الأربعاء، 28 سبتمبر 2011

الموهبة في العمل الجماعي بين مكاسب التنظيم ... وفتنة الأفراد ( العمل الإسلامي الأرتري نموذجا )

الموهبة في العمل الجماعي بين مكاسب التنظيم .. وفتنة الأفراد.. رؤية شرعية - العمل الإسلامي الأرتري مثالا
الثلاثاء, 27 سبتمبر 2011 06:11 | الكاتب د. حامد محمد إدريس | | |
الإسلام يدعو إلى تآلف الأفراد في صف واحد متعاون خدمة للمجتمع وبناء لدولة المعروف وهدّا لدولة المنكر ويجعل في هذا الصف البركة التي تنمي مواهب الأفراد وتصقلها حتى تتحول إلى مهن مثمرة لصالح العمل الجماعي القاصد الذي يحقق مقاصد الدين ويلبي حاجة المواطنين من أمن واستقرار ومعيشة سعيدة ويطلب من الجماعة رعاية الأفراد وتأهيلهم وتربيتهم حتى لا تكون مواهبهم فتنة عليهم تبعدهم عن الجماعة وبركتها وتعظم في نظرهم أنشطتهم وجهودهم الفردية المحدودة خدمية كانت أم سياسية والمقال التالي يجتهد معالجا لهذه المسألة من الناحية الشرعية داعيا الأفراد الموهوبين إلى الوفاء بعهودهم وواجباتهم تجاه الجماعة والاعتراف بفضلها بعد فضل الله تعالىكما يدعو الجماعة أن تجتهد لمنح الموهوبين فرصا واسعة لإرضاء طموحهم حركة وإبداعا

تعريف الموهبة لغة واصطلاحا:

الموهبة لغة من الهبة ومعناها العطية وتجمع على مواهب وهي في الأصل عطية من الله للإنسان لا تظهر حقيقتها ولا أثرها الإيجابي إلا بالكسب الإضافي والمراد بها اصطلاحا ما يتمتع به الإنسان من استعداد فطري يجعله قادرا لاكتساب قدرات فنية وعلمية وقيادية وحركية عقلية أو عضوية تتنامى بالتعليم والدربة والترويض إلى درجة يتفوق بها على أقرانه من افراد التنظيم .

وقد تتجمع في الشخص الواحد عدد من المواهب وقد ينفرد الشخص في التنظيم بموهبة وغيره بمواهب أخرى فيصبح التنظيم مليئا بمواهب وبقدر بتعددها وتنوعها في أعضائه يكون لها تاثير إيجابي في تحقيق أهداف التنظيم وفي بنائه الداخلي ولاء وتماسكا وتعاونا وتناميا وتمر الموهبة بالدربة حتى تنضج لدى صاحبها فتتحول إلى مهنة منتجة وهذه غايتها الأخيرة وثمرتها المرجوة .

أهمية الموهبة للجماعة :

تظهر أهمية المواهب الفردية في أنها تسخر في دعم التنظيم ( الجماعة ) ونموه أفرادا وإمكانيات وخبرات وفي حمايته من اعتداء الآخرين عليه وإن التنظيم الذي يحرم أعضاؤه من المواهب لتنظيم قابل للفناء والاضمحلال بخلاف التنظيم الآخر الذي يجد في صفه شعراء وأطباء وحكماء وخطباء ورياضيين ومحاورين وقانونيين ومفكرين وفقهاء .. فإن هذه المهن مدعومة بمواهب منماة تجعل من التنظيم جسما متكاملا محميا قادرا على النمو الدائم عضوية وقدرات وقادر على حماية نفسه من الاستهداف وقادر على إدارة المجتمع وتنمية الوطن .

دورالجماعة في تنمية المواهب:

ليسلأي موهوب قدرة على ظهور موهبته وتنميتها إلا في محيط الجماعة التي تمنحه تحفيزا وتسهيلا ماديا أو معنويا فالشاعر مثلا لا يظهر إبداعه إلا عندما يجد من الجماعة إعجابا وتحفيزا وهي لا تمنح التحفيز والإعجاب إلا إذا كان ترجمانا لمشاعرها وخادما لمصلحتها وكذلك الشأن في كل المواهب التي تثمر في نهاية المطاف مهنا ذات نفع وعبر الجماعة ( التنظيم ) يعرف أصحاب المواهب ويروج لهم وتزكي شخصياتهم إلى المجتمع وإلى جهات الإحسان ويسوق لهم لدى ميادين العلاقة الداعمة رجاء أن يكونوا جلاب خير للتنظيم لا لأنفسهم وقد ذم الإسلام من يغلل منهم

