الجمعة، 15 أبريل 2011

رحيق المنابر (7) : لذة العبادة

لذة العبادة

بسم الله الرحمن الرحيم                                
الحمد لله والصلاة والسلام علي اشرف خلق الله سيدنا محمد إبن عبد الله وعلي آله وصحبه ومن ولاه .                          أما بعد :
قال الله تعالي في سورة الرعد : ( والله يسجد من في السموات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدوِ والآصال ) فسبحانه قاهر الجبابرة له العظمة والكبرياء دان له كل شيئ وخضعت له كل المخلوقات ، يسجد له كل شيئ طوعا من المؤمنين ، وكرها من الكافرين ، كل من أدرك عظمة الله خشعت جوارحه وغاص في بحور الحب قلبه وابدي ضعفه وتبرأ من كل حول وطول إلا حول الله وقوته  ولذالك كان رسول الله صلي الله عليه وسلم اشد الناس حبا لله لأنه أعرف الناس بجلال الله وعظمته ، فمن اقوي من الله ؟ ومن أولي بالحب والتعظيم غير المنعم المتفضل سبحانه جل جلاله؟
خطبة اليوم هي مواصلة للخطبة الماضية التي تعرضنا فيها لشروط العبادة ، واليوم نتناول ( لذة العبادة ) إذن الخطبة ليست للذين إستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، وإن كان أولئك أولى بالنصيحة، وهي كذالك ليست للمقصرين الذين أهملوا عباداتهم وتهاونوا فيها وضيعوها ، ولكن الخطبة اليوم للأخت القانتة العابدة المصلية وللأخ المصلي العابد المجتهد ، لماذا الكلمة لهم وهم في خير ؟ هذا صحيح ولكن المصيبة حتي هؤلاء يشكون من قسوة القلب وجفاف الروح ، فلا يجدون راحة اثناء صلاتهم ولا لذة بعدها ولا سكينة في القلب ولا راحة في الضمير ولا سعادة في النفس ، مع أنهم يتعاطون البلسم الشافي والدواء الكافي ، والأسباب عديدة ومنها الإخلال بشروط العبادة التي تناولناها في الخطبة الماضية ومنها أمور سوف نستعرضها اليوم أنشاء الله .
علي الخبير وقعنا .
 قال الإمام أحمد إبن حرب رحمه الله : عبدت الله خمسين سنة فما وجدت حلاوة العبادة حتي  تركت ثلاثة أشياء :
* تركت رضي الناس حتي قدرت أن أتكلم بالحق .
* وتركت صحبة الفاسقين حتي وجدت صحبة الصالحين .
* وتركت حلاوة الدنيا وزخارفها والتهافت فيها  حتي وجدت حلاوة الآخرة .
البشرية كلها تبحث عن راحة القلب وسعادة النفس ، فاين سوقها ؟
^ سوقها في جلسة هادئة خاشعة يتلى فيها كتاب الله مع التدبر والتأمل والإعتبار ، مع الثناء والمدح لله سبحانه وتعالى مع الإستغفار من الذنوب والتوبة من السيئات ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ).
..... التأثير الفاعل في روح العبادة لا في حركاتها ، ما فائدة حركات والقلب لا ه غافل ، قلوب العباد خاشعة مخبتة حاضرة متأثرة .                                                      الإستعداد للعبادة : فهذا الحبيب تقول عنه عائشة: كان يحدثنا ونحدثه ويمازحنا ونمازحه فإذا جاء وقت الصلاة كأن لم يعرفنا ونعرفه .
قال سعيد إبن المسيب : ما دخل علي وقت الصلاة إلا وقد أخذت أهبتها .
قال ربيعة إبن يزيد: ما اذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضا أو مسافرا. وإن أنسى لا أنسى الأ ستاذ / علي حسن آدم ازوز ( فك الله اسره )كنا مرة نسافر من حاضرة الى بادية  وقد تأخرت بنا الحافلة حتي كاد وقت المغرب يمضي وكان الأستاذ في قمة الضيق وكأن مصيبة وقعت في أهله، وبعدما نزلنا من الحافلة لم يلتفت الينا بل بدأ يركد الي المنزل كأنه رجل إسعاف ، للأسف هو وأمثاله من – الأخيار- ما زالوا يرزحون في سجون الجبهة الشعبية منذوا سنين طويلة  لا يدري عنهم أحد !!!!!!!!! ولن يستقيم حال البلد وخيار أبنائه في المعتقلات والسجون والمنافي .
كانوا يبعدون كل ما يشوش القلب أثناء الصلاة ولذالك من السنة أن تقضي حاجتك قبل الدخول في الصلاة طعاما كان أو غيره ، وإذا كان الشيئ الشاغل أمامك تزيله عنك مثل ما فعل النبي عليه الصلاة والسلام ( عندما كان يصلي مرة راي أمامه – خميصة – ثوب له أعلام فقال: ( ألهتني آنفا عن صلاتي ).
قال قتادة : كان هرم إبن حيان يقول : ما أقبل عبد بقلبه الي الله ، إلا اقبل الله بقلوب المؤمنين اليه ، حتي يرزقه ودهم .
قال إبن المبارك : قيل لوهيب هل يجد العبادة من يعصي الله ؟ قال: ولا من يهم بالمعصية .
لما نزل الموت بالعابد الزاهد ( عبد الله إبن إدريس ) وإشتد عليه الكرب فاخذ يشهق ، بكت إبنته فقال لها : لا تبكي يا بنيتي فقد ختمت القرآن في هذا البيت أربعة آلاف ختمة كلها لأجل هذا المصرع .
