الثلاثاء، 12 أبريل 2011

‏ رحيق المنابر (6) : العبادة معرفة شروطها وجني ثمارها وتذوق لذتها

العبادة معرفة شروطها وجني ثمارها وتذوق لذتها


بسم الله الرحمن الرحيم                                                                   
الحمد لله الذي أتم علينا نعمه وأكمل لنا الدين وشرع لنا الشرائع ونقي سرائرنا بتعليماته وطهر نفوسنا بعبادته ، فهو الذي يعلم ما يصلح نفوسنا ويسعد حياتنا ، نحمده حمد الشاكرين ونتذلل اليه تذلل الخائفين الوجلين لا رب لنا سواه ولا اله لنا غيره سبحانه الذي عنت له الوجوه، وخضعت له الرقاب ، ونصلي ونسلم  علي من بعثه رحمة للعالمين وحجة علي الخلق أجمعين ، ونشهد أنه بلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة وكشف الغمة وتركنا علي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها الا هالك ، وأوصانا بالتمسك بالكتاب والسنة وأرشدنا لما فيه صلاح ديننا ودنيانا ، فاللهم صلي وسلم عليه ما تعاقب الليل والنهار وما هبت الرياح وتمايلت الأفنان وسلم تسليما كثيرا   ، أما بعد :                                                                                 
قال الله تعالي: ( وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون ) إذن هذه الخطبة والتي تليها سوف تدور بإذن الله تعالي حول موضوع هام وهو ( موضوع العبادة معرفة شروطها وجني ثمارها وتذوق لذتها ) وكيف لا يكون لها الأثر وقد أوجدنا الله من أجلها ؟ فكل عمل ليس له ثمرة لا فائدة منه وصاحبه يضيع حياته فيما لا فائدة له ، والله عز وجل منزه عن النقائص ومتصف بصفات الكمال فما دام خلقنا لعبادته ينبغي أن نعرف المطلوب منا، وأن نعرف الوسائل التي نحقق بها ذالك المطلوب ، إذن الهدف بين جلي، والوسيلة واضحة وظاهرة، وعلينا إتخاذ تلك الوسائل والمضي بها نحو غاياتنا ومرامينا ، وقبل الدخول في الموضوع أحب أن الفت نظر إخواني وأخواتي الأحباب الكرام أن طريق العبودية محفوف بالمصاعب و محاط بالمكاره، وعلينا أن نتسلح بسلاح الإيمان للخوض في غماره والسباحة في لججه ومقاومة تياره ، وهو طريق سار فيه جميع الأنبياء والمرسلون ومن نهج نهجهم وسلك دربهم ، فلا تنصر المبادئ الا بالتضحية والبذل وإستفراغ الوسع في طلب الخير، والحق عقبة كؤود في وجه الضعفاء وماء رقراق عذب زلال  في  قلوب أهل الإيمان و يتفاوت الناس علي قدر إيمانهم وتحقُق أثر العبادة في نفوسهم، ولا يعرف الحق الا بالعمل به، ولا يكتمل الإيمان الا بإتباع الأقوال لصالح الأعمال ، وخطبة اليوم تدور حول [ شروط قبول الأعمال ]
لأن العبادة لاتستطيع أن تجني ثمارها وأنت مخل بشروط قبولها ولأهمية الأمر بدأت به وفي الحقيقة هي كانت عبارة عن سلسلة طويلة تناولت فيها ( العبادة في الإسلام من كل جوانبها ) ولكن يكفي هنا إنشاء الله  أن أنقل لكم شروط القبول وثمرة العبادة ، وأشكر بعض الأخوة والأخوات الذين اقترحوا علي تقديم الخطب في بعض المجالات وبإذن الله تعالي سوف البي طلباتهم الغالية ، وأيضا يشرفني تلقي مزيد من المواضيع  عبر بريدي الأكتروني الذي يوجد أسفل الصفحة ، وحتي تكون عبادتك مقبولة عندالله تعالي لابد من النظر الي داخل نفسك ( القصد ) وأداء جوارحك أي  ( تطبيق الشرع كما امر الله ورسوله ) فإن قصرت في فهم هذه الشروط التي متوقف فيها صلاح عبادتك فقد عبدت الله علي جهل ، ومن عبد الله علي جهل سلك طريق الضاليين ، وهما شرطان سهلان فأفتح لي عقلك وأصغي لي بجوارحك وشاركني برأيك ولا تحرمني من توجيهاتك ونصائحك الغالية .

