى درجة التضحية بأنفسهم على يد الجبابرة ومن هاجر منهم – وهي حالة استثنائية - تحت ضغوط الابتلاء كانت منهم العودة الظافرة إلى الوطن الأصيل فهذا موسى عليه السلام يعود إلى وطنه التي كان قد هاجر منها خوفا على نفسه قال تعالى : (فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ). (القصص : 29 ).
قال ابن العربي في "أحكام القرآن":
"قال علماؤنا لما قضى موسى الأجل طلب الرجوع إلى أهله وحنّ إلى وطنه"). (القصص : 29
وهذا محمد صلى الله عليه وسلم يعود إلى وطنه الأصلي مكة المكرمة فاتحا محررا يتلو قول الله تعالى ( قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا )
الخلاصة :
إن الإسلام يعطي تقديرا خاصا للاوطان والعلاقة التي تربط الإنسان بها ويمنح الإنسان الوطن بموجب الإحياء والتعمير والتنمية ويحرم على الآخرين انتزاع وطنه منه ويوجب على المواطن حماية هذه الأرض الوطن الذي قام بتعميره وتنميته وإن هذه الحماية والدفاع إن أدت إلى الموت فالقائم بها شهيد عند الله رفيع المنزلة وأنه لا يجوز للمواطن مغادرة وطنه بالهجرة عنها في حالة الاختيار فإن حصل تحت ظروف قاهرة وهاجر يلزمه أن يعيش مواطنا صالحا في الوطن البديل كما يلزمه أن يسعى لتحرير وطنه الاصلي وأن يسخر ما وجد من إمكانيات مادية في الوطن البديل لصالح تحرير الوطن الأصلي لأن كل وطن أهلوه أحق به وعليهم تقع مسؤولية تخليصه من السلطان الجائر ومن المعيب هجرتهم إلى خارج وطنهم ما لم تكن هذه الهجرة اضطرارية ومبررة وموقتة .
د. حامد محمد إدريس
1/9/2011م

