الثلاثاء، 20 ديسمبر 2011

الشيخ محمد عمر الحاج ر ائد من رواد الاصلاح والتعليم‏


  • الشيخ محمد عمر الحاج ر ائد من رواد الاصلاح والتعليم‏



 




بسم الله الرحمن الرحمن
الشيخ محمد عمر الحاج
 
رائد من رواد الإصلاح والتعليم
 
1935م - 2001

أحمد أبو أمين             
جدة - السعودية            

نحن أما م سيرة علم من أعلام الدعوة لإسلامية، نذر نفسه ووقته في سبيل الدعوة الى الله  و نشرالعلم الشرعي، ومحاربة الجهل، وانتشال الشبيبة من ظلام الجهل إلى ساحات العلم ، رفض بعد تخرجه  كل الدعوات المقدمة إليه من أحبائه وزملاء دراسته للعمل في دول الخليج حيث بسطة العيش ورفاهية الحياة ، ولكن شيخنا رفض كل ذلك وآثرالذهاب  إلى حيث أبناء الشهداء والفقراء،  والمهاجرين في شرق السودان، جاء اليهم حاملا رسالة العلم ومحاربة الأفكار الهدامة التي كان مرتعها في ذلك الوقت أبناء المسلمين الفقراءفي شرق السودان .
 أسرته ونشأته:
 الشيخ محمد عمر الحاج محمد عمر همد دين من قبلية الحباب التي لها تواجد في ارتريا والسودان، ولد رحمه الله في قرية (قرابيت)عام 1935م.
ينحدر الشيخ محمد عمر من أسرة مجاهدة أشربت حب القرآن ،  فقد تربى في كنف أب حافظ للقرآن الكريم ، متبحر في علوم لشريعة بصفة عامة والفقه المالكي بصفة خاصة،وأم تلقت تعليمها على يدي هذا الوالد.
وكان جده (عمر) الذي سمي باسمه مجاهدا في جيش المهدية.
و والده الحاج محمد كان إماما لأهل قريته،ومرجعهم في الفتيا،زاهدا ورعا ذاكرا لله في كل أحيانه
وكان يشتغل بالزراعة، ليأكل من كسب يده.
 فقد تلقى شيخنا تعليمه الأولي  من دراسة  القرآن الكريم ومبادئ العلوم الشرعية في سن مبكرة، في مسقط رأسه على يد والده الحاج محمد، وبعد وفاة والده تتلمذ على  أخيه الكبير ،الشيخ محمد أبوبكر رحمهم الله جميعا . 
رحلاته العلمية:
 قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ في كتابه (مفتاح دار السعادة) : " وأما سعادة العلم فلا يورثك إياها إلا بذل الوسع ، وصدق الطلب ، وصحة النية ".     
فالمكارم منوطة بالمكاره ، والسعادة لا يعبر إليها إلا على جسر المشقة ،يقول الإمام مسلم في صحيحه: قال يحيى بن كثير : " لا ينال العلم براحة الجسم " .
وقد قيل : من طلب الراحة ترك الراحة .
رحلات شيخنا في طلب العلم تذكرنا بالسلف الصالح الذين كانو يسافرون ويرتحلون من بلد إلى آخر الأيام والليالي، في سبيل حديث واحد من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
  سمها ماشئت مسيرة أم رحلة ، لكنها بالتأكيد لم تكن نزهة ،إنها مسيرة الباحث عن عشقه ، رحلة المحب إلى حبه ، يستعذب فيها الصعاب ، ويتحمل فيها المشاق، فقد فارق مراتع الصبا وترك الأهل والخلان في سبيل هدف نبيل وغاية مباركة ، قاصدا مدينة ( أم درمان)  حيث خلاوي القرآن ومعهد  أم درمان العلمي ، ولكنه قبل كل شئ   فقد عقد العزم على  حفظ القرآن الكريم أولا، ثم تلقي علوم الشريعة، حيث يعتبر القرآن الكريم أصل الأصول وزاد الداعية الى الله في حياته، فأ لزم نفسه حفظه وفهمه والعمل به ، فاعتنى بحفظه وفهمه وتلقيه عن المشايخ الكبار في السودان، فكلما سمع بشيخ عالم متقن للقرآن  شد رحاله وأناخ ركابه،فقد درس القرآن الكريم في منطقة( بَرْبَرْ) خلوة الشيخ أحمد ود الفكي على، ثم انتقل إلى منطقة (كَرِيمة) خلوة الشيخ محمد أحمد عبد الله ، ومنها إلى (الْكُرَيْ) ومنها إلى خلوة الفكي العوض في (الْقُرير).
وواصل رحلته في سبيل إتقان القرآن وتلقيه فدرس في (الْجوير)عام 1957م  وانتقل إلى( دنقلا) و(المحس) حيث حط رحاله عند الشيخ تاج الختم ، وقبل ذلك كان قد سافر إلى مدينة ( شَنْدِي) ودرس بها فترة على يد أولاد الحاج جابر فتتلمذ على كل من الفكي عبد الله والفكي المامون والفكي عبد القيوم .
وبعد معاناة وتكبد المشاق والحل والترحال كان له ما أراد من إتمام حفظ القرآن الكريم وإتقانه وضبطه، وكان يتلوه برواية أبي عمرو الدوري ، ورواية حفص عن عاصم،فقد رأيناه رحمه كثير الاستشهاد بآيات القرآن الكريم، تاليا له، سفرا وحضرا، حاثا على تعلمه، محبا لأهله، معظما له، واقفا عند حدوده، مستفيدا من أساليبه في الدعوة والتربية، وقد شهد له بذلك القريب والبعيد.
ولم يكتف بحفظ القرآن بل عاد إلى مدينة ( أم درمان)  لينتسب في معهد أم درمان العلمي، حيث كانت الدراسة داخل الجامع الكبير في أم درمان، ودرس فيه، ولم يكتف بذلك فقد جلس على الركب في حلقات الجامع الكبير في غير أوقات الدراسة الرسمية، متتلمذا على  العلماء والمشايخ في ذلك الوقت.
وفي أثناء دراسته في أم درمان مر بظروف مادية صعبة، حيث عمل مؤذنا في مسجد الخليفة (أبو كدوك) في أم درمان شارع الأربعين، كما عمل في بيع الكتب الدينية لسد حاجاته وتوفير مبلغ من المال يوصله إلى مصر للدراسة في الأزهر الشريف.
وقد أدى فريضة الحج عام 1962م وهو لا يزال طالب علم ثم عاد وواصل دراسته.
