الجمعة، 15 أبريل 2011

رحيق المنابر (2) : الحق



بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله والصلاة والسلام علي أشرف خلق الله وعلي آله وصحبه ومن اهتدي بهداه .
تدور خطبتنا اليوم حول موضوع ينبغي أن نعيه وأن نسعي لتطبيقه في أنفسنا وبيوتنا ومؤسساتنا ومجتمعاتنا وهو موضوع [ الحق ]والحق خلاف الباطل وجمعه حقوق وقدقال المناوي:في اللغة هو الثابت الذي لا يسوغ إنكاره. ومناسبة الخطبة هو إحتفال العالم أمس( باليوم العالمي لحقوق الإنسان) ويبدوا أن خطبائنا في المساجد أكثر الناس تذكيرا بالحقوق والحفاظ عليها . فليس مصادفة أن يبتدأ خطباؤنا بتذكير الناس بوحدة أصولهم وأن مبدأ التفاضل بينهم ليس بالذكورة او الأنوثة أو اللون أوالجنس ولكن التفاضل بالتقوي والعمل الصالح  كما قال الله تعالي :  (يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، ثم يختم خطبته مذكرا الناس بصلة أرحامهم والإحسان الي جميع المخلوقات وإقامة مبدأ العدل والإبتعاد عن الفواحش والمنكرات كما قال الله تعالي ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ).
أيها الناس اعلموا أن الله خلقنا لعبادته وقد خلق لنا كل مخلوقاته وسخرها لنا وإستخلفنا في الأرض لنعمرها بالخير فماذا فعلنا فيها ؟ هل هذا الإنسان الذي نفخ فيه من روحه وكرمه علي كثير من خلقه ، عرف قيمة نفسه ؟ وينبغي في الأول حتي نعرف قدرنا وقيمتنا أن نعرف قدرنا وقيمتنا عند خالقنا سبحانه وتعالي ، فأ نظريا عبد الله إكرام الله لك !  
1- خلقنا في أحسن تقويم:قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}                           
 2- نفخ فيه من روحه:قال تعالى: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ}
3- أمر الملائكة بالسجود لأبينا آدم :قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ}
4- علم أبانا آدم الأسماء كلها:قال تعالى: {وَعَلَّمَ ءادَمَ ٱلأسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَـٰئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ e قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ}.
5- جعلنا  خلفاؤه في الأرض:قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلأرْضِ خَلِيفَةً}
6- فضلنا على كثير من المخلوقات:قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءادَمَ وَحَمَلْنَـٰهُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ وَرَزَقْنَـٰهُمْ مّنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}
قال الشوكاني: "أجمل سبحانه هذا الكثير ولم يبين أنواعه، فأفاد ذلك أن بني آدم فضلهم سبحانه على كثير من مخلوقاته... والتأكيد بقوله {تَفْضِيلاً} يدل على عظم هذا التفضيل وأنه بمكان مكين، فعلى بني آدم أن يتلقوه بالشكر ويحذروا من كفرانه.
7- سخر لنا جميع المخلوقات :قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا فِى ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مّنْهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}   ،،،، بل وأنت نائم علي فراشك يستغفر لك حملة العرش ومن حولهم  ( أي يطلبون لك المغفرة ) قال الله تعالي (الذينيحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلمافاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم )  هكذا ينفون النقائص عن الله ويثبتون صفات المدح لله تعالي وهم في قمة الخشوع والتذلل يدعون للمؤمنين وإذا دعا اي مؤمن لأخيه امََنت الملائكة علي دعائه فإذا قلت اللهم اغفر لإخواني عجَت بالدعاء قائلة ( آمين ) كما قال عليه الصلاة والسلام ( إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك : آمين ولك بمثله ) وإذا صلي المؤمن وتشهد لله في صلاته قال : السلام علينا وعلي عباد الله الصالحين يشكر إخوانه في دعائه فتصيب كل مسلم صالح علي وجه الأرض  . ومن هنا قام أساس الدين علي إكرام الإنسان والرقي به والحفاظ علي نفسه ودمه وماله وعرضه ،       