الاثنين، 12 سبتمبر 2011

رحيق المنابر - 24 - أهمية الأخوة الأشقاء

بسم الله الرحمن الرحيم
رحيق المنابر
((( 24 )))
أهمية الأخوة الأشقاء
الحمد لله الذي جعل لأنبيائه أزواجا وذرية ، وجعل لنا بنين وحفدة ورزقنا من الطيبات ، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا ، ونصلي ونسلم على النبي الأكرم الذي اكرمه الله بأزواج وذرية ، فعلمنا - عليه الصلاة والسلام- كيف نربي أبنائنا؟ وكيف نعامل إخواننا ؟، وكيف نحترم والدينا ؟ .
أما بعد:
صحيح ان نبينا عليه - الصلاة والسلام - كان وحيد الأم والأب ، ولكنه كان له اخوة من الرضاعة ، وقد فارقهم - صلى الله عليه وسلم - بعد فترة الرضاعة في بني سعد ، وعندما انتصر المسلمون في معركة ( هوازن ) راى اخته ( حذافة بن الحارث ) الشيماء رضي الله عنها ، رآها في السبي وقد كبر سنها ورق عزمها ، وهي التى كانت تحدوا له وهو صفير فتقول :
اللهم ابق لنا محمدًا حتى اراه يا فعا وامردا
ثم اراه سيدا مسودا وأكبت اعاديه معا والحسدا
وأعطه عزا يدوم أبدا.
فما كان من حبيبنا – محمد عليه الصلاة وأزكى التسليم – الا ان يرحب بها ترحيبا حارا ويبالغ في اكرامها فيبسط لها رداءه الشريف فيجلسها عليه وتنهمر عيناه بالدموع ثم يقول لها: ( إن أحببت فأقيمي عندي محببة مكرمة، وإن أحببت أن أمتعك فارجعي إلى قومك، فقالت: بل تمتعني وتردني إلى قومي، فمتعها وردها إلى قومها. ولم يتوقف إكرام النبي - صلى الله عليه وسلم - للشيماء عند هذا فحسب، بل شمل ذلك بني سعد جميعهم).
أكرم أخ على أخيه :
سيدنا موسى - عليه الصلاة والسلام - كليم الله ورسوله ، يقول له الله سبحانه وتعالى : ( إذهب الى فرعون إنه طغى ) ما اصعبها من مهمة فيها الموت والجماجم والخوف والرعب ، فتوجه الى ربه بأدعية يحتاجها كل مسلم فقال : (رب اشرح لي صدري ويسر لي امري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من اهلي هارون اخي اشدد به ازري واشركه في امري .... الخ ) فقد سأل الله أن يشرح صدره للثواب فيلزمه ويشرح صدره لإتخاذ القرار فيلهمه ، ويشرح صدره بالرضى لما مال اليه واحبه ، وسال الله كذلك إذا مضى في قراراته أن ييسر له تنفيذه وتطبيقه ، وسأل الله ان يجعل له لسانا فصيحا يشرح به مقاصده وأفكاره ، وسأل الله أن يرزقه معاونا ومساندا في طريق الحق اللآحب والمحاط بالمكاره ، فإذا برب الأرباب يقبل دعوة موسى فيرفع هارون - عليه السلام - من انسان عادي الى مرتبة الرسالة والنبوة ، فكان سيدنا موسى - عليه الصلاة والسلام - اكرم اخ على اخيه. ونحن نعلم جميعا سيرة الأنبياء مع إخوانهم وما اروع قصة سيدنا ( يوسف عليه الصلاة والسلام ) مع إخوانه!!
وكان سلفنا الصالح أحرص الناس على إخوانهم ، ولم يكن حرصهم عليهم فقط لحمايتهم من المكاره ، ونجدتهم عند الإستغاثة ، ومناصرتهم عند الإعتداء ، ومددهم عند ضيق اليد بل كان حرصهم عليهم قبل كل شيئ لهدايتهم الى طريق الخير ، وإرشادهم الى سبيل السلام والنجاة . ونذكر قصة أبو موسى الأشعري رضي الله عنه( انه توضأ في بيته ثم خرج فقلت لا لزمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأكونن معه يومى هذا قال فجاء المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا خرج ووجه ههنا فخرجت على اثره اسأل عنه حتى دخل بئر أريس فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فتوضأ فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس وتوسط قفها وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر فسلمت عليه ثم انصرفت فجلست عند الباب فقلت لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم فجاء أبو بكر فدفع الباب فقلت من هذا فقال أبو بكر فقلت على رسلك ثم ذهبت فقلت يا رسول الله هذا أبو بكر يستأذن فقال ائذن له وبشره بالجنة فأقبلت حتى قلت لأبي بكر ادخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه ثم رجعت فجلست وقد تركت اخى يتوضأ ويلحقني فقلت ان يرد الله بفلان خيرا يريد أخاه يأت به...... ) انظر حرصه على اخيه تمنى له لو جاء حتى يبشر بالجنة كما بشر ابوبكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين .
التهاجر والتخاصم بين الأشقاء :
إن من الأمور التى يدمى لها القلب وتنفطر لها الأكباد أن يسمع الإنسان بالهجر والتخاصم بين الأخوة الأشقاء ، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم - : (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظرا هذين حتى يصطلحا) والشحن هو أن يمتلأ القلب بالعداوة والبغض فإذا كان وقع هذا بين إخوة غير أشقاء ، فكيف يكون الحال إذا كان المتخاصمان إخوة من رحم واحدة ؟ .
إن من سعادة الأسرة وبركات الله عليها أن تبنى على المودة ، والرحمة ، والتعاون، والتناصح ، والتناصر، والتآزر.
كعب بن مالك يتألم لهجر بن عمه له :
قصة الثلاثة الذين خلفوا وكان منهم - كعب بن مالك - عندما امر النبي المسلمين بهجرهم وعدم الحديث معهم دخل كعب يوما على إبن عمه ( قتادة ) وهو احب الناس إليه فسلم عليه فلم يرد عليه فناشده بالله : ألاتعلم أني احب الله ورسوله ؟ فلم يرد عليه ففاضت عيناه بالدموع ، فإذاكان هجر بن العم مؤلما فكيف بهجر الأخ الشقيق ؟
القابيليون مستمرون :
يقول الله تعالى وهو يحكي لنا قصة أخوين قتل أحدهم أخاه : ( واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين) خلد الله قصتهم في كتابه العظيم ليس للتسلية والسمر ولكن لنعتبر بما حدث بينهم من نزاع وخلاف ادى الى قتل الأخ لأخيه ، وتعترينا الدهشة وتتملكنا الحيرة كلما سمعنا بخصام وشقاق بل وغرس السكين في الفؤاد واطلاق الرصاصة في القلب ، والرمي من شاهق ، ليس بين الأعداء ولكن للأسف بين اخوة أشقاء ضمتهم رحم واحدة .
ايها المسلمون بين أيديكم كنز يبحث عنه العالم :
إن مما حباكم الله به وانتم تعيشون في( الغرب ) التماسك الأسري والنظام الإسلامي القويم الذي جعل رابطة الأخوة من اعلا الوشائج وارفعها واعظمها ، ينظر اليكم الإنسان الغربي وهو وحيدا يبحث عن الدفئ والصداقة والحنان مع كلب او قط او بغبغاء ، ينظر اليكم وانتم تجتمعون مع أفراد اسرتكم ، ينظرون اليكم وأنتم تجتمعون على طعامكم ، ينظرون اليكم وانتم ترحمون بعضكم بعضا ، ينظرون اليكم وانتم تتكافلون وتتعاونون بل وتضحكون وتسعدون ، رسالتكم أن تهدوا لهم هذا النظام الرباني ، ليس بالكلام ولكن أن ينظر اليكم الغرب وانتم تنفذون منهج ربكم في تعاملكم مع بعضكم بعضا ، اسعدوا في بيوتكم يسعد بكم مجتمعكم .
13-09-2011م

