الجمعة، 15 أبريل 2011

رحيق المنابر (4) : الأم

الأم

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله  حمدا يليق بجلاله وعظمته وكبريائه ، ونصلي ونسلم علي  أشرف خلقه سيدنا محمد إبن عبد الله وآله وصحبه ومن إتبع هداه .
خطبتنا اليوم حول جندية مخلصة وحارسة أمينة قمطها الناس حقها وهم منها وقصروا فيها وهو لايستغنون عنها ، تسهر الليل والنهار من غير إنتظار أي مقابل ولا طلب شكر او ثناء أحد ، إنها ( الأم )  التي كرمها الإسلام وحفظ لها حقوقها وقدر تعبها وعنائها وكبدها ، تصور يا عبد الله أن أمك حملتك في بطنها تسعة أشهر ، إنسان يحمل في بطنه إنسان !!! لو أن رجلا أمر بحمل إبنه في عاتقه يوما كاملا من غير أن يضعه في الأرض لقرر التخلص منه ولوئده ورماه عن عاتقه في قارعة الطريق ، لكنها الأم مصدر الخير وينبوع الحنان  تحمله في بطنها ثم في حجرها وتظل ترعاه حتي لو بلغ من الكبر عتيا .
جاء رجل الي النبي عليه الصلاة والسلام وقال له :( من أحق الناس بحسن صحابتي؟  قال أمك قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من ؟ قال: أبوك)
فأثبت لها النبي عليه الصلاة والسلام حقا زائدا لها في حسن المعاملة وبذل المعروف صحيح طاعة الأب واجبة لكن الإهتمام الزائد والأولوية الملحة لها ، وما سميت الأم اما الا لأنها تؤم بيتها  ( أي تقوده )و أم القوم سيدهم وأم الكتاب الفاتحة وسمي الأمام الشافعي كتابه ( بكتاب الأم )لإحتوائه علي أمهات المسائل، ولست اتكلم اليوم عن حقوقها ولا مكانتها في الإسلام، وإنشاء الله أعد أخواتي الفضليات أن يكون لنا مع ذالك وقفات ووقفات ، لكن موضوعنا اليوم مقصور فقط في ( واجبها الذي لا يستطيع أحد غيرها القيام به )
والأمهات تجاه هذا الواجب نماذج و أنواع :
*النوذج الأول : أم مثالية تقوم برسالتها( تربية أبنائها ) تسهر الليل والنهار، أول من يقوم وآخر من ينام تعد الطعام وهي آخر من يتذوقه تشقي لراحة غيرها ‘ إذا تنفس الصبح تجدها أعدت لأبنائها وزوجها طعامهم وملا بسهم وكل ما يحتاجون اليه وتودعهم بكل حب وحنان وبسمة كأنها قطعة قمر في رابعة السماء ، وإذا عاد أفراد الأسرة في المساء كفكفوا عناء التعب في قصر الأم العطوف و كأنهم عادوا من صحراء المتاعب الي دوحة غناء ملؤها الفل والياسمين وطلاؤها اجمل الكلمات وأعذب الألحان وضياؤها بسمات الأم الحنون والزوجة العطوف كل شيئ مرتب ومنظم، الأشياء وأوقات الطعام وساعات المذاكرة ولحظات الإستجمام وراحة الزوج ومستلزماته كل شيئ في وقته وزمانه، لا تطلب لنفسها شيئ وإن كان من حقها ذالك ،وتخفي تعبها ولها التلويح به إن ارادت، يقول عنها صلي الله عليه وسلم: ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ) ، أنظروا رحمكم الله  الي كلام الأم كيف تنظر الي أبنائها،  قالت امرأة : يا رسول الله , إن أبني هذا , كان : بطني له وعاء, وثديي له سقاء, وحجري له حواء , وان أباه طلقني , وأراد أن ينتزعه مني ! فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم :« أنت أحق به ما لم تنكحي »
تأمل اخي الحبيب وأختي الفاضلة الي هذه الكلمات النيرة من أم كريمة أدركت رسالتها   
بطني  وعاء: ( الحمل الطبيعي المبارك )
ثديي  سقاء   : ( الرضاعة الطبيعية ، ولبن الأم أفضل غذاء للطفل )
حجري  حواء : (إعطاء الحنان وغرس المحبة ، ومن فقدهما أهلك الحرث والنسل )
والأب لا يستطيع أن يحمل طفله في بطنه ولا أن يرضعه من ثديه ولا أن يحتويه في حجره ولو طلب منه ذالك ربما تحمل هذا لسويعات مع شدة المشقة وكثرة الضجر والتأفف .
وقالت خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها للنبي وهي تجادله في شأن زوجهان- وهي واحدة من القصص الرائعة التي تعالج مشاكل البيت المسلم- ومما قالت رضي الله عنها : إن لي صبية صغارًا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا،  تأمل كلامها :
إن ضممتهم إليه ضاعوا : فهي تعرف مسئوليتها وتعتبر تخليها عن أبنائها ضياع لهم فهي المحضن الآمن والحضن الدافئ.