ومن التحفيز للموهبة الإعجاب بها وبحامليها والإشادة بها والإقبال عليها إنجذابا ورضى وقد يكون تأثير التنظيم على الموهبة والموهوب بتكريم مادي أو معنوي وقد يتجسد على صورة أتباع معجبين ومقتدين وقد يترجم هذا الاعجاب إلى عمل مادي من جهاد أو دعوة أو ثبات في البلاء أو بذل للمعروف كل ذلك يجعل ا لمواهب تتفاعل وتتنامي في التنظيم وتتنوع بسبب العوامل المحفزة في ا لتنظيم . وقد يكون للتنظيم برامج وإمكانيات ترعى المواهب والموهوبين بهدف تنمية مواهبهم واستثمار طاقاتهم الابداعية لصالح العمل التنظيمي وهذه الرعاية تأخذ أشكالا مختلفة كأن يتلقى الموهوب منحا دراسية أو دعما بالأدوات المعينة أو إيواء في داخليات خاصة يتلقى فيها الرعاية المناسبة استقرارا وإرشادا وتدريبا وتنظيما وهي أرقى صورة لدور التنظيم في تنمية المواهب وهي الإمكانيات التي وفرتها الحركة الإسلامية الأرترية في السودان خاصة بما لديها من علاقات وبما تيسر لها من إمكانيات وبما تمتلكه من قدارات إدارية وتنظيمية وفكرية .

والمواهب التي لا يقف العمل التنظيمي مؤازرا لها ومحفزا قد تموت في ضمير صاحبها فلا ترى النور ولهذا يقع الفضل الأكبر – بعد الله- على العمل الجماعي الذي يساعد على بروز وتنمية مواهب الأفراد وبهذا الخصوص نعرف خطباء وشعراء كانوا مغمورين في مناطق محددة وقد ذاع صيتهم بعد انضمامهم في العمل الجماعي الإسلامي الأرتري .

شرعية صقل الموهبة :

إن من بدهيات العمل التنظيمي أن يضم أفرادا يوالي بعضهم بعضا أداء لمصالح دينية أو دنيوية ويرتبط بعضهم ببعض بإدارة تقودهم وفق قوانين تحدد لهم الاهداف والوسائل والواجبات والحقوق وللمواهب التي يتمتع بها أفراد هذا التنظيم دور مهم في تحقيق تلك الأهداف وليست هذه المواهب إلا ثمرة من ثمارات الجماعة التي تصقل الموهبة حتى تؤهل- منحا أو عرضا - الشخص الموهوب ليكون قدوة لغيره في مجال مواهبه وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتمتع صف جماعته بواهب كثيرة غرستها الجماعة ورعتها وصقلتها حتى نضجت فتحولت إلى مهن منتجة وقائدة فسيف الله المسلول خالد موهبة قتالية فذة تتوجه إلى حماية الجماعة ومقارعة الأعداء وموهبة الرمي بالنبال تجد توجيه القيادة النبوية من باب العناية بها وصقلها وتسخيرها لخدمة الجماعة كما يشهد له الحديث الصحيح :(ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان فأمسك أحد الفريقين بأيديهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لكم لا ترمون؟ قالوا كيف نرمي وأنت معهم ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ارموا فأنا معكم كلكم) رواه البخاري

وهذا حسان بن ثابت يجد التعزيز القوي الذي ينمي موهبة الشعر فيه فقال صلى الله عليه وسلم (" اهْجُهُمْ ، أَوْ هَاجِهِمْ ، وَرُوحُ الْقُدُسِ مَعَكَ " ،رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ،)