من السودان إلى مصر مشيا على الأقدام:
تحرك صاحب الهمة العالية ونفسه تتوق إلى الأزهر الشريف الذي طالما سمع به، وبعلمائه الأفذاذ، فتاقت نفسه إلى ذلك الصرح العلمي ،ولكن دون ذلك شدائد ومتاعب لم تثنه عن هدفه ولم تضعف من عزيمته ، إذ لم يكن الوصول إلى الأزهر سهلا ، بل كانت  رحلة اكتنفها الكثير من المتاعب والمشاق من سير على الأقدام، وهذا اقلها، إلى تجاوز لحرس الحدود بين الدولتين ،إلى التخفي عن الأنظار عند الوصول إلى نقاط التفتيش ، إلى أن وصل إلى  مبتغاه وغايته، ودرس في الأزهر وانتسب فيه طالبا ، وكان ذلك عام 1962م
لم يكن ليكتف بالدراسة النظامية في الأزهر بل قد اتفق مع  مدرس خاص يعلمه الحساب والقواعد وبعض المواد العلمية الحديثة ، حتى يستدرك ما فاته من العلوم إذ كانت هذه المواد تحتاج منه إلى مضاعفة الجهد ، مما دفعه إلى التعاقد مع مدرس خاص يدفع له مبلغا من المال نظير تدريسه له، وقد كان يقتطع جزءا من المكافئة وقدرها ثلاث جنيهات لذلك المدرس .                                                                          
من الأزهر الشريف إلى رحاب طيبة الطيبة:
وهكذا تتواصل الرحلة المباركة الميمونة،  فمن مصر و جامعها الأزهر إلى مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحرمها الشريف، سيرا على طريقة السابقين من العلماء الربانين،على طريقة الإمام أحمد بن حنبل حين قصد الكوفة والبصرة، ومكة والمدينة المنورة، واليمن والشام ، وعلى طريقة شيخ المفسرين ابن جرير الطبري حين رحل إلى الري والبصرة و واسط  والكوفة وبغداد، وبيروت ومصر.
ووصل الشيخ محمد عمر رحمه الله المدينة المنورة عام 1968 ودرس في المعهد العلمي التابع للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، ومن ثم في الجامعة الإسلامية  في كلية الشريعة وتخرج منها عام 1975م.
الشيخ محمد عمر والشيخ سعيد حوي والرباط الروحي:
في المدينة المنورة اجتمع بالشيخ سعيد حو ى بل وتتلمذ عليه و تأثر به  كثيرا، فقد كان كثيرا ما يذكر لنا وصايا الشيخ سعيد حو ى رحمه الله، وتوجيهاته له ودروسه التي أثرت فيه كثيرا ، وكان يوصي أبنائه وتلامذته بقراءة كتب الشيخ سعيد حو ى خاصة  سلسلة الأصول الثلاثة كتاب( الرسول) صلى الله عليه وسلم وكتاب (الله) عز وجل وكتاب (الإسلام)، وكانت مكتبته العامرة تحتوي على معظم كتب الشيخ سعيد بما فيها كتابه الأساس في التفسير.
ومن شدة حبه للشيخ سعيد أنه كان يصطحب معه كل قادم من بلاده  إلى المدينة المنورة لزيارة الشيخ سعيد وتعريفهم بالشيخ  رحمهم ا لله .
في ميادين العلم و الدعوة والتربية:
ويعد تخرجه من الجامعة الإسلامية عرض عليه العمل في بعض الدول الإفريقية من دار الإفتاء براتب عال ومزايا أفضل، لكنه رفض ذلك وقال إنه ذاهب إلى أهله وقومه في شرق السودان ليعلمهم ، فقيل له : أن من تود الذهاب إليهم لم يطلبو من دار الإفتاء دعاة،يرشدونهم فقال الشيخ : هم لا يعرفونكم  ولكن نحن  نطلب نيابة عنهم.
وتم توظيفه من قبل الإفتاء داعيا إلى الله، براتب أقل مما عرض عليه ، وهو راض بذلك ، ليتجه إلى شرق السودان داعية إلى الله، ويبذل أكثر مما طلب منه، وينجز أكثر مما كان ينتظر منه .وعند وصوله إلى السودان أسس  هو وصديقه ورفيق دربه أستاذنا الشيخ على شيخ داوود (معهد النهضة الإسلامي) في نهاية عام 1975م في (ود الحليو) شرق السودان.وقد كان فيها معسكرا (مخيم) يضم عدد كبيرا من المهاجرين الارتريين.
واستبشر أهل المنطقة خيرا ووقف الكثير منهم مساندا ومعاونا لهم على التأسيس و رحبو بهم.
وفور التأسيس اكتظ المعهد با لإقبال الشديد من قبل الطلاب ونفع الله به كثيرا من الشباب ،إذ كان هؤلاء الشباب من أبناء المسلمين المهاجرين فريسة للأ فكار الهدامة، و كانو بحاجة إلى محضن تربوي ، وكان اختيار هذه المنطقة المكتظة بأبناء المهاجرين اختيارا موفقا من قبل الشيخين محمد عمر وعلي شيخ .
 وبدأت الدراسة في المعهد في شكل حلقات داخل المسجد ، ثم إلى الرواكيب فيما بعد  (بيوت متواضعة تصنع من العيدان والقش) .
وانتقل المعهد بعد فترة من الزمن إلى مدينة( خشم القربة) في أواخر عام 1979م، وذلك لأ ن معظم المهاجرين ر حلو من المعسكر و تفر قو في معسكرات أخرى ، بأمر من الحكومة السودانية.
 وواصل المعهد رسالته التربوية والتعليمية، وخرج أجيالا ،وقبل الكثير من طلابه في منح خارجية للدراسة في الجامعات الإسلامية خاصة في السعودية.والبعض منهم أكمل تعليمه في السودان.
وكان الشيخ على شيخ داوود مديرا للمعهد والشيخ محمد عمر نائبا له، (باختياره ) وكان الشيخ محمد عمر يدرس مادة اللغة العربية، حيث كان شغوفا بها، ولم يكن دوره متوقفا في التدريس فقط بل كان يقوم بدور المرشد والموجه لطلابه في غرس السلوك الحسن والابتعاد عن السلوكيات الخاطئة التي تتنافي مع طالب العلم الشرعي، فقد كان المربي والقدوة.
 