* والنموذج الثاني من الأمهات : ام كل همها جمال جسدها وراحة نفسها وإشباع رغباتها تقف أمام المرآة ساعات وأمام المسلسلات ساعات ومحادثة الهاتف ساعات تضيع سحابة نهارها بين النظر في جمال الجسد  ودهشة المسلسلات ونجوي القيل والقال أما الأبناء فهم آخر إهتماماتها لا يهمها إن نجحوا في المدارس أو حفظوا القرآن، إن غابوا عن البيت لا تسألهم أين كانوا؟ ولا لماذا تأخروا ؟  
والمشكلة عند هذه الأم انها قدمت إستقالتها تماما عن واجب التربية وجعلت كل همها مناكفة زوجها إن أخطأ الأبناء قالت للزوج أنظر أبناؤك ما ذا يفعلون ؟ وإذا لم ينجحوا قالت له هذا بسبب تقصيرك - يحكي أن رجلا في بلادنا كان يرعي الأغنام في سفوح الجبال وما اشق رعي الأغنام وأنا (المجرب فأسألوني)  ولما يعود كان يعود الي أم عمرويبدوا كان أخلاقها أسوء من خلق الغنم فكان يشكي حاله لله ويقول : يارب  صبر هبني معاليي دبر إمن ومئتايي ديب أم عمر )  وترجمة المثل من (التقري) [اللهم اعطني الصبر نهاري في جبل الحجار ورجوعي الي أم عمر ]     وهو أشبه بالمثل العربي القائل( أطوف ما أطوف ثم آوي الي بيت قعيدته لكاع)- وهو مسكين لا يدري هل يعد الطعام بعد العودة من العمل ام يذاكر للابناء ام يرتاح من عناء التعب أم يبدي الإعجاب بذالك الجسد الذي ظل يتزين طول نهاره ، وانا اقول: أيتها المسكينة انتي غافلة لاهية  ولا شك أنكي مسؤلة أمام الله عز وجل وذالك مصداقا لقول الصادق المصدوق عندما قال: (والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها )  فلو إعتقدتي للحظة أن زوجك سوف يقوم بواجب تربية الأولاد فأنتي واهمة لأن خصائصه ووقته وطاقته لا تسمح له بذالك ، ولن ينفعك الندم عندما يضيع منك الأبناء ويطلقك الزوج وتهدمي بيتك.
*النموذج الثالث من الأمهات : هي أم مخلصة وتقية وحريصة ولكنها لا تملك أدوات التربية ولاهي تحاول تطوير نفسها وكل ما تفعله وتعتبره إنجازا كبيرا جدا هو أن ترسل ابنائها الي المدارس الإسلامية وحلقات تحفيظ القرآن الكريم ( نقول لها جزاك الله خيرا ) ولكن المدارس والحلقات هي مجرد أدوات مساعدة لكن التعليم الحقيقي يتم في البيت بدءا من القدوة الصالحة والتوجيه والإرشاد والتعليم وفاقد الشيئ لا يعطيه .
 أيتها الأم الكريمة إذا لم يقتنع بك إبنك اقتنع بغيرك وعمل بتوجيهاتهم ، كل طفل  وهو في مرحلة التعليم يحتاج الي من يوجهه ويعلمه ولذالك إما أن يجد عندك ما يحتاجه أو يبحث عنه عند غيرك ، وفي [الغرب] عادة يعتمد الطفل في المعلومات الخاصة جدا علي أصدقائه او المدرسة وقد يكون الصديق فاسدا والمدرسة توجيهاتها لا توافق الدين وخاصة البنات ، فالبنت تحتاج اليك أيتها الأم، وأخطر شيئ أن تستغفلك ويتمكن منها الشعور بأنك لن تستطيعين أن تفيديها فهي لا تستطيع سؤال الوالد غالبا ولا تجد ما تبحث عنه عندك، وخاصة قضية المشاعر والأحاسيس والتفهم العميق لمتطلباتها وشعورها ، وهذه هي واحدة من أقوي الأسباب التي تجعل البنت تقع ضحية لنداء عاطفتها وشعورها وأحاسيسها المكبوتة التي لم تستطع الأم إشباعها لها  فعند أول كلمة ثناء وإعجاب  تسمعهامن أي شاب ترتمي بين أحضانه وتظن أنها وجدت جنتها المفقودة التي حرمت منها-  [ وأشكر الأخوات الآتي أرسلن الي يطلبن المزيد من الشرح المدعوم بالأدلة للمواقف النبوية التي سردتها في الخطبة الماضية  وقد فعلت ذالك بتوفيق الله ) -    إذن لا تقولي انا امية ، الأمية هي  التي عطلت ملكاتها ورضيت أن تعيش عالة علي غيرها مع وجود كثرة القنوات التي تعلم فنون التربية سواء كان في النت او التلفاز او المساجد ، المشكلة أنك لم تكلفي نفسك عناء البحث مع أن (طلب العلم) في ديننا فريضة علي كل مسلم ، وأكثر عظماء التاريخ نشؤوا في أحضان  أمهات أميَات من حيث{ القراءة والكتابة} ولكنهن عظيمات من حيث الفهم والقيم والمبادئ والأخلاق ، ولم يعد اليوم  الوقت هو الوقت ولا الزمن هو الزمن  ولا الصراع هو الصراع  حتي نجلس ونكثر الحجج إنه عصر البقاء للأقوي وأدواته البذل والتضحية والعلم .
