الجمعة، 15 أبريل 2011

رحيق المنابر (5) : الأب


محمد جمعة ابو الرشيد
23/1/2010م

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ملئ السموات وملئ الأرض وملئ ما بينهما ....
وأصلي واسلم علي أشرف المخلوقات وأعظم الأنبياء والرسل صاحب الحوض المورود واللواء المعقود ، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وتركنا علي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك ( فلا تكن من الهلكي ) وعليك أخي المؤمن وأختي المؤمنة التمسك بالكتاب والسنة والإعتصام بحبله المتين .
موضوع خطبتنا اليوم حول ( الأب ) وأرجوا ألا يفهم القارئ أنني اجري مقارنة بين الأم والأب ، أعتقد أن كليهما في مركب واحد وقد تتفاوت المهام والمسؤوليات وفي الأخير ينبغي أن تتكامل ، فأنت أيها  الأب الرأس و الرئيس والقائد العام وزعيم الربان وحامي الحمي ودثار العريان إليك تنتهي – بعد الله - حل المعضلات والقيام بالمهام الجسام أنت عماد البيت وسقفها و موطن الأمن وحامي البيت وحارسها الكل يخضع لأوامرك بعد الله وتسري في الجميع تعليماتك [ طبعا المقصود هو الأب في زماننا ولست احكي عن الأجداد ، أليس كذالك ؟......... ]  .
أيها الأب الكريم : حملك الله  حماية نفسك وأهلك حيث قال الله تعالي ( يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) ولن تسطيع أن تحمي أهلك حتي تكون قادرا علي حماية نفسك   فمن كان عاجزا علي إصلاح نفسه فعلي إصلاح غيره أعجز.
الخطوة الأولي : إصلاح النفس ، ومفتاح الإصلاح العلم فمن رضي بالجهل ضَيع نفسه وأهله لأن الجهل كما يقال جريمة فالجاهل عدو نفسه وأهله وكما قال الله تعالي ( البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا ) ، فطريق الإصلاح والتغيير والنهضة والتقدم وطريق النجاة من النار هو{ العلم والمعرفة} ورحم الله الإمام البخاري الذي عنون بابا في كتابه الجامع سماه ( باب العلم قبل القول والعمل ) وإستدل بقول الله تعالي ( فأعلم أنه لااله الا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات )
ايها الأب الكريم: أنت مطالب بتعليم أبنائك كتاب الله وسنة رسول الله قولا وعملا وتطبيقا فلا ترضي بالعجز والهوان وكما قيل : ولم ار في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين علي التمام ، فأقبل علي النفس واستكمل فضائلها فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان
والحل : حضور مجالس العلم ومجالسة العلماء والإكثار من القراءة ، وهذه وصاياي لك   فأنتفع بها.
أولا- إبدا يومك بالحرص علي صلاة الفجرولا يبول الشيطان في أذنيك ولا تتحجج ببعد المسافة وخاصة لو كان لك وسيلة تسهل عليك الوصول، وتحضرني قصة أحد اصدقائنا الذي كان يشكوا من صعوبة الإستيقاظ لصلاة الفجر وقد نصحناه بكل الوسائل المعينة  علي القيام كترك السهر والنوم بعد صلاة العشاء مباشرة وهي( سنة نبوية مهجورة ) نسال الله العفو والعافية ، وكذالك نصحناه أن يضع-  المنبه -  فوق الدولاب حتي  يضطر للنهوض عن فراشه وكل المحاولات لم تجدي نفعا الي أن قيَد الله له سببا عجيبا حيث استقظ في ليلة بيضاء يتواصل فيها تساقط الثلوج ففتح نافذة البيت ونظر الي الخارج وكان قبيل وقت صلاة الفجر وهو يهم بالرجوع الي فراشه فإذا به يري في الخارج عجوزا شمطاء تتمايل في الثلج وقد خرجت بكلبها حتي يتمكن من قضاء حاجته ويشم شيئ من الهواء!!!