وهناك تقرير واضح من رسول الله صلى الله عليه وسلم يفيد أن في كثير من الصحابة مواهب تميزهم عن بعضهم مسخرة لخدمة الجماعة وبناء الأمة فعن (أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبيّ، ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح. " قال الألباني في السلسلة الصحيحة: إنه صحيح. ) وكان من بين جنوده من جعلت الموهبة المصقولة منه ذا مهنة نافعة للجماعة فهذا خطيب مفوه وهذا طبيب بارع وهذا سياسي محاور وابن عباس حبر الأمة وسيفها المسلول خالد ومن قضاتها معاذ بن الجبل ومن أشهر سفرائها مصعب بن عمير ومن شعرائها حسان وابن رواحة ومن كتابها الخلفاء الأربعة وهم من أشهر قادتها الإداريين المقتدرين وكلهم كان أمة واحدة يعين بعضهم بعضا في بناء دولة المعروف وهد دولة المنكر ولم تكن هذه المواهب التي كان يتمتع بها الصحابة رضي الله عنهم سببا لتعالي بعضهم على بعض ولا لنفور بعضهم عن صف الجماعة ولا كانت دافعة لهم لتاسسيس كيانات ذات نفع خاص محدود ولا كانت مبررا لتعالي الموهوب على الجماعة .فمن قدوة هذا الذي يتتبع خضراء الدمن يوالي من أجلها ويعادي مسخرا ما أوتي من مواهب – هي أصلا من بركات الجماعة – ومكتسبات هذه المواهب لصالحها ؟

ميدان ظهورالموهبة:

أول ميدان تظهر فيه مواهب الموهوبين هو محيط التنظيم من خلال مواعين التعبير عن الفكر والابداع وتنمية الثقافة كالاجتماعات والمناسبات الثقافية والأمسيات والمهرجانات وتبادل الخبرات والمعارف فإن الموهبة تستجيب لتحريض الجمهور المتلقى فتبدع إبداعا يرضي رغبته ويخدم رسالته فقصائد المجاهدين وأناشيدهم التي تمجد الشهداء ووقائع المجاهدين وبطولاتهم كما تحرض على الجهاد اقتداء بالشهداء وحملا لرايتهم عوامل ناجعة في إثارة المواهب وتحريضها وإن ظهور موهبة الشخص في العمل الإداري تخطيطا وتنفيذا ورقابة في العمل التنظيمي يجعله مؤهلا للقيام بالمهام الإدارية في أي موقع قيادي والحركة الإسلامية الأرترية ليست عقيمة فقد أنجبت كثيرا من القادة المؤهلين الإداريين والعسكريين.. وكثير من المواهب المدعومة والمحفزة التي تحولت إلى مهن ذات نفع مجدي كالأطباء والمهندسين والمعلمين والإداريين والفنيين.

تحفيز الموهوب:

يعمل التنظيم – أراد أو لم يرد – على تحفيز الموهوب وإن هذا التحفيز يأخذ صورا عديدة حسب نوع الموهبة لدى الشخص المعني فقد يتقلد موقعا إداريا أو يمنح فرص مخاطبة الجمهور بصورة دائمة أو يعين ممثلا للتنظيم في وظائف ذات طابع كسبي مادي أو معنوي أو تعقد سنمارات لمناقشة إبداعاته والإشادة بها فإن مثل هذه العوامل تعد محفزا للموهوب تدفع به نحو الإبداع الأعظم وكل ذلك كان – ولا زال – معمولا به في العمل الإسلامي الجماعي الأرتري بصورة مقدرة ربما لم تبلغ الدرجة القصوى لكنها غير منكورة الوجود.

مكانة الموهوب:

وإن ذلك يدل على علو مكانة الموهوب لدى الجماعة كما يدل على الاحترام العميق الذي تكنه الجماعة للشخص الموهوب والتقدير الذي تعطيه لما لديه من مواهب خادمة لاهداف التنظيم خاصة أو مصالح المجتمع عامة .

لقد حضرت مناسبات عديدة للعمل الإسلامي ا لأرتري احتشدت لها الجماهير وتابعت فقراتها برضى وانشراح وما ذلك إلا لوجود مواهب مبدعة شعرا وإنشادا ونثرا وخطابا وفكرا وتحليلا وكم رأيت الأعناق تشرأب لسماع محاضرة من شيخ أو قصيدة من شاعر أو نشيد من فرقة دبرسالا أو تحليلا من مفكر وكاتب وكم هيج الموهوبون مشاعر الجماعة بشعارات حماسية وعواطف فياضة وتحليل منطقي فعلت منزلتهم لدى الجماعة وسمت مكانتهم وذاع صيتهم لاحتفاء الجماعة بهم وبمواهبهم مثل ما كانت تفعل قبائل العرب في الجاهلية حين يولد فيها شاعرنابغ .