أيتها الأم أيها اللحن الجميل والنداء المحبب يا اساس البناء ومصدر الخير ومربية الأبطال والحكماء والقادة والساسة ورجال الدعوة والرأي والفكر ، يا أم المناضلين والشهداء ، من رحمك خرج الأنبياء وفي أحضانك ترعرع الفاتحون ومن ثدييك رضع العادلون أنت ام تلك النماذج  الخيرة التي ملأت الأرض عدلا وبذلا وعلما وتضحية وإخلاصا وفداء ا.أنت أم  عمر الفاروق و خالد إبن الوليد وابوعبيدة إبن الجراح و سفيان الثوري و مالك إبن انس وصلاح الدين الايوبي وعائشة الصديقة وأم سلمة المجاهدة العالمة  وابو حامد الغزالي و الخنساء الشاعرة الحصيفة و إبن تيمية و حسن البنا وحامد عواتي وإبن عثيمين و إبراهيم المختار ومحمد علي زرؤوم و محمد إسماعيل عبده و....الخ   وقافلة لا تنتهي من علماء غيروا وجه الدنيا حتي غاصوا في أعماق البحار وأعماق النفوس وصعدوا فوق القمر كلهم ثمرتك أيها الأم .
وصدق شوقي :
الأم مدرسة إذا أعددتها                      أعددت شعبا طيب الأعراق
أيتها الأم : كلمة طيبة تصدر من قلبك المبارك قد تبني إنسانا يترك بسماته علي وجه الكون وغرس حنان من يبنوعك الفياض علي قلب انسان صالح قد يطوي الفساد طيَا .
واليكم نماذج بسيطة من مدرسة السلف الصالح :   
* يقول وكيع بن الجراح: قالت أم سفيان المحدِّث لولدها سفيان: اذهب فاطلب العلم حتى أعولك بمغزلي، فإذا كتبت عشرة أحاديث فانظر هل تجد في نفسك زيادة فاتبعه وإلا فلتتبعني. فذهب فكتب عشرة ثم عشرة ثم عشرة حتي سار أمير المؤمنين في الحديث .
* وهذا حذيفة بن اليمان تسأله أمه: يا بني، ما عهدُك بالنبي  ؟ قال: من ثلاثة أيام، فنالت منه وأنَّبته قائلة: كيف تصبر يا حذيفة عن رؤية نبيك ثلاثة أيام.
فيلزم حذيفة قرظ النبي صلي الله عليه وسلم حتي يصبح صاحب سر رسول الله صلي الله عليه وسلم .
* أسلمت أم سليم وكان أبو انس غائبا فلما رجع رآها تلقِن أنسا الشهادتين وتشير اليه وتقول له : قل لا إله إلا الله، قل أشهد أن محمداً رسول الله، ففعل وهو يتتعتع فيقول لها أبوه: لا تفسدي عليَّ ابني، فتقول: لا أفسده بل اصلحه، فلما كبر أتت به النبي وقالت له: هذا أنس غلامك، فقبَّله النبي . حتي سار خادمه وأحد أعظم رجالات الإسلام العظام .
*والخنساء تعظ أبناءها قبل معركة القادسية تقول لهم: إنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين، وإنكم لابْنُ أبٍ واحد وأم واحدة، ماخنت أباكم، ولا فضحت أخوالكم. فلما أصبحوا باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قُتلوا، ولما بلغها خبرهم ما زادت على أن قالت: الحمد لله الذي شرفنيبقتلهم، وأرجو ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته.
ايها الأخوة والأخوات لو أطلقت العنان لقلمي في ذكر النماذج التي قدمتها الأم للأمم والشعوب لما كفانا سفرا تحمله الجياد وتجري به القطارولكن قليل يوعي خير من كثير ينسي  .
أ رجوا من إخواني وأخواتي أن يمدوني بنماذج حية من واقعنا الأرتري سواء كانت امك التي ربتك أو ام أثمرت لنا نماذج فريدة نساء ورجالا ، فنحن للأسف أفقر شعب في هذا المجال لم نوثق سيرة الأكارم وأهل التضحيات والبذل في مجتمعنا    ( وخاصة الأمهات ) وما أكثرهنَ .
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم . والي خطبة قادمة انشاء الله

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013