السراج الذي يضئ أينما وضع:
ونظرا لظروفه الصحية ترك الشيخ محمد عمر التدريس في المعهد ، حيث اتجه إلى مجال القران الكريم وتدريسه فأسس (مركز  أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم) عام1981م نهاية العام 1402هـ
فقد كان رحمه الله كالسراج أينما وضع أضاء، وقد نجحت الفكرة و أثمر الغراس، فكما استفاد وانتفع المسلمون بالمعهد وتأسيسه ،كذلك عم النفع بتا سيس (مركز أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم)، حيث كان الشيخ قائما عليه بالإشراف والتوجيه ومتابعة الطلاب ، وكان يضم عددا كبيرا من الطلاب من خارج المنطقة حيث كانو يسكنون في الإسكان الداخلي ، مع توفير ما يحتاجون إليه من أكل وشرب وضروريات حياة.
وقد شارك المركز في حياة المؤسس في مسابقات  عدة محلية داخل السودان، وعالمية خارجه،ونال التكريم في مهرجان القران الكريم في السودان بإحرازه المركز الأول في مسابقة القران الكريم .
وقد تخرج من هذا المركز  الحفاظ والأئمة والدعاة الذين حملو راية القرآن بعد شيخهم ، فا نتشرو في القرى والمدن في السودان وارتريا وتشاد والسعودية محفظين للقرآن الكريم.
وفي حياته رحمه الله انشأ قسما خاصا   في مركز أبي بن كعب لتعليم الفتيات وربات البيوت ، مما يدل على  اهتمامه بتعليم ا لنساء وتربيتهن التربية السليمة، كان ولازال المركز بقسميه يؤدي رسالته الإسلامية ولله الحمد والمنة ويشهد تطورا مستمرا بإدارة وإشراف ابنه الشيخ حسين.
                                                                               