أحبكم يا شباب التغيير الهادر

الى من المحهم في الساحات ... الى من اترقب طلعتهم في الميادين .... الى اسود الشرى ... الى من سرجوا خيولهم ... الى الأحرار الأوفياء ... الى من نفضوا عنهم غبار النوم ..... الى من خلعوا عنهم ربقة العبودية ... الى من مزقوا اوهام الجواسيس ... الى من رفعوا هاماتهم بجانب النجوم .... الى من ترفعوا عن السفاسف ... الى من تطلعوا للعلياء ... الى من رفضوا الذل ... الى من رفضوا تخويف الظلمة والمجرمين ... الى المتوكلين على ربهم ... الى من قرروا الحفاظ على مجد الآباء والأجداد ... الى من استعدوا لفداء الوطن ... الى شباب ارتريا الحرة ... الى النجوم الزواهر ... الى الشموس السواطع ... الى احفاد عواتي ... الى جيل الطهر ... الى اهل النخوة والإباءوالشمم ... اليهم فقط اهدي مدونتي هذه ... اليهم فقط انثر كنانتي .... اليهم فقط الون كلماتي ... اليهم فقط ارسل تحياتي ... اليهم فقط ابث اشجاني وأشواقي .

موعدنا غدا في اسمرا حرة ونقية .

