السبت، 26 نوفمبر 2011

من وحي الحرمين



نبذة عن حياة الشاعر محمد مصطفى حمام

واحد من الشخصيات النادرة التى ظهرت فى الساحة الأدبية المصرية فى أوائل القرن الماضى، فهو من مواليد 18 أغسطس 1906 وتوفى فى 23 مارس 1964، ولقد كان الكاتب الكبير عباس محمود العقاد يستدنيه من مجلسه ويقول: هذا كتاب من الشعر والأدب والفكاهة والفن، لا يجد الناس منه إلا نسخة واحدة.

وقد قال عنه العوضى الوكيل: الندوة التى يحضرها حمام يملأ زمنها كله، ولا يكاد يترك لغيره فرصة للحديث، والناس يعجبون لرجل يروى الأشعار لكل شاعر ومن كل عصر، والطُرَف والنوادر والفكاهات من كل زمان ومن كل مكان، ويتحدث فى النحو فإذا هو سيد الموقف، يجلو دقائقه ويحقق حقائقه، وإذا انتقل الحديث إلى القرآن والحديث كان حاضر الجواب جميل الخطاب، مع أنه لم يدخل الأزهر ولم يختلف إلى مدرسة من مدارس الدين.

فقد بدأ حمام تعليمه فى مدرسة فارسكور الابتدائية، وتروى ابنته عزيزة أن السلطان حسين كامل قد زار فارسكور وألقى حمام قصيدة ترحيب به أثناء زيارته للمدرسة، وكان فى ذلك الوقت تلميذا بالصف الثالث الابتدائى، فأهداه ساعة ذهبية فاخرة نُقِشَ عليها الإهداء وتاريخه، وتولى السلطان حسين كامل الإنفاق عليه فى مراحل التعليم، واستمر الأمر كذلك فى عهد فؤاد الأول حتى قامت ثورة 1919، وقد كان الأزهريون يحملون حمام على أيديهم ليهتف لهم، فحرمه السلطان من الرعاية،لكن حمام قد تمسك بمساندة الثورة وبدأ العمل بالصحافة والأدب وهو فى سن الثالثة عشرة لينفق على نفسه.

وقد حصل حمام فى نهاية المطاف على شهادة البكالوريا، واستطاع أن يحصل بها على وظيفة وفرت له قدرا يسيرا من الرزق الذى كان راضيا قانعا به على الرغم من بؤسه وشقائه.

ويَرْوِى حمام أنه قد احتاج إلى خمسة جنيهات، فأخذ يطوف بالأصدقاء والأدباء يوما كاملا حتى تمكن من اقتراضها، وحين مضى بها ذاهبا إلى بيته أمسك بها بين يديه وهو يعبر كوبرى قصر النيل فأطارتها الريح من يده إلى النهر، ووقف حمام ينظر مبهوتا وحوله طائفة من الناس تتأمل هذا المشهد العجيب.

وقد كان حمام صاحب موهبة شعرية خاصة، ويمكن أن تقول إن شعره كله يدخل فى دائرة الارتجال، لأن القصيدة الطويلة كانت لا تأخذ كتابتها منه أكثر من ساعة واحدة من الزمن، ثم تبقى لديه كما هى دون تعديل أو تبديل إلا النزر اليسير النادر.
والإسلاميات لها نصيب كبير من شعر حمام، وسوف نعرض هذه القصيده من وحى الحرمين



