بسم الله الرحمن الرحيم نشأت في بيئة إشتهر أهلها بحب الشعر وعشقه والهيام به ، وتطارحه ، والتسامر به ، صحيح لم تكن اللغة عربية صرفة ، بل هي ( لهجة خليط من العربية واللغة الجئزية القديمة التي كان يتحدث بها سكان جنوب الجزيرة العربية ، وتسمى هذه اللغة اليوم ( التقرايت ) ويتكلمها قطاع عريض من سكان السودان وارتريا ، حيث تمتد مساحتها من القضارق وعبر بورتسودان الي الساحل الأرتري في شواطئ مصوع وتتربع على مرتفعات الحباب والماريا وتتوغل بمحاذاة نهر عنسبا حيث وجدت لها فى قرية ( وازنتت ) متحدثين من الطراز الفريد ،وأنا لم افرد هذه المساحة لنقل أشعارهم ، وتسليط الضوء على تراثهم ، ولكن سطرت هذه الكلمات لأستدرج معي القارئ ليغوص فى أعماق مشاعري التى انفعلت بقصيدة ، نسجت كلماتها في لبنان ، و طرزت بأنامل شاعر حاذق أنجبته سوريا الأمجاد والخيرات، إنه شاعر الإيمانيات ، والوجدانيات ، شاعر الإنسانية ، شاعر الأبوة والحنان. وسوف ننطلق معا في صحبتة وما اجملها من صحبة !! سوف نصحب القيم ، والأخلاق ، والأبوة ، والحنان ، والمشاعر ، والقوة، والشجاعة . شاعرملتزم نظر الى حال أمته فراى فيها المكلوم، والمظلوم، والمشرد، والتائه ، وراى شعراء زمانه، من همه القوام النحيف ؛ واللهو الرخيص؛فأعرض عن هبلهم وخبلهم ، وميوعة كلماتهم ، وضياع عباراتهم ، وصياعة أخلاقهم ، فغرد فوق التلال النبيلة ، وصعد فوق الروابي السامقة ، وحرك أنياب كلماته ، وهزَ جدارها ، وضغضغ مشاعرها ، فتفتقت كلماته عن نداوة لا تنضب ، وعن فكر لا يشرد ، وعن إستقامة لا تعوج،وعن ثبات لا يتزعزع . مع متعة الشعر وحنان الأبوة : وأظن لو كان الأميري ينتمي الى أمة غير أمته هذه ، لكانت قصيدته هذه اليوم تدخل في مناهج التعليم ، وتطرز بها دواوين الأشعار العالمية ، وكنا نحن أول من يترجمها ، ويعقد لها الندوات ، والسمنارات ، ولكن حسبه أن الأفكار لاتموت ، وأنَ الخير لا يذوب ولا يتبخر ، وأن َ المشاعر سوف تظل ينابيع من الخيرتغذي جفاف القلوب ، ومشاعل من النور تضيئ دروب الظلام . العاطفة الحارة : عندما قرأت هذه القصيدة وأنا طالب في المرحلة المتوسطة ، انفعلت بها انفعالا يصعب وصفه ، وإعتقدتُ من غير أن اسال أن الشاعر قد مات أبنائه ، ولذلك تدفق بكل هذه المشاعر التلقائية والمعبرة عن حنان الأبوة ، لكن كانت المفاجئة بل الإعجاب بالقصيدة أكبر عندما علمت أن الشاعر نظم القصيدة عندما شرع أبناؤه بالسفر من منتجع ( قرنايل ) في لبنان الى سوريا العريقة. مع الأميرالأميري : يقول في مطلع قصيدته :أين الضجيج العذب والشغب ؟ كل الآباء يعتبرون ضجيج الأطفال أمرا مزعجا ، ومنقصا للراحة ، لكنه رحمه الله يجد فيه المتعة وراحة البال ، وليس يضيق صدره ابدا أن يشوب التدارس وهو امر يتطلب الجدية والهدوء أن يشوبه اللعب والمزاح ، وهو معجب أشد الإعجاب بتوقد الأطفال ، وعبثهم الممتع حتى لو كان الثمن ، تمزيق الكتب ، وتلطيخ الدمي ، يشتاق لدموعهم، وحرقتهم ، وبريق اسنانهم ، يشتاق لإمتطائهم ظهره ورقبته ، يشتاق لقطعهم عليه راحته ، يشتاق لندائهم المحبب ( بابا) يفتقدهم ، يستوحش لفقدهم . وكأنما الصمت الذي هبطت *** أثقاله في الدار إذ غربوا . أعتقد أن كل أب يشارك أبنائه يومياتهم الحياتية تكون مفارقتهم أصعب عليه من فراق روحه ، ويتملكه شعور الأميري ، واعتقد أن اثقل وقت يمكن أن يجلسه الإنسان في بيته ، هو عندما يعود اليه بعد مغادرة الأبناء وفلذات الأكباد ، تحس أن صدى أصواتهم ما يزال يتردد في جنبات الدار ، وأنفاسهم الحارة ما زالت تنبض بالروح في كل ردهة من ردهاته ،كل شيئ يذكرك بهم ، فتوق الشمس من النافذة ، وغروبها من النافذة الأخرى ، مراتعهم ، مرابضهم ، ساحات معاركهم ، أكوابهم ، مجالسهم ، مقالبهم، ضحكاتهم ، دموعهم ، وثباتهم ، إنقلاباتهم ، رائحة عرقهم ،كما قال الأميري. إني أراهم أينما التفتت *** نفسي وقد سكنوا ، وقد وثبوا. وإليكم هذه الرائعة من روائع البيان :
رحم الله بهاء الدين الأميري ، فإن كنت قد بكيت لفراق فلذات كبدك ، فقد علمتنا حب الأبناء . الأرتريون والعشق الفريد : لقد باحت قريحة شعراء ( التجري ) بقصائد كثيرة حول حب الأبناء ، وكذلك بلغاتنا الأخرى ، لكن ظل هذا الشعر حتي الآن حبيس الصدور ، تتناقله الشفاه ، وتحويه الذاكرة ، ليس في هذا عيب ولا تقصير ، ولكن ظروفنا هي التي حكمت علينا بعدم توثيق تراثنا ، والآن مع التقدم العلمي ، وإتساع رقعة الباحثين ، والدارسين ، يكاد يكون الحفاظ على التراث فرضا لازما ،وقد يفاجئ القارئ إن بحت بقناعة طليقة عن قيود الأسرار، بأنَ الشعراء الأرتريين باللغة العربية ، يكاد عددهم يناظر شعراء أي دولة عربية، وأنا استمعت لعدد كبير منهم ، أمثال الشاعر الكبير / حسين موسى حسين ، شقيق الشاعر / محمد الحاج موسى . والأخ حسين ينام فوق كنوز من الشعر في شتى المجالات ، ومن يجهل أدحنة / وبيان ، والقائمة كبيرة ، وقد تابعنا في المنتديات شعراء بكل اللغات الأرترية ، وعلى رأسهم الأخ / موسى ضرار ، وغيره الكثير. دروس من عمر بهاء الدين الأميري : لو كان أي حاكم في ارض الله الواسعة ، يملك عاطفة الأميري ، لكان أكبر همه الحفاظ على حياة الطفولة ، وأظن نحن في حاجة ماسة لغرس بزور الحب . والأدب الملتزم ، والشعر الهادف هو أحد أكبر الموجهات والمؤثرات في حياة الشعوب ، ينبغى من شعراء أرتريا وأدباؤها الأفذاذ ألا يواروا إنتاجهم معهم في نعوش الإهمال . محمد جمعة ابو الرشيد . | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
آخر تحديث: الأربعاء, 01 ديسمبر 2010 00:21 |
الثلاثاء، 5 أبريل 2011
عاطفة أبوية تتدفق أنهارا من شعرا
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة
(
Atom
)
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق