أقام الإتحاد الإسلامي للطلاب الإرتريين بنادي نقابة المحامين بالخرطوم مساء يوم الاثنين 13/10/2008م أمسية تأبين كبرى بعنوان (وقفة وفاء) حضرتها قيادات الحزب الإسلامي وقيادات المعارضة بالإضافة إلى قيادات سودانية من مختلف الأحزاب.

بدأ الاحتفال بعد صلاة المغرب مباشرة بكلمة رئيس الاتحاد الأستاذ/ عبده منصور، رحب فيها بالحضور وذكر فيها موجزا من مآثر الفقيد وكيف كان أبا روحياً وقدوة تنير للأجيال الطريق، قائلا: إنهم أرادوا من إقامة هذا الاحتفال التأبيني أن يكون وقفة وفاء إكراما لروح الشهيد الذي وهب كل حياته ووقته للشعب الإرتري. ثم عرضت لقطات فيديو ظهر من خلالها الشيخ محمد عبده في عدة أماكن وفي مختلف الأزمنة مرة في ندوات سياسية أو سمنار أوفي حلقات تربوية، ثم في يظهر بزي عسكري وسط المجاهدين، وفي كل تلك اللقطات كانت كلماته صادقة تصل القلوب بدون تكلفة، ثم أعقب ذلك كلمة قوى المعارضة قدمها الأستاذ/ محمد نور أحمد متناولا بطولات الشيخ في فترة التحرير وتحدث عن معرفته الخاصة به وذكر مناصبه التي تقلدها في جبهة التحرير، والأنشطة التي قام بها في تلك الفترة ، وقال عنه إنه إنسان يجبر كل من عرفه أن يحترمه لما يتميز به من خلق رفيعة ونفس أبية، وأنهى حديث بتعازيه للشعب الارتري والحزب الإسلامي نيابة عن كل قوى المعارضة. ثم جاءت كلمة الإخوان المسلمين (التنظيم الدولي) قدمها الأستاذ/ أحمد شيخ حسن القطبي عضو مجلس الشورى للحركة الإسلامية الصومالية (الإصلاح) قدم فيها تعازيه للحزب الإسلامي والشعب الإرتري نيابة عن الأخوان والحركات الإسلامية. ثم جاء دور الشعر حيث قدمت قصيدة بلغة التقري قدمها الشاعر محمد إدريس(قنادلا) رئيس فرقة دبرسالا( الحزب الإسلامي) وصف فيها الشيخ من المهد إلى اللحد مرورا بكل نضالاته في مختلف الأماكن والأزمنة ووصف فيها الشيخ بأنه ماجد، باسم ، محب، محبب، فارس مقدام عظيم النفس والأهداف، وقد أكد في قصيدته بأنه ليس الإنسان وحده الحزين على وفاة الشيخ بل قام بتشخيص وتجسيد كل المدن وكل الأماكن التاريخية وأبداها في حالة حزن وأسى، ورمز للتاريخ بآدال وبليقيات كناية عن إلتصاق الشيخ بتلك الأماكن في كل نضالاته السابقة واللاحقة.

ثم جاءت كلمة أسرة الفقيد قدمها نجله عبد الرحمن محمد إسماعيل، شكر فيها الحضور ذاكرا مآثر الأب الحنون وقال أن أبانا كان نعم الأب في البيت برغم من انشغاله بالعمل العام، إلا إنه كان يعطينا نصيبنا من الحب والتربية والتوجيه، منهيا حديثه بالدعاء له : اللهم إنا راضون عنه فأرضى عنه!!

وكانت مسك الختام كلمة الأمين العام للحزب الإسلامي والذي رحب بالضيوف واصفا الشيخ الشهيد بالجسور ومجاهد صبور، وقال لا أستطيع أن أقول عن رجل تحدثت عنه أعماله أكثر منا، وإن ما كتب عنه في المواقع وما قيل في التأبينات التي عمت أرجاء العالم لهو خير من يتحدث عنه، وقال فقدناه ونحن أحوج ما نكون إليه، معاهدا الله أن يعمل للأهداف التي عاش ومات من أجلها فقيد الأمة، شاكراً في نهاية حديثه كل الأحزاب والتنظيمات والمراكز والأفراد التي عزت وشاركت في تأبينات الشيخ الراحل في مختلف البلاد، وقدم شكرا خاصة للمواقع التي واست الشعب الإرتري باهتمامها بكل المواضيع التي نشرت عن وفاة الشيخ.



الحضور:



بالرغم من الأجواء الأمنية الصعبة فإن الحضور كان كبيرا جدا خاصة الرجال من كل الأعمار ولم يكن الحضور من عناصر الحزب الإسلامي فقط ، ولكن كان من كل التنظيمات والأحزاب الارترية والصديقة.

ومن أشهر التنظيمات والمنظمات والمراكز والشخصيات التي حضرت:



· الشيخ الصادق عبد الماجد المرشد العام للإخوان المسلمين بالسودان.

· الحركة الإسلامية الصومالية (الإصلاح).

· جبهة التحرير الإرترية.

· حركة الإصلاح الإسلامي.

· جبهة الإنقاذ الارترية.

· المؤتمر الإسلامي الارتري.

· حزب الشعب الارتري.

· الحزب الديمقراطي الارتري.

· المركز الإرتري للخدمات الإعلامية.

· مركز سويرا لحقوق الإنسان.

· مركز دراسات القرن الإفريقي.

بالإضافة إلى اتحادات طلابية من دول مختلفة.

وقد قرأت برقيات كثيرة من منظمات الحزب في مختلف الأماكن منها برقية شعبة الرياض بالمملكة العربية السعودية اتحاد المرأة، وبرقية الأمين العام للحركة الإسلامية الصومالية. وقد تم توزيع إصدارة (عدد خاص) تضمنت السيرة الذاتية للشيخ محمد إسماعيل عبده كتبها صديق حياته القيادي بالحزب الإسلامي الأستاذ/ حامد تركي وصور تذكارية للفقيد من مختلف فترات نضاله، بالإضافة إلى كل المقالات التي نشرت في المواقع الإلكترونية.

حقا إنها كانت وقفة وفاء على فقيد الأمة وجزئ بسيط من رد الجميل، ومن ذا الذي يبخل بأمسية عزاء أو دمعة وداع، على رجل أعطى كل حياته لشعبه ووطنه.




بالأمس رحل عنا أخ عزيز وشيخ مربي ومناضل جسور ومجاهد صبور ، في ثاني أيام عيد الفطر المبارك من شوال 1429هـ الموافق الأول من أكتوبر 2008م ، الفقير إلى رحمة مولاهـ ، الشيخ محمد اسماعيل عبده ، بعد أن صلى الصبح وعطر أذكاره ، وأغمض عينيه عن دنيانا الفانية ، وودع محرابه وأهله وإخوانه إلى الدار الباقية ، وجنة الخلد عرضها السموات والأرض ، ونحسبه كذلك ، ولانزكي علي الله أحد . ( وكل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) . ولا حول ولا قوة إلا بالله .( وإنا لله وإنا إليه راجعون ).

1- جذور الأسرة الكريمة:-

1/1 - ان شيخنا الراحل هو : محمد بن إسماعيل بن عبده بن علي بن عمر بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الصمد بن عبد الله الصنعاني ( المشهور ب عبد الله صنعا) ، مؤسس مدينة صنعفي والمسماة باسمه في إقليم أكلي قوزاي جنوب شرق ارتريا . حيث قدم الجد السابع الشريف عبد الله صنعا إلي ارتريا ، في القرن الرابع عشر الميلادي في العام 1396م ، وأسس مدينة صنعفي ، وقامت زعامتها الإدارية والدينية علي أيدي أحفاده الميامين . وقد تمت مصادرة ممتلكات أسرة عبد الله صنعا في اليمن في مطلع القرن العشرين من قبل الإمام الحاكم لأسرة حميد الدين .

1/2- وإذا كان بيت الأسرة الكريمة ومنبتها العريق هو بيت زعامة ودين وعلم ، فلا غرابة أن نجد أن رجالها الأفاضل كانوا يحرصون علي طلب العلم وتحصيله خارج ارتريا في اليمن والحجاز ، وتحملوا في سبيل ذلك الصعاب والمخاطر . وكان ديدن الأسرة حفظ الدين وتعليمه والإصلاح ببين الناس وحل النزاعات وإنهاء الخصومات ، إلى جانب مواجهة المتفلتين من العتاة ولو كانوا من ذوي القرابة والعشيرة .