ويكفي كنموذج فقط أن نتعرض اليوم في خطبتنا هذه الي حق واحد وهو (حق الحياة) بإعتباره الحق الأول للإنسان وبه تبدا سائر الحقوق وبإنتهائه تنعدم الحقوق .
* فقد حرم الإسلام سب وشتم الإنسان وإغتيابه والحاق الظن السيئ به والسخرية منه والتجسس عليه .
* حرم حمل السلاح عليه بغير حق وحرم ترويعه وتهديده وتخويفه والتسبب في ايذائه بدنيا ومعنويا .
*حرم علي الإنسان نفسه أن يقدم علي ايذاء بدنه والحاق الضرر به سواء بتعاطي ما يضره من تدخين او تعاطي مخدرات او مسكرات او تعاطي سموم قاتلة ، وحرم عليه الإنتحار .
* كما لم يترك الحرية المطلقة للوالدين للعبث بجنينيهما بل حرم الإجهاض وقتل الأولاد وقرر علي ذالك عقوبات.
 * بل أكرمه حتي بعد موته  فلا يجوز رميه بعد موته في قارعة الطريق ولا تشويهه ولا العبث بجسده ولا الجلوس فوق قبره ولا كسر عظمه فقد قال عليه الصلاة والسلام :لأن يجلس أحدكم على جمرةٍ فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خيرٌ له من أن يجلس على قبرٍ .  وحديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ' إن كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسر عظمه حياً ) بل من قتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا وجعل الإسلام حرمة الإنسان أعظم من حرمة بيت الله الحرام، وضعك من حق الإنسان  فقد راعي الإسلام حق البهائم وحفظ لها حقوققها .
البشرية وحقوق الإنسان .
من 1948– 1991 سنَت البشرية عبر كل مؤسساتها الدولية والإقليمية والمحلية آلاف القوانيين المتعلقة بحقوق الإنسان، والغريب أن أغلب القوانين التي سنت للحفاظ علي حقوق الإنسان شرعت تحت هدير الحراب وصليل السيوف وفرقعات المدافع ولم تعصم هذه القوانين دماء الناس ولم تحفظ حقوقهم، انظر الي افريقيا كيف تسفك فيها الدماء وتهدر فيها كرامة الإنسان وكذالك آسيا واضطهاد الأقليات فيها وسلخهم كالبهائم وحيثما يممت وجهك شطر المعمورة سوف تري ضياع هذا المخلوق حتي في الدول التي تصدرت سن هذه القوانين فهي التي انتجت اسلحة الدمار وغزت البلدان وأهانت اللآجئ المسكين المستجير بها فكم من محروم  يهان علي شوارع اروبا وتسلب كرامته  ( انها الإنسانية المعذبة تصرخ )، واصم المفكرون والكتاب والآدباء  والحقوقيون وجميع اهل الفكر والراي صموا وأصموا آذانهم وأفئدتهم من لإنصات لنداء الدين المتناغم مع الفطرة وحيدوه جانبا واشمأزت منه قلوبهم  فإذا  بجهدهم البشري المشوب بكثير من النقص والمشحون بالعيوب  والملطخ  بالجور والإنحياز لم يستطع اسعاد هذه الإنسانية المعذبة ، ولا نستطيع في خطبة جمعة إبراز وجه الإسلام المشرق الذي تجاوز القوانين الوضعية حيث جعل حقوق الناس دينا يعاقب صاحبه ويخضع للعقوبات الرادعة في الدنيا وفي الآخرة يقف في محكمة الواحد الديان، وحقوق العباد هي  من الحقوق التي لا يغفرها الله الا إذا سامح صاحب الحق او رد الحق الي صاحبه فطلب الرسول منا أن نتحلل المظالم اليوم قبل الا يكون غدا دينار ولا درهم .
الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وتناغمه مع مبادئ الإسلام . 