مشاهد من العمل الإسلامي الأرتري :

من خلال معايشة العمل الإسلامي الأرتري وجدت أفرادا احتضنتهم الجماعة صغار السن لم تنبت لهم لحى ولا ظهر لهم شارب كانوا عديمي التجربة والخبرة والعمل وقد التقطتهم الجماعة من الشوارع يلعبون ويعبثون حتى اشتد عودهم واخضرت أوراقهم ونضجت عقولهم وتوسعت مداركهم و أتت إليهم بركات العمل الجماعي فأصبحت لهم خبرات ومهن وعلاقات ومعارف بل ولبعضهم أموال وأرزاق ومكاسب مادية لم يكونوا قد ولدوا بها من أمهاتهم ولا نمت لديهم من معجزة بلا أب ولا أم ولا كانت نتاجا لعمل ظاهر من كد عرقهم وإنما كانت من بركات الجماعة عرضا أو منحا ولهذا فهي صاحبة الفضل عليهم الذي يستوجب الشكر والتقدير والولاء والتبجيل لا النكران والعقوق والإدبار .

قابلت مرة سائق حافلة في الخرطوم وقرأت قرائن تدل أنه ينكر فضل الجماعة عليه ويزعم أنه حبس نفسه لها والآن عندما خبا صوتها – بسبب ظروف الابتلاء - تحرر منها ليعمل سائقا يتقاضى أجرا مجزيا فقلت له أين تعلمت السواقة فقال : في سيارات المجاهدين ! قلت : هل كنت على علم وخبرة عندما جندتك الجماعة ؟ فقال : لا .وهل كنت على غنى انتزعته منك الجماعة ؟ فقال : لا . فقلت له : وإذا الجماعة أعطتك خبرة وعلما وحفظت لك شبابك من الضياع وربتك على فعل الخيرات فهل ترى أنها أضرت بك .؟ فقال : لا . وأخيرا إذا وجدت منها بحسن التدبير وبركة العمل الجماعي – وأنت تعلم أنها ليست دولة وأن إمكانيتها محدودة - مهنة تدر عليك رزقا حلالا .. فهل ترى أنها قصرت في حقك ؟ فقال : لا.

هذا نموذج راض قنوع شاكر ويوجد من أمثاله كثير ..

وأعلم شخصا مديرا لمؤسسة خيرية ظل علة غير مطاوعة للجماعة متعاليا بما تحت يديه من خير.. كانت الجماعة سببا في تأهيل مواهبه وسببا في نيله ثقة داعميه.. وهو مثال لحالات سلبية مشابهة.

ووجدت خياطا تعلم الخياطة عند المجاهدين ومدير مؤسسة ومدير مدرسة وصاحب علاقات في الخارج مؤتمن على أموال المحسنين جلبا وإنفاقا ومن تخرج في جامعات وتخصص في مهن مختلفة من طب وحاسوب وصيدلة وإدارة واقتصاد .. ومن تعلم التجارة في السوق بيعا وشراء .. وإذا تفحصت هؤلاء كلهم – أو جلهم - فسوف تجد أنهم ليس لهم نسب متصل فيما هم فيه من خير إلا نسب العمل الجماعي الذي صقل المواهب وتيسرت عن طريقه الأسباب ولو الله ثم هي لما كانوا هم على شيء ولا كانت مواهبهم الفطرية قد بلغت بهم – دون سبب الجماعة- ما بلغت من علو المكانة والمكان جاها وسلطانا أو خبرة ومالا أو علاقة وتواصلا .