وشيخنا الراحل المقيم هو من ذاك المنبت الطيب والتاريخ الشامخ والسلوك المستقيم ، فجده القريب الشيخ عبده قد حرص علي أن يتزوج بذات دين وصلاح بدلا من بنات عمومته الشريفات الجميلات ، فآثر أن يتزوج بفتاة حبشية سوداء عرفت بالدين والصلاح والتقوى واسمها (حمده) ولقبت (عبده) لسواد بشرتها، حيث أنجبت له (إسماعيل ) الذي اغترب إلي اليمن في ريعان شبابه لتحصيل العلوم الشرعية ، وبعد عودته أصبح ناشراً للدين ومصلحاً اجتماعيا للمسلمين في أكلي قوزاي .

ووالدة الشيخ إسماعيل السيدة (حمده) مشهور لها بالتقوى والصلاح والكرامات الباهرة ، وعندما هاجم الغزاة الإثيوبيون إقليم أكلي قوزاي وأخذوها أسيرة مع طفلها ( إسماعيل) إلى داخل عمق الأراضي الإثيوبية سخروها لخدمة إعداد طعام المحاربين الإثيوبيين نهاراً ، واحتجازها ليلاً ، في حظيرة شوكية مع طفلها ، فظلت على ذلك فترة طويلة ، ولا تملك لنفسها أية حيلة غير التضرع واللجؤ إلى الله السميع العليم .

1/3- وذات ليلة انفتح باب الحظيرة وسمعت ( حمده) صوتاً يناديها : حمده ، حمده قومي وانهضي واذهبي خلفي ، فرأت مخلوقاً في صورة أسد وشعرت بفرح وسرور يغمر قلبها فاطمأنت إليه وأخذت طفلها وسارت خلفه طوال الليل باتجاه أكلي قوزاي ، وعند بزوغ الفجر انعطف بها الأسد إلى إحدى الغابات أو الكهوف ثم اختفى عنها ، وفهمت من ذلك حمده أن الشمس ستشرق والأعداء سيتحركون للقبض عليها ، وعليها أن تختفي في الغابة أو الكهف . وعند المساء مع الغيب ظهر لها الأسد من جديد وتحرك سيراً باتجاه العودة إلى أكلي قوزاي ، وتابعته حمده مع طفلها طوال الليل حتى اقتراب الفجر وبزوغ الشمس . وتكرر نفس المشهد ، حيث انعطف بها الأسد إلى الغابة ثم اختفى واعتادت حمده هذا المشهد وألفته . وكانت تقتات مما تجده من ثمار الأشجار ولازمها الشبع طوال رحلتها . وحين أقترب الموكب المبارك ذات صباح من قرية صنعفي وشاهدت حمده معالمها اختفى الأسد عنها ، واندفعت (حمده) إلى قريتها وفرح الناس بمقدمها وعجبوا لحكايتها ، وازدادوا إيماناً بقربها من الله وصلاحها وتقواها .

وهذه القصة ليست خرافية أو متوهمة - كما سيعتقد البعض عند سماعها – وليس هناك ما يمنع من صحة وقوعها ، ونحن المسلمين وكل المؤمنين برسالات السماء نقر بوجود كرامات لعباد الله الصالحين .

وواقع الحال للسيدة (حمده) ، وزواج الشيخ عبده منها من دون بنات عمومته الجميلات ، وبدافع دينها وصلاحها وتقواها ، كل ذلك يشهد على صحة حادثة الأسد مع (حمده) فلله في خلقه شؤون .

وإذا كان عرف الشيخ إسماعيل عبده بالدين والورع والكرم عند مواطني صنعفي وأكلي قوزي ، فإن ما وجدناه من تواضع ودين وكرم وتفانٍ في خدمة المواطنين من قبل الشيخ محمد إسماعيل عبده ، إنما هو من نفحات تلك الأصول الكريمة والجذور الطيبة التي اشرنا إليها رجالاً ونساءً .

2- رحلة العلم والنضال للشيخ محمد اسماعيل عبده :-

2/1- بعد أن تتلمذ اليافع محمد يسن ( ومسمى يسن كان لقبه داخل الأسرة الكريمة ) ، علي يد والده الشيخ إسماعيل عبده في علوم القرآن وفقه العبادات ، درس التعليم الابتدائي والمتوسط في ارتريا . ونظراً لتعلق الأسرة بعلوم الإسلام والعربية فقد وافق الشيخ إسماعيل علي سفر ابنه محمد إسماعيل إلى مصر لتكملة تعليمه . وبالفعل وصل إليها بعد رحلة شاقه ، والتحق برواق الجبرته الذي كان مقراً وسكناً ملحقاً بجامع الأزهر الشريف ، وكان الرواق يستقبل طلبة العلم القادمين من ارتريا وإثيوبيا والصومال ويستضيفهم القائمون عليه حتى إتمام إجراءات الالتحاق بالمعاهد الدينية أو المدارس الأكاديمية في مصر .