أما عامر إبن عبد الله إبن الزبير فلقد كان علي فراش الموت يعد أنفاس الحياة وأهله حوله يبكون ونفسه تحشرج في حلقه وقد إشتد نزعه وعظم كربه فسمع النداء للصلاة فقال لمن حوله أحملوني الي المسجد:  فذهل الناس وقالوا له علي هذه الحال: قال نعم : اسمع منادي الصلاة ولا أجيبه – سبحان الله – ؟ خذوا بيدي فحملوه بين رجلين فصلى ركعة مع الإمام ثم مات في سجوده .
والشيخ عبد الحميد كشك الذي كان يسأل الله دائما أن يقبض الله روحه وهو ساجد ، ذكرت زوجته في صبيحة يوم الجمعة دخل كعادته الي الحمام واغتسل وتطيب وخرج مسرعا يقول أين السجاد ؟ قالت زوجته  فناولته إياها: فبدا يتنفل فإذا به تقبض روحه وهوساجد .
كيف أستطيع أن أحصل علي اللذة ؟
1- مجاهدة النفس : تعب البدايات وراحة النهايات ، قال ثابت البناني : كابدت الصلاة عشرين سنة وتمتعت بها عشرين سنة .
وقال بعضهم : سقت نفسي الي الله وهي تبكي وتشتكي وتتعلل فمازلت بها حتى انساقت اليه وهي تضحك . والأمر كما قال الله تعالي: ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين )
2- الإكثار من فعل الخيرات والنوافل والإستغفار . وما يزال عبدي يتقرب الي بالنوافل حتي احبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به .......الخ.
3- صحبة المجتهدين وترك البطالين .قال جعفر إبن سليمان :كنت إذا وجدت في قلبي قسوة غدوت فنظرت الي محمد إبن واسع كأنه وجه ثكلي ( وهي التي مات ولدها ) .
وقال عمر إبن ميمون إبن مهران : طلب مني أبي أن أصحبه الي الحسن البصري ، فلما طرقنا عليه الباب خرجت علينا جارية فقالت من ؟ فقال أبي ميمون إبن مهران ، فقالت كاتب أمير المؤمنين عمر إبن عبد العزيز قال نعم : قالت ما أبقاك الي هذا الزمان السوء؟ فبكي رحمه الله ، فلما دخلنا عليه قال يا حسن استكن لي قلبي : فقرأ عليه قول الله تعالي ( أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغني عنهم ما كانوا يمتعون ) قال فأغمي عليه وجعل يرفث كالشاة المذبوحة فلما افاق ذهبنا فقلت له يا ابي هذا هو الحسن مازاد إلا أن قرأ لك آية من كتاب الله : فوكزني ثم قال: والله يا بني لقد قرأ علينا آية لو فقهها قلبك لوجدت فيه كلوما ( أي جرح )  .
وهنا مربط الفرس :  القرآن وتدبره أكبر العبادات وأقوي الأنوار، الشفاء والدواء والغذاء والنور والهدي كتاب مبارك أنزله الله لنتدبره ونعمل به فهو دستور حياتنا وشفاء أسقامنا وعلاج أمراضنا فنحن به كل شيئ ومن غيره لا شيئ ، كان الصحابي يسنع الآية فيخشي قلبه ويقشعر بدنه وتدمع عينه وتقوي طاقته وتسموا روحه وتطيب نفسه ، فأين نحن من كتاب الله ؟ وصدق الله العظيم ( وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) ، فلا راحة ولا سلامة ولا طمأنينة لهذه البشرية المعذبة الا بالرجوع الي كتاب الله ، فإلى القرآن يا أمة القرآن ففيه الخير والهدي والسعادة في الدنيا والآخرة   .
الجدار الفولاذي بين السعادة والقلب .
4- الذنوب في القلوب أقوي من الجدار الفولاذي الذي يبنى علي مشارف غزة ( أعزها الله ونصرها ) فكم من نظرة فتكت بالقلب! وكم من شهوة اورثت ذلا! وكم من ذنب ضيع رزقا! وكم من معصية حرمت قيام الليل! وكم من شهوات كانت قيود عن طاعة الله! فهي حجاب تطمس البصيرة وتذهب نضرة الوجوه ونور القلوب وبهاء الروح ،وأعظم عقوبات الذنوب حرمان لذة الطاعة ، قال بعض أحبار بني اسرائيل: يا رب كم عصيتك ولا تعاقبني ؟ فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري اليس قد حرمتك حلاة مناجاتي .
وأخيرا الدعاء الدعاء : فهو الشفيع الذي لا يرد فأرفع اكف الضراعة وتذلل وازرف دموع  الأشواق والندم وتعلق بالذي لا يخيب مؤمله ولا يرد سائله ، أن يمن عليك بلذة العبادة .
فقد قال العبَاد : مساكين أهل الدنيا  خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها ، قيل وما أطيب ما فيها ؟ قالو محبة الله ومعرفته وذكره :
وقال بعضهم بعدما تذوق لذة العبادة لويعلم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف .
وكان إبن تيمية- رحمه الله – يكثر من ذكر الله تعالي فيجد في قلبه سعادة غامرة وفرحة مبهجة فيقول: ( إن في الدنيا لجنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة) .
وكان الداراني يتعبد حتي يجد النشوة في قلبه فيقول : إن أهل الليل في ليلهم الذ من أهل اللهو في لهوهم وإنه لتأتي علي القلب أوقات يرقص فيها طربا من ذكر الله فاقول : لو أن أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب .
إخواني وأخواتي في الله أكتفي بهذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات إنه غفور رحيم .
   وبارك الله في كل من يتواصل معي ، والى لقاء قادم إنشاء الله . 

هناك تعليق واحد :

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013