إن من يرى موهبته أفضل له من ظل الجماعة ويظن أن ما يكسبه عن طريقها من جاه وعلم وسلطان ومال وعلاقات ( إنما يؤتاه على علم من عنده ) فإن موقفا مثل هذا ليس له نسب متصل بالصدق والصحة وذلك لأن الإنسان - دون الجماعة- شخص عادي جدا قد يكون موهوبا فطرة لكن موهبته هذه تظل حبيسة بين نفسه أو في إطار ضيق حتى تموت آسفة لأنها لم تجد الحضن الجماهيري الدافئ الذي تغرس فيه فينميها وإن ظهرت له عبر الموهبة آثار إيجابية من مكاسب مادية ومعنوية فهي محدودة جدا لا تقارن بما لو تفجرت مواهبه عبر الجماعة التي تدفع بمواهبه إلى أبعد مدى لم يكن يخطر بباله فيصبح مثالا يعتز به وهبة من السماء يقتدى بها وتذكر في هذه النقطة شعراء وخطباء ومهنيين كثيرين لم يكن يعرفهم أحد أو كانوا في دائرة صغيرة ولما انضموا إلى الجماعة ذهبت بذكرهم الركبان وعلا شأنهم في الزمان والمكان وعلى سبيل المثال من كان يعرف الشيخ خليل محمد عامر غير مستمعي خطبته يوم الجمعة في أحد مساجد كسلا ومن كان يعرف الشيخ عرفة أحمد محمد غير المصلين في مسجده بمناطق المهاجرين قبل أن يتوليا قيادة العمل الجماعي الإسلامي الأرتري وأين كان الكتاب المبدعون محمود إيلوس وعبد الرازق كرار وبقية العقد الفريد قبل أن تصقل مواهبهم في مصنع بركات العمل الجماعي الإسلامي وأين أخبار الشيخ محمد علي سليمان خطيب الجهاد المفوه بعد أن انزوى في جمعية خيرية صغيرة – دون التقليل من جهدها ولا تحقير من إنجازاتها - وانغمس في مشكلات العمل الإداري بخصوصها .

كانت موهبته وقدراته جمة وكان رجلا بأمة والآن تصاغرت مواهبه حتى لا أحد يسمع بها غير المنتفعين المحدودين أو المحسنين المحدودين

فتنة الموهبة :

مالي أرى - بين فترة وأخرى- أفرادا إسلاميين أرتريين ذوي مواهب - كانوا - في عمل عام - دعاة مهديين وقادة ربانيين وإداريين مقتدرين وكتابا مرموقين وشعراء وأدباء أصحاب شأن عظيم .. ثم تذهب بهم مواهبهم - مفتونين بها - بعيد ا عن الجماعة مشكلين لأنفسهم دوائر ضيقة تظهر على شكل مؤسسات خيرية أو جمعيات خدمية أو مدارس تعليمية أو مواقع إعلامية أو تكتلات قبلية متناطحة أو على أفضل الفروض أنها نبات غير طبيعي وغير متعاون ...تأخذهم هذه المواهب الفتنة بعيدا عن الجماعة العامة وتزين لهم ما هم فيه من مكاسب" خيرية" مادية ومعنوية ويعادون العمل العام الذي كانوا جزءا منه تنكرا لفضل الجماعة عليهم أو حرصا على هذه المكاسب الفردية متناسين أنها ما أتت إليهم إلا من بركات الجماعة ! وما وجدوا من نصيب داعم إلا كان تقليصا من خزينة الجماعة لكونهم لا يتحركون إلا في ميدانها وليسوا على قدرة لاكتشاف غيره.

والعاقل لا يتجاهل حقيقة ساطعة أن الفرد يظل مغمورا ثم ينتظم في الجماعة فيصبح رائدا أو شاعرا أو مديرا أو كاتبا أو عالما أوفقيها فأي بركة فيك يا جماعة وأي موتور هذا الذي رضع من ثديك ثم كافأك بالتنكر والعقوق ؟

لم يكن للفرد قيمة ولا لموهبته مكانة إلا عندما ينضم للجماعة فيولد من جديد لأنها تكتشف موهبته وتنمي قدراته وتنبهر لإبداعاته وتتأسى بإنجازاته وتتخذه مثلا يحتذى به ونورا يستضاء به فمتى تخلى عن الجماعة وانزوى ذهبت البركة عنه وانطمس الضياء فيه وأصبحت حركته في محيط خاص وظلت مواهبه محصورة في دائرة ضيقة وظل عرضة لحديث الناس سلبا بعد أن كان قدوة لهم في الخير مبجلا وكثيرة هي النماذج التي يذكرها العمل الإسلامي الجماعي الأرتري التي تعالت على الجماعة وفتنت بمواهبها وما تحقق لها من مكاسب فتشبثت بما هو ضيق على ما هو واسع وبما هو خاص على ما هو عام وما يجلب المصلحة الفردية على ما يفيد الجماعة الخاصة والوطن العام فبناء على هذا أنشئت كيانات تحت راية قبائل أو عشائر أو ظاهرة الفرد المتعاظم ( المستقل) وكلهم جعل غايته الانتفاع من الموهبة والقدرات الخاصة به وإن ذلك مما يوهن الجماعة العامة والعمل العام ومما يقتل الموهبة نفسها لدى صاحبها وهو أمر مخالف لسنة الإسلام التي تفرض تجميع المواهب في صف واحد – حقيقة أو مجازا - وتوجهها وتسخرها لتحقيق الأهداف العامة التي يكون لكل فرد من المجتمع نصيب منها نافع وكافي .