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو وثيقة حقوق دولية تمثل الإعلان الذي تبنته الأمم المتحدة 10 ديسمبر 1948  وهويتألف من 30 مادة تمثل رأي الجمعية العامة بشأن حقوق الإنسان المكفولة لجميع الناس.ولو إستعرضنا هذه المواد من غير ترتيب  لوجدنا غالبيتها وكأنه مستنبط من الشريعة الإسلامية فمثلا  .
 المادة 1 - يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلاً وضميراً وعليهم أن يعامل بعضهم بعضاً بروح الإخاء. { ورحم الله أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب عندما قال: متي إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرا را ؟ }
 المادة  2 - لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز.. 
 المادة  3 لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.                                                     
  المادة   4 لايجوز استرقاق أو استعباد أي شخص.....
المادة 5 -لايعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة.
المادة  9 - لا يجوز القبض على أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفاً.          
 المادة 10- لكل إنسان الحق، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة...
= من أكثر المواد التي تتقاطع وتتعرض مع منطلقات ومبادئ الإسلام المادتان - 16  و 18 – من الميثاق وإن كنا لسنا بصدد تقييم الميثاق ومحاكمته ونستطيع أن نقول نحن نعتبر هذا السعي الحثيث لحماية حقوق الإنسان من أكبر المنتجات  الفكرية والعقلية  التي تجد منا التشجيع والمناصرة ونناشد العالم الأخذ بتعاليم الإسلام ففي تطبيقها الحل الناجع  .                                  
   لكن ماهي حظوظ بيوتنا ومؤسساتنا ودولنا من هذه الحقوق ؟
يا أمة الحقوق يا أول الأمم تحضرا وسموا ورفعة لماذا تذ بح كرامة الإنسان اليوم في أحضانك الدافئة ؟ للأسف لا يعلم حكامنا من حقوق الإنسان إلا قطعة قماش ترفرف فوق السواري والجبال وفرش أحمر يتبخترون فوقه ورجال قمع يبطشون بهم كل ناصح ومخلص ، وزوج لا يعرف من حقوق الزوجة الا حق الفراش والمعاشرة وزوجة لاتعرف من حق الزوج الا إعداد الأطعمة والأشربة ، وأبناء لا يعرفون من حق الوالدين إلا النداء الجميل بالأبوة أو الأمومة وأستطيع أن أقول مقتبسا ( أقيموا حقوق الإنسان في بيوتكم يقام في أرضكم)
أيها الأخوة و الأخوات : من أكثر الأمور المقززة للنفس والمقزمة للقيم والمبادئ أن تجد بعض أهل الرأي والكلمة    والسيا سة والفكر يدافعون عن أشخاص بدل المبادئ ويسعون للحصول علي الكراسي بأي طريقة كانت ، فإن كان الحاكم ينتفش ويتجبر وينتفخ فما أعانه علي هذا الأمر الا المطبلين والمزمرين واصحاب الأهواء والشهوات ، فمن ناضل وجاهد ينبغي أن يناضل  ويجاهد من أجل القيم وليس من أجل الكراسي والمناصب ومن حكم ينبفي أن يحكم بالعدل.
ومن أكبر الجرائم أن يحول الحاكم شعبه الي قطيع يسجن من يشاء ويقتل من يشاء وينفي من يشاء وفي نفس الوقت يجد من يصفق له وينبح ، والأكثر جرما من هذا من سجن له أخ او اب او قريب أو جار او إبن  صلبه او إبن وطنه -   فسكت وتجاهل ( الساكت علي الحق شيطان أخرص )
اقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ، والي خطبة قاد مة بإذن الله تعالي .
لفت نظر : بعض الأراء التي ترد في الخطبة قد  تكون محل نظر بين العلماء ولكن الخطبة  ليست درسا فقهيا ولا وقت للتفصيل فيها ولذالك ننطلق في التوجيه والإرشاد والنصح والإنكار وغيرها من المواضيع التي تحتويها الخطبة علي ما يوافق الشرع ويلائم واقعنا في اروبا فنرجوا المعذرة . 

أخوكم : محمد جمعة أبو الرشيد   
 
 31-12-2009م

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013