الأحد، 11 سبتمبر 2011

الحرية
احمد مطر


أخبرنا أستاذي يوما عن شيء يدعى الحرية
فسألت الأستاذ بلطف أن يتكلم بالعربية
ما هذا اللفظ وما تعنى وأية شيء حرية
هل هي مصطلح يوناني عن بعض الحقب الزمنية
أم أشياء نستوردها أو مصنوعات وطنية
فأجاب معلمنا حزنا وانساب الدمع بعفوية
قد أنسوكم كل التاريخ وكل القيم العلوية
أسفي أن تخرج أجيال لا تفهم معنى الحرية
لا تملك سيفا أو قلما لا تحمل فكرا وهوية
وعلمت بموت مدرسنا في الزنزانات الفردية
فنذرت لئن أحياني الله وكانت بالعمر بقية
لأجوب الأرض بأكملها بحثا عن معنى الحرية
وقصدت نوادي أمتنا أسألهم أين الحرية
فتواروا عن بصري هلعا وكأن قنابل ذرية
ستفجر فوق رؤوسهم وتبيد جميع البشرية
وأتى رجل يسعى وجلا وحكا همسا وبسرية
لا تسأل عن هذا أبدا أحرف كلماتك شوكية
هذا رجس هذا شرك في دين دعاة الوطنية
إرحل فتراب مدينتنا يحوى أذانا مخفية
تسمع ما لا يحكى أبدا وترى قصصا بوليسية
ويكون المجرم حضرتكم والخائن حامي الشرعية
ويلفق حولك تدبير لإطاحة نظم ثورية
وببيع روابي بلدتنا يوم الحرب التحريرية
وبأشياء لا تعرفها وخيانات للقومية
وتساق إلى ساحات الموت عميلا للصهيونية
واختتم النصح بقولته وبلهجته التحذيرية
لم أسمع شيئا لم أركم ما كنا نذكر حرية
هل تفهم؟ عندي أطفال كفراخ الطير البرية
وذهبت إلى شيخ الإفتاء لأسأله ما الحرية
فتنحنح يصلح جبته وأدار أداة مخفية
وتأمل في نظارته ورمى بلحاظ نارية
واعتدل الشيخ بجلسته وهذى باللغة الغجرية
اسمع يا ولدي معناها وافهم أشكال الحرية
ما يمنح مولانا يوما بقرارات جمهورية
أو تأتي مكرمة عليا في خطب العرش الملكية
والسير بضوء فتاوانا والأحكام القانونية
ليست حقا ليست ملكا فأصول الأمر عبودية
وكلامك فيه مغالطة وبه رائحة كفرية
هل تحمل فكر أزارقة؟ أم تنحو نحو حرورية
يبدو لي أنك موتور لا تفهم معنى الشرعية
واحذر من أن تعمل عقلا بالأفكار الشيطانية
واسمع إذ يلقي مولانا خطبا كبرى تاريخية
هي نور الدرب ومنهجه وهي الأهداف الشعبية
ما عرف الباطل في القول أو في فعل أو نظرية
من خالف مولانا سفها فنهايته مأساوية
لو يأخذ مالك أجمعه أو يسبي كل الذرية
أو يجلد ظهرك تسلية وهوايات ترفيهية
أو يصلبنا ويقدمنا قربانا للماسونية
فله ما أبقى أو أعطى لا يسأل عن أي قضية
ذات السلطان مقدسة فيها نفحات علوية
قد قرر هذا يا ولدي في فقرات دستورية
لا تصغي يوما يا ولدي لجماعات إرهابية
لا علم لديهم لا فهما لقضايا العصر الفقهية
يفتون كما أفتى قوم من سبع قرون زمنية
تبعوا أقوال أئمتهم من أحمد لابن الجوزية
أغرى فيهم بل ضللهم سيدهم وابن التيمية
ونسوا أن الدنيا تجري لا تبقى فيها الرجعية
والفقه يدور مع الأزمان كمجموعتنا الشمسية
وزمان القوم مليكهم فله منا ألف تحية
وكلامك معنا يا ولدي أسمى درجات الحرية
فخرجت وعندي غثيان وصداع الحمى التيفية
وسألت النفس أشيخ هو؟ أم من أتباع البوذية؟
أو سيخي أو وثني من بعض الملل الهندية
أو قس يلبس صلبانا أم من أبناء يهودية
ونظرت ورائي كي أقرأ لافتة الدار المحمية
كتبت بحروف بارزة وبألوان فسفورية
هيئات الفتوى والعلما وشيوخ النظم الأرضية
من مملكة ودويلات وحكومات جمهورية
هل نحن نعيش زمان التيه وذل نكوص ودنية
تهنا لما ما جاهدنا ونسينا طعم الحرية
وتركنا طريق رسول الله لسنن الأمم السبأية
قلنا لما أن نادونا لجهاد النظم الكفرية
روحوا أنتم سنظل هنا مع كل المتع الأرضية
فأتانا عقاب تخلفنا وفقا للسنن الكونية
ووصلت إلى بلاد السكسون لأسألهم عن حرية
فأجابوني: “سوري سوري نو حرية نو حرية”
من أدراهم أني سوري ألأني أطلب حرية؟!
وسألت المغتربين وقد أفزعني فقد الحرية
هل منكم أحد يعرفها أو يعرف وصفا ومزية
فأجاب القوم بآهات أيقظت هموما منسية
لو رزقناها ما هاجرنا وتركنا الشمس الشرقية
بل طالعنا معلومات في المخطوطات الأثرية
أن الحرية أزهار ولها رائحة عطرية
كانت تنمو بمدينتنا وتفوح على الإنسانية
ترك الحراس رعايتها فرعتها الحمر الوحشية
وسألت أديبا من بلدي هل تعرف معنى الحرية
فأجاب بآهات حرى لا تسألنا نحن رعية