الشيخ محمد عمر والعمل الإسلامي المنظم:
قد ارتبط الشيخ محمد عمر بالعمل الإسلامي مبكرا ، وأخذ عن علماء الحركة الإسلامية وتأثر بفكر الإمام حسن البنا رحمه الله عندما كان طالبا ،بل وانخرط  في العمل الإسلامي  عضوا فاعلا وجنديا من جنود الدعوة ، يُقدم والناس محجمون، ويتقدم الصفوف وغيره يتردد أو يتأخر، مع أن  تركيزه الأكبر كان على تعليم أبناء المسلمين .
وتجمعه علاقات حميمة وصداقة قوية مع أبرز علماء الحركة الإسلامية في السودان مثل الشيخ الصادق عبد الله عبد الماجد،وغيره، وفي الكويت الشيخ عبد الله المطوع،وغيره ، وكان محل حفاوة وتقدير كثير من شيوخ الحركة الإسلامية.
 
صفا ته:
من صفاته التواضع وحب الخير ، ومساعدة المحتاجين، وكثيرا ما سمعناه  عندما ينفق يتمثل قوله تعالى( فهو يخلفه)
وكان رحمه الله لا يرد طالبا أتاه للانتساب في المركز للدراسة مع كثرة الطلاب وقلة الإمكانيات المادية من إعاشة وسكن ، وكان يحب وحدة المسلمين ويسعى إليها ، ويكره الشقاق والخلاف بين المسلمين، وله مواقف مشهودة في ذلك.
الابتسامة لا تفارق محياه رحمه الله،وكثيرا ما يشارك أبناءه الطلاب فيما يكلفهم به من أعمال،تحفيزا لهم وتشجيعا.
 ومن صفاته أيضا حفظ اللسان و سلامة ا لصدر وحب العلماء واحترامهم ومعرفة قدرهم مما أكسبه حب الكثيرين له.
وقد حباه الله بذاكرة قوية فقد كان يعرف طلابه مع كثرتهم بأسمائهم كاملة مع مناطقهم، وقبائلهم ، وكان رحمه الله  يتميز بالنباهة والفراسة. 
وكان احد أبرز من يحمل هم الدعوة والعمل لهذا الدين ، يعمل أكثر مما يتكلم ، فكان تأثيره واضحا في الشباب، و كان كالوالد لهم ، نا صحا لهم، فيما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم، مشفقا عليهم،متوددا إليهم.
لم يكن رحمه الله يتحدث عن أعماله  مع كثرتها ، بل يحدثك عما عمله الآخرون من دعوة ونشر علم وإصلاح، ولكن هاهي آثاره تتحدث عنه ،وأعمال الخير والبر شاهدة له .
وكان يحتقر طاعته وعبادته لله ويحتقر نفسه في جنب الله ، كما هو دأب الصالحين ويتمثل قول الإمام البوصيري رحمه الله:
استغفر الله من قول بلا عمل             لقد نسبت به نفلا لذي عقم
 أمرتك الخير لكن ما ائتمرت به    وما استقمت فما قولي لك استقم
الشيخ محمد عمر مدرسة متميزة:
أستطيع أن أقول ان الشيخ كان مدرسة خاصة بأسلوبه المتميز في التدريس وطريقته الخاصة  في الدعوة والعمل للإ سلام، وفي تعامله مع أقرانه وأبنائه الطلاب.
أما مكتبته الخاصة وهي مكتبة عامرة بالكتب ،فقد كان يستثمرها في الدعوة الفردية فكانت مكتبة متحركة، يأخذ الكتب الدعوية والمجلات الإسلامية معه  إلى الفصل ويوزعها على أبنائه الطلاب ليتناوبو على قر ائتها، ولازلت اذكر أنني مما قرات أعداداقديمة من  مجلة ( الشهاب) اللبنانية أول مرة في مكتبة شيخنا محمد عمر رحمه الله.
أما منزله المتواضع كان مفتوحا لأبنائه الطلاب، في كل وقت وحين.
زواج الشيخ محمد عمر رحمه الله:
للشيخ محمد عمر زوجتان، تزوج الأولي أثناء دراسته في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة،وكانت معه في المدينة وهي (أم الحسن) وكان هذا الزواج عام 1972م
 وهي من أسرة متدينة ، اشتهرت بتعليم القران الكريم ، فكانت نعم الزوجة المعينة لزوجها، مربية ، فاضلة، حافظة لحقوق الزوجية، كسبت احترام وتقدير جميع أفراد العائلة، فكانت للصغير منهم أما، وللكبير أختا.
وبعد عودته إلى السودان تزوج بزوجته الثانية (أم حواء) عام 1978م وهي كذلك من أسرة كريمة محترمة ،عاشتا معا كأختين لا كضرتين ، في جو تسوده المحبة والألفة ، وانعكست  هذه المحبة والألفة بين أبناء وبنات الشيخ .
وقد كان أهل الحي يدعون لكل من تزوج بامرأة ثانية أن يكون زواجه ميمونا وتكون زوجتيه كأم الحسن وأم حواء، وقد رزقه الله منهما بنين وبنات ولله الحمد.
 