فإذا به يتأمل في سبب خروجها في هذا السن وعلي تثاقله مع القدرة  عن أعظم عبادة ربانية و لعظم قدرها كلف الله نبيه أن يصعد لأجواز الفضاء حتي يتلقاها منه سبحانه وتعالي وهي عهد بين الكفر والإيمان فمن تركها فقد كفر وقال عمر إبن الخطاب رضي الله عنه : لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة . المهم صاحبنا من ذالك اليوم لم يتخلف عن صلاة الفجر وكان يقول : جزي الله العجوز وكلبها عني خيرا، فأهديت اليه ملخص كتاب ( تفضيل الكلاب علي كثير ممن لبس الثياب )
ثانيا : اجلس بعد صلاة الفجر جلسة ولو لبضع دقايق تقرأ فيها بعض الأذكار النبوية مثل      ( اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر ) ثم أتبعها بقراءة ما تيسر  من القرآن وليكن هذا ديدنك وعادتك  كل يوم جديد ، فإن مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت  كما قال عليه الصلاة والسلام: وأن القلب الذي ليس فيه شيئ من القرآن كالبيت الخرب ، فمن جمع العلم و الذكر و تلاوة كتاب الله مع المداومة والإستمرا رزق بركة وحلاوة تعمر قلبه وتنير فكره وتسعد حياته .
ثالثا: إحرص أن يكون هذا برنامج البيت اليومي كذالك ، عليك بإيقاظهم لصلاة الفجر واصطحاب الذكور ( خاصة ) الي المسجد وإذا لم تتمكن من الذهاب الي المسجد لأي سبب قاهر مانع فأتخذ بيتك قبلة وصلي بأهلك صلاة جماعة ، ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الرجال التساهل مع الزوجات في شأن الصلاة وقراءة القرآن فتجده يهتم بصلاة الأبناء ولا يهتم بصلاة الزوجة مع العلم بأن الأم التي تقصر في صلاتها  فهي خنجر فساد في قلوب الأبناء وسوف تحمل الإثم أثقالا وأضعافا مضاعفة لأنها قدوتهم مثل الأب تماما فإذا هي تهاونت فكيف يمكن أن يحرص اولادها وبناتها علي العبادات ؟
كما لا تنسي استغلال المناسبات المختلفة مثل صيام عاشوراء والأيام البيض وصيام عرفة وغيرها من السنن التي ينبغي أن تحول الي برنامج جميل اما داخل البيت أو ترتيب إفطار مع اصدقاء، وقد وجدنا للعمل الجماعي تأثيرا طيبا في نفوس الأبناء مثل المخيمات والرحلات وحلقات المساجد واللعب الجماعي الهادف .  
رابعا : ينبغي أن يكون لك جلسة عائلية مع أهلك علي الأقل مرة في الإسبوع ينبغي أن تتضمن درس في الإيمان بالله ومحبة رسول الله ومعرفة الغيبيات الكبري كالجنة والنار والبعث والحساب والملائكة والجن وغيرها من الغيبيات التي ينبغي أن يؤمن ويسلم بها المؤمن وممكن الإستفادة من مثل كتاب ( عقيدة المؤمن ) وكذالك مدارسة كتاب في الفقه سهل وميسر مثل كتاب ( فقه السنة ) وحديث واحد  كل إسبوع علي الأقل من مثل كتاب( رياض الصالحين ) وتحلية الجلسات بقصص الأنبياء والصحابة وسير أهل العلم والصالحين وأصحاب الهمم والطموح وما أكثر الكتب في هذا المجال ، ومن الأشياء المهمة جدا أن يكون يتضمن هذا البرنامج العائلي لعبات مسلية ومسابقات في مواضيع مختلفة وليلة سمر هادفة . قل معي أحلا مكان هو البيت وأحلا الجلسات مع الزوجة والأبناء : هل ستقول أم لا تستطيع مفارقة المقاهي والشلليات ؟؟؟؟؟؟ .