آنست نور الله جل جلاله
ومشيت حيث مشى النبى وآله

وبلغت أحسن ما تمنى مسلم
وأعز ما يسمو اليه خياله

مكنت من حظى فليس بشاغلى
ادباره عنى و لا اقباله

من يختتم سفر الحياة برجعة
لله طاب ختامه ومآله

فضل من الرحمن كرمنى به
وهو الذى لم تجفنى أفضاله

ما زال ظل الله معتصمى ويا
ويلى اذا امتنعت على ظلاله

يارب جاء اليك يسألك الهدى
عبد له اوزاره وضلاله

قد خال آفاق الحجاز تضيق عن
آثامه وبها تنوء جباله

عبر البحار الى حماك ودمعه
آماله أو دمعه أوجاله

وخطا بأرضك ذاهلا وكأنما
طفقت تطارد خطوه أعماله

حتى اذا البيت المحرم ضمه
قرت بلابله وأصلح باله

يارب قد بلغتنى أملى ومن
آواه بيتك لم تخب آماله

أنزلت فى القلب اللهيف سكينة
لا روعه باق ولا زلزاله

و أنلتنى شرف الطواف وعزه
سبحان ربى لا يغيض نواله

وشفيت شوقى للحطيم وزمزم
والشوق طال على الفؤاد مطاله

ولقد عببت زلال زمزم غاسلا
قلبى به . نعم الغسول زلاله

قد حرم الرى الحرام على دمى
وجرى بزمزم فى الدماء حلاله

ومقام ابراهيم قد جاورته
وله سناه وقدره وجلاله

وسعدت بالحجر الكريم مقبلا
ومجال ازجاء الدعاء مجاله

وطربت للتسبيح من طير الحمى
وهدلت لما شاقنى هداله

هذا الحمى قد كنت بعض حمامه
ولكل شاد فى الورى أمثاله

أنس الحمام الى حتى خلته
لى من كرام الآل أو انا آله

لى شدوه . لى أمنه . ولى اسمه
ان لم يكن لى رسمه وجماله

وخرجت من نسك الى نسك كما
يهفو لاعذب مورد نهاله

وصحبت موج المحرمين وكلهم
فرح وسربال التقى سرباله

بين الصفا والمروة انبعثوا وهم
عرس يزف نساؤه ورجاله

نشطوا فما ناء المسن بسنه
وقووا فما أعيا الهزيل هزاله

هان الزحام عليهمو فى نسكهم
لا حره يشكى ولا أهواله

الله ربى وهو أرحم راحم
تغنى الحجيج عن الظلال ظلاله

ووقفت فى عرفات اذكر وقفة
هى موثق الاسلام وهى كماله

هى وقفة للمصطفى أرست بها
ركن الحنيف يمينه وشماله

زكى وعلم ثم ودع قومه
وعن الاله ووحيه أقواله

صدق الوداع ,ففارق الدنيا الى
أهل السماء فأحسن استقباله

ما بين أضياف السماء نظيره
ما فى كواكبها الحسان مثاله

ثم ازدلفت الى( منى) والكون يملؤه
السنا والعيد هل هلاله

ونحرت والجمع العظيم مكبر
ودم الذبائح قد جرى سلساله

ورميت بالجمرات ابليس الذى
هو لابن ادم خسره وخباله

وأفضت للبيت العتيق تباركت
أصباحه وتقدست آصاله

ثم اتجهت لطيبة . طوبى لمن
شدت لمثوِ ى النبى رحاله

ولقد مررت بآل بدر خاشعا
من ذا يفوز بحظهم ويناله

قد عز عند الله , منصبهم فهم
عمال دين الله أو أبطاله

وصدحت فى حرم الرسول مؤذنا
والشعر أطلق بالمديح عقاله

فكأننى فى مدحه حسانه
وكأنما أنا فى الاذان بلاله

ووقفت بالصديق جل جهاده
وأعز بأس المسلمين نضاله

وصفا لفخر المرسلين وداده
وزكت لدى الله العلى خلاله

وهتفت بالفاروق يا من نهجه
عدل ومنوال الهدى منواله

من علم الاقيال خشيته ومن
كسرت نصال المشركين نصاله

وذكرت عمار البقيع وكل من
وصلت بأسباب النبى حباله

ان الذين ذكرت , آل محمد
أزواجه ,أبناؤه أنساله

أصهاره , اصحابه انصاره
والضاربون بسيفه, ورجاله

ما بين مكة والمدينة موسم
لله , قد حفلت بنا أحفاله

على قضيت حقوقه عندى فلا
تركت فرائضه ولا أنفاله

عل المتاب قد ارتضاه البارئ
المتكبر الحى الشديد محاله

وأعاذ حجى من رجيم , همه
افساد ما قدمت أو ابطاله

على من الفرق السعيد و لست
من فرق شقى أحبطت أعماله

يا من يحب التائبين دعاك من
صدق المتاب فهل يجاب سؤاله؟

المسلمون ودينهم فى محنة
لم يخف حالهمو عليك وحاله

وأراهمو متفرقين كأنهم
جسم سوى مزقت اوصاله

وأراهمو قد مكنوا لعدوهم
فتملكت أعناقهم أغلاله

صال العدو عليهمو متجبرا
واشتد فيهم بطشه ونكاله

واخال منهم من يخون عهوده
ومن الخيانة جاهه أو ماله

واخال من فساقهم من غره
امهال رب العرش لا اهماله

واخال منهم من يتوب لعلة
فاذا انقضت غلب المتاب ضلاله

يارب ألزمنا صراطك
تنصرف عنا مآسى يومنا ووباله

يا من ينير الروح باهر نوره
ويزف ألوان الجمال جماله

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013