العودة إلى المدينة المنورة:
وحط الفارس رحاله ،وودع أهله وذويه ، في رحلة العودة من حيث انتهى  به طلب العلم ،وحن القلب  شوقا إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتحركت المشاعر إلى طيبة الطيبة ، حيث كان يتمثل وهو في طريقه لأداء مناسك العمرة، وقد غلبه الحب  بقول الشاعر:
 قلبي يحن إلى مدينة طه   فمتى أفوز بوصلها وأراها.
 إنه الشوق إنه الحب، أحب الحبيب ففاز بجواره،  و أحب المدينة فضمته إلى ثراها الطاهر ،وكان خير ختام لهذه الحياة الحافلة بالعلم والعطاء والدعوة :
اكتمال بناء مسجد أبي بن كعب في( خشم القربة) ،وافتتاح هذا المسجد الذي كان حلما يراوده ، منذ فترة ، فتم بناء المسجد في نفس الشهر الذي توفي فيه الشيخ واختار له لجنة تسير أعماله ، ولأمر يعلمه الله لم يجعل نفسه ضمن لجنة المسجد.
وبعد افتتاح المسجد  توجه مباشرة للأراضي المقدسة  لأداء مناسك العمرة، وزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم وصلة الأقارب والأرحام هناك ، وقد اصطحب معه ابنه الشيخ حسين لأول مرة وكأنه يهيئه للقيام بالمهام من بعده، بل صرح بذلك لبعض من أحبابه عند قدومه إلى الأراضي المقدسة، وبعد أداء مناسك العمرة توجه إلى المدينة المنورة ،وأتم الزيارة ،وفي أثناء تأديته لصلاة التراويح أحس بألم في جسمه، حيث كان رحمه الله يعاني من مرض السكري ، فاضطر للذهاب إلى مقر إقامته ، وهناك عاوده الألم ونقل إلى المستشفى وفاضت الروح الطاهرةإلى بارئها، في24 رمضان المبارك عام1423هـ الموافق 29نوفمبر 2002م
وصلي عليه في المسجد النبوي الشريف، ودفن في البقيع رحمه الله رحمة واسعة وجمعنا به في مستقر رحمته .
هذا ولايسعني إلا أن أشكر كل من الأخ الشيخ بشير مركاب الذي كان صاحب الفكرة في كتابة ترجمة عن الشيخ ، كما اشكر الاستاذ أبو هيثم عثمان إدريس على تعاونه، وكذلك الشكر لأسرة الشيخ وأبنائه الذين أمدونا بالكثير من المعلومات، والشكر موصول لشيخنا الشيخ مجد بن أحمد مكي ، الذي عندما عرضت عليه المسودة على استحياء وجدت منه التشجيع والاهتمام وكانت كلماته وتشجيعه لي حافزا قويا لاتمام الموضوع بل والمضي قدما في الترجمة لبقية الدعاة والعلماء من جيل الرواد ، إنشاء الله.  

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013