وبعد أن أدى الطالب محمد إسماعيل عبده امتحانات الكفاءة والمعادلة في وقت وجيز انتقل إلي المدارس لدراسة العلوم التجارية ، حتى نال شهادة البكالوريا في المحاسبة وعلوم التجارة بتفوق وامتياز .

2/2- وعرف عن الطالب محمد إسماعيل عبده أثناء وجوده في القاهرة ، انه كان طالبا نجيباً في ذاته ، وحريصاً علي مساعدة إخوانه الارتريين ، بتعليمهم العلوم المدرسية ومراجعتها وتلخيصها لهم بخطه الجميل . كما عرف عنه مشاركته في تأسيس طلبة ارتريا بالقاهرة والمشاركة في قيادة اتحاد الطلاب الارتريين وإدارته لأنشطته المختلفة ، إلي جانب إسهامه في حل الخصومات والتنا حرات بين إخوانه الارتريين .. حتى كاد ذات مرة أن يفقد حياته علي يد أحد سفهائهم ومتهوريهم ، حيث بادر الطالب محمد إسماعيل ذات مرة متدخلاً لفض اشتباك وعراك وقع بين متخاصمين ، فاشطاط أحدهما - وكان أشد سفهاً واعتداءً - غضباً وغيظاً علي محمد اسماعيل ، فاستل سكيناً وطعن بها ظهره حتى نفذت إلى جوفه ، فسقط متدرجاً في دمائه ومتدثراً في غيبوبة طويلة ، وحمل إلى المستشفى ليمكث فيه فترة طويلة للعلاج ، حتى كتب الله له الشفاء والحياة والنشاط من جديد.

وظل أثر الجرح الغائر علامة بارزة علي ظهره حتى انتقل إلى آخرته ، فرحم الله الشيخ كم كان عرضة للابتلاءات في حياته ! ولكن كانت المفاجئة أمام الجميع ، في أروقة تحقيقات البوليس ومحاكم الجريمة ، حين تقدم الطالب محمد إسماعيل عبده بالعفو الشامل عن أخيه المجرم ومتنازلاً عن كافة حقوقه إزاءه ، فيا له من خلق رفيع ونفس شامخة !

2/3 – وحين وصلت رسالة من الشيخ اسماعيل عبده يستدعي فيها ابنه محمد اسماعيل لمشاهدته قبل رحيله عن الدنيا ، لمرضه وشعوره بدنو أجله ، بادر الطالب محمد اسماعيل بتجهيز نفسه للعودة إلى ارتريا ، قاطعاً آماله وتطلعاته في مواصلة تعليمه لنيل الشهادة العليا من الجامعات المصرية وهكذا عاد الطالب محمد اسماعيل عبده لبدء حياة جديدة ، بكل ما تكتنزه من آمال وآلام ومنعطفات لا يدرك مداها إلا التشبث بالايمان العميق بالله والرضى بأقداره الحكيمة .

وبعد عودة الطالب محمد اسماعيل عبده الي الوطن العزيز وإحتفائه بمشاهدة والده المريض وإعتنائه به وببقية أفراد اسرته ، كان عليه أن يحقق رغبة والده ورغبة صديق والده الحميم الزعيم علي بك أحد الرموز البارزة لعشائر الساهو .. وكانت رغبة الصديقين تتلخص في ضرورة اقتران الشاب محمد اسماعيل بالفتاة النجيبة فاطمة محمد سعيد حفيدة علي بك .

وبالفعل تحققت الامنية للصديقين وتمت الخطوبة ، ولم يلبث الشيخ اسماعيل بعد ذلك طويلاً ، حيث انتقل ذات صباح الي ربه ، بعد أن صلى الصبح وردد أذكاره .. وترك وراءه حياة حافلة بذكريات عطرة عن تعليمه وارشاده لأهله وعموم مواطنى المنطقة .. وكذلك مات الشيخ ابونوال ذات صباح بعد أن صلى الصبح وأدى الأذكار ، فهما ذرية بعضها من بعض في التقوى والصلاح بإذن الله.