وذهبت إلى صناع الرأي وأهل الصحف الدورية
ووكالات وإذاعات ومحطات تلفازية
وظننت بأني لن أعدم من يفهم معنى الحرية
فإذا بالهرج قد استعلى وأقيمت سوق الحرية
وخطيب طالب في شمم أن تلغى القيم الدينية
وبمنع تداول أسماء ومفاهيم إسلامية
وإباحة فجر وقمار وفعال الأمم اللوطية
وتلاه امرأة مفزعة كسنام الإبل البختية
وبصوت يقصف هدار بقنابلها العنقودية
إن الحرية أن تشبع نار الرغبات الجنسية
الحرية فعل سحاق ترعاه النظم الدولية
هي حق الإجهاض عموما وإبادة قيم خلقية
كي لا ينمو الإسلام ولا تأتي قنبلة بشرية
هي خمر يجري وسفاح ونواد الرقص الليلية
وأتى سيدهم مختتما نادي أبطال الحرية
وتلى ما جاء الأمر به من دار الحكم المحمية
أمر السلطان ومجلسه بقرارات تشريعية
تقضي أن يقتل مليون وإبادة مدن الرجعية
فليحفظ ربي مولانا ويديم ظلال الحرية
فبمولانا وبحكمته ستصان حياض الحرية
وهنالك أمر ملكي وبضوء الفتوى الشرعية
يحمي الحرية من قوم راموا قتلا للحرية
ويوجه أن تبنى سجون في الصحراء الإقليمية
وبأن يستورد خبراء في ضبط خصوم الحرية
يلغى في الدين سياسته وسياستنا لا دينية
وليسجن من كان يعادي قيم الدنيا العلمانية
أو قتلا يقطع دابرهم ويبيد الزمر السلفية
حتى لا تبقى أطياف لجماعات إسلامية
وكلام السيد راعينا هو عمدتنا الدستورية
فوق القانون وفوق الحكم وفوق الفتوى الشرعية
لا حرية لا حرية لجميع دعاة الرجعية
لا حرية لا حرية أبدا لعدو الحرية
ناديت أيا أهل الإعلام أهذا معنى الحرية؟
فأجابوني بإستهزاء وبصيحات هيستيرية
الظن بأنك رجعي أو من أعداء الحرية
وانشق الباب وداهمني رهط بثياب الجندية
هذا لكما هذا ركلا ذياك بأخمص روسية
اخرج خبر من تعرفهم من أعداء للحرية
وذهبت بحالة إسعاف للمستشفى التنصيرية
وأتت نحوي تمشي دلعا كطير الحجل البرية
تسأل في صوت مغناج هل أنت جريح الحرية
أن تطلبها فالبس هذا واسعد بنعيم الحرية
الويل لك ما تعطيني أصليب يمنح حرية
يا وكر الشرك ومصنعه في أمتنا الإسلامية
فخرجت وجرحي مفتوح لأتابع أمر الحرية
وقصدت منظمة الأمم ولجان العمل الدولية
وسألت مجالس أمتهم والهيئات الإنسانية
ميثاقكم يعني شيئا بحقوق البشر الفطرية
أو أن هناك قرارات عن حد وشكل الحرية
قالوا الحرية أشكال ولها أسس تفصيلية
حسب البلدان وحسب الدين وحسب أساس الجنسية
والتعديلات بأكملها والمعتقدات الحالية
ديني الإسلام وكذا وطني وولدت بأرض عربية
حريتكم حددناها بثلاث بنود أصلية
فوق الخازوق لكم علم والحفل بيوم الحرية
ونشيد يظهر أنكم أنهيتم شكل التبعية
ووقفت بمحراب التاريخ لأسأله ما الحرية
فأجاب بصوت مهدود يشكو أشكال الهمجية
إن الحرية أن تحيا عبدا لله بكلية
وفق القرآن ووفق الشرع ووفق السنن النبوية
لا حسب قوانين طغاة أو تشريعات أرضية
وضعت كي تحمي ظلاما وتعيد القيم الوثنية
الحرية ليست وثنا يغسل في الذكرى المئوية
ليست فحشا ليست فجرا أو أزياء باريسية
والحرية لا تعطيه هيئات الكفر الأممية
ومحافل شرك وخداع من تصميم الماسونية
هم سرقوها أفيعطوها؟ هذا جهل بالحرية
الحرية لا تستجدي من سوق النقد الدولية
والحرية لا تمنحها هيئات البر الخيرية
الحرية نبت ينمو بدماء حرة وزكية
تؤخذ قسرا تبنى صرحا يرعى بجهاد وحمية
يعلو بسهام ورماح ورجال عشقوا الحرية
اسمع ما أملي يا ولدي وارويه لكل البشرية
إن تغفل عن سيفك يوما فانس موضوع الحرية
فغيابك عن يوم لقاء هو نصر للطاغوتية
والخوف لضيعة أموال أو أملاك أو ذرية
طعن يفري كبدا حرة ويمزق قلب الحرية
إلا إن خانوا أو لانوا وأحبوا المتع الأرضية
يرضون بمكس الذل ولم يعطوا مهرا للحرية
لن يرفع فرعون رأسا إن كانت بالشعب بقية
فجيوش الطاغوت الكبرى في وأد وقتل الحرية
من صنع شعوب غافلة سمحت ببروز الهمجية
حادت عن منهج خالقها لمناهج حكم وضعية
واتبعت شرعة إبليس فكساها ذلا ودنية
فقوى الطاغوت يساويها وجل تحيا فيه رعية
لن يجمع في قلب أبدا إيمان مع جبن طوية.

هذه القصيدة المطرية اهديها الى شباب التغيير الأرتري الذين عقدوا العزم للمضي في طريق الحرية

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013