مشهد ختامي:

من المفيد في العمل الإسلامي الخدمي والمدني أن تتعدد أوعيته على شكل مؤسسات وجمعيات ومدارس وأن يكون لهذه الأوعية منابر تعبير من مجلات وجرائد ومواقع النت ومن المفيد كذلك أن يكون بينها تنافس إيجابي سلمي خدمة وفكرا ومواعين تعبير ومن الواجب أن يكون لها خيوط إيجابية تربطها بالتنظيم فهي تنوعت لتغذيه لا لتعاديه وتعددت لتؤازره لا لتنافسه ومن غير المفيد أن تكون هذه التشكيلات متصارعة ومتكايدة وأن يكون لبعضها حضور على حساب غياب الآخرين أو الإضرار بهم و من أسوء الصور أن تدعو الموهبة العاصية صاحبها إلى إنكار حقيقة أن النشاط الفردي يعد جزئا غير قادر لإحداث تغيير في المجتمع دون مساندة العمل الجماعي التنظيمي وأن تتعالى بمسؤوليها – وهي في الأساس من بركات الجماعة - على العمل التنظيمي وأن يكون تسويق مناشطها مزاحما في آبار الجماعة المعدودة لا تقوى أن توجد لنفسها أسواقا جديدة غير ما ساقتها إليه الجماعة تزكية وتعريفا عندما كانت تتقلد مهاما قيادية في التنظيم معافاة راشدة وإن هذا مما تقود إليه المواهب الفتانة التي توحي على صاحبها وحيا شيطانيا بأنه أعظم شأنا من التنظيم وأقدر على العمل لو تحرر من قيود التنظيم واغترارا بهذه الثقة كم هي المواهب التي تخلت عن العمل الجماعي التنظيمي ، بعضهم يبقى في التنظيم مواليا جهرا وباحثا عن البديل باطنا فإذا وجد البديل أسرع إليه دون تحية وداع لمن كان يتقاسم معهم حلاوة الإيمان في مرارة الابتلاء وبعضهم يتعالى على العمل التنظيمي بداية وتتعاظم نفسه عليه فيبقى مقدسا لها مستقلا .

إن الشعور بالتعاظم نتاج لتربية عليلة أدت إلى تضخيم الذات أمام صاحبها فقذفت به إلى الركن القصي عن الجماعة فانحشر فيه وما زال الشيطان يريه من محاسن نفسه وتعدد مواهبه ما يقنعه لاحتقار جهود الجماعة وجهادها فيبتعد ويبتعد حتى يكون لنفسه ظلا صغيرا يقتات منه وبهذا تتكمش الموهبة التي صقلتها الجماعة وجعلت من صاحبها رائد أمة تنكمش على نفسها حتى تصبح في نهاية المطاف ضيقة على صاحبها ذابلة وعندئذ يصحو بعضهم من الغرور ليعالجها بالعودة التائبة إلى إخوان أمسه لكن بعد أن ذهب كثير من حيائه وأضر كثيرا بسمعته ومكانته ويعالجها بعضهم بتكثير سواد الأعداء وأمثال هذا في الساحة كثير كل ذلك تجر إليه المواهب الفتانة­­ـــــــــ وأشهرها عند الإسلاميين الأرتريين موهبة الخطابة والكتابة وشيء من موهبة الإدارة قليل ملخصة في سلطة الأمر والنهي وتلقي واجب السمع والطاعة من رعية جاهزة للانفضاض عند ظهور الابتلاء وانعدام الانتفاع وشيء من العلاقات الداعمة قليل كذلك مدعوما بحظوظ نفسيه وقبلية وهوى محرض ــــــــــــــ التي لا يسخرها صاحبها لخدمة الجماعة ولا يتخذها وسيلة تقربه إلى الله والدارالآخرة .

26/9/2011م الموافق 28/10/1432هـ

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013