خامسا: تعليم الأبناء فنون الحياة فإن كثير من العلوم لاتدرس في المدارس، فتحمل الأعباء والتعامل مع الناس،القريب والبعيد الكبير والصغير الذكر والأنثي وحقوق وحدود وواجبات كل واحد منهم لا يستطع الأبناء التمييز بينها، الا بالمجالسة معك والتلقي عنك ، للأسف بعض الآباء لا ينتبه لأبنائه الا عندما يكبرون ويبدؤون يكونون شخصيتهم المستقلة ويبدون  آرآؤهم وافكارهم فإذا به يفكر في تربيتهم وقد مضي عهد التربية   ( أضحي يمزق اثوابي ويضربني ابعد شيبي تبغي عندي الأدب ) وقد قال عمر رضي الله عنه : لاعبوهم سبعا وربوهم سبعا وصاحبوهم سبعا . وأنت تخلط وتحرق المراحل و تنام  نوم أصحاب الكهف ثم توصي بالتلطف وقد فاتك القطار ومضي القوم .
أيها الأب الكريم : يا من قمت برسالتك واديت واجبك فأبشر فإنك قد زرعت لك عملا دائما لا ينقطع بموتك قال صلي الله عليه وسلم : إذامات إبن آدم انقطع عمله الا من ثلاث وذكر منهم إبن صالح يدعوا له ،
أما الأب الذي لسانه شتم ويده بطش وسلوكه سيئ ومعاملته غليظة وحنانه جاف ونظراته سيف بتار واسنانه عورة وعطاؤه إمتنان ورياء مجالسه ثقيلة وكلماته منكرة وإحترامه لغيره قليل، ضعيف الرأي قليل الحزم، إذا تكلم صاح وإذا سكت نام وإذا حكي ضحك وإذا ضحك قهقه، همه الدنيا والتنافس فيها، يجمع مالا يأكل ويبخل بما لاينفع ، ادعوك دعوة محب مشفق أبناؤك أمانة في عنقك ولسوف تسأل عنهم يوم القيامة فكل واحد منا مسؤول عما إسترعاه الله حفظ أم ضيع .
مسك الختام : الأب الذي لا يشارك أولاده وبناته في مناشطهم وتعليمهم فهو اب فاشل قليل الإحترام عندهم ‘ لأن وجوده معهم أهم عندهم من الأكل والشرب وجمع المال وقد تذكرت تلك القصة الحقيقة التي حكاها أحد الأبناء الذي كان يهوي لعب كرة القدم وكان كثيرا ما يلح علي والده أن يحضر ولو يوما واحدا كما يفعل بقية الاباء لمشاهدته وتشجيعه ولكن الأب كانم يكرر نفس العبارة التي نكررها نحن اليوم ( أنا مشغول بالعمل يا بني ) وبعد إالحاح متواصل من الإبن حضر الأب وكان الإبن يحس بسعادة غامرة وكان يلعب في الخلف حارسا للمرمي وما اشقها من مهمة ، فكان كلما ركل عليه اللاعبون الكرة انقض عليها كالأسد الهصور ثم نظر الي والده فإذا به يراه مشغولا في الجوال يتكلم في صفقاته المالية والولد يحترق  قلبه ثم ما لبث الأب أن انصرف عن الملعب وتمر الأيام وبعدما بلغ الولد بضعا وعشرون عاما توفي الأب وبعدما دفنوه وبدأالناس بالإنصراف إلتف ابنه الي القبر وقال: ( رحمك الله يا ابي ليتني أعرف ما هو الشيئ الذي أهم مني حتي شغلك عني في ذالك اليوم فأنصرفت؟ ).
وقبل الختام اوصي جميع الأباء بالإحسان للأم اولا لأن الله اوصي بذالك وثانيا لأن أحترام أبناؤك لك نابع من إحترامك لأمهم وإحسانهم اليك متولد من إحترامك لها ،
ولأن الكلام مع الأب يطول ويطول نكتفي بهذه اللمحات القليلة ، ونسال الله الرحمة والرضوان لوالدي ولوالديكم أجمعين .

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013