شروط قبول الأعمال : لا يقبل لك عمل ولا عبادة ولا كلام ولا غيره الا بشرطيين إثنين :
الأول – أن يكون العمل خالصا لوجه الله تعالي ( وما امروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) ونعرف قصة الرجل الذي هاجر من مكة الي المدينة مع الذين هاجروا يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله ، وقد مدحهم الله في عدة مواطن من كتابه الشريف  ، أما الرجل هاجر من أجل أن يتزوج إمرة اسمها ( أم قيس ) فقد عرف بها وأطلق عليه (مهاجر أم قيس ) وقد قال صلي الله عليه وسلم :( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوي فمن كانت هجرته الي لله ورسوله فهجرته الي الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امراة ينكحها فهجرته الي ما هاجر إليه ) إذن أيها الأخوة ينبغي ألا تغيب عنا هذه الحقيقة فنكون من الذين قال الله فيهم ( عاملة ناصبة تصلي نارا حامية ) وبعض الناس يأتي يوم القيامة بأعمال مثل جبال تهامة يجعلها الله هباءا منثورا)
نعوذ بالله من أن ننصب ونتعب ثم نخسر كل شيئ وتكون عاقبتنا حسرة وندامة، وأعتقد أن آفة المرائي ثلاث:
1- يتعب كما يتعب الناس فهو يتحمل المشاق بالذهاب الي المساجد وينفق ويتكلم ويعلم فلا راحة له في بدنه ولا توفير في ماله ، ولكن العمل لا يقبل ) وا حسرتاه !!!!!!
2- لا يقبل منه العمل ، لأن الله أغني الأغنياء عن الشرك فلا يقبل ولا يرضي  من العمل الا ما كان له وحده سبحانه وتعالي ( وما لأحد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الأعلي ولسوف يرضي ) .
3- يسحب علي وجهه في نار جهنم ، ويعرف الجميع حديث اول ثلاثة تسعر بهم النار يوم القيامة ، وكلهم ممن اتي بأعمال صالحة جليلة يحبها الله ويرضاها ولكنهم للأسف اشركوا فيها غيره وصرفوا نيتهم وقصدهم لتحقيق بعض المكاسب الإجتماعية ،كأن يسعي الإنسان للحصول علي الشهرة كالغني ( المليونير) والعلم ( العلامة ) والشجاعة  ( البطل ) ، لأن الثلاثة كان مثالا في حافظ  القرآن والإنفاق في أبواب الخير والمجاهدة في سبيل الله بالروح الغالية ، ولكن للأسف أحبط الرياء عملهم ، وإنشاء الله سوف أنقل لكم في موضوع ( الإخلاص) خطب سابقة خطبتها في مساجد مختلفة  في بلدان مختلفة ويكفي اللبيب الأريب الحصيف ما أشرت اليه اليوم ليطرد النفاق والرياء من قلبه .
الشرط الثاني : من شروط قبول الأعمال ( المتابعة ) أي أن يكون العمل مشروعا موافقا للكتاب والسنة، والمشكلة هنا تكمن  في أن بعض الناس مع أنهم يهيمون حبا بالإسلام  ويجتهدون في إخلاص عملهم لوجه الله تعالي، إلا أنهم يتقربون الي الله بما لم يشرع لهم ويقتدون برسول الله – صلي الله عليه وسلم-  بما لم يسن لهم، ولا يعرفون أنهم بذالك يأثمون ولا يؤجرون ، وأرجوا أن يعذرني الأخوة علي الإطالة ولكن لا بد من أن أنقل لكم كلاما نفيسا إستقاه العلماء من كتاب الله وسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم وهذا الكلام هو شروط المتابعة : ( اي كيف تعرف أن عملك موافق ومطابق لما شرع الله في كتابة وسنة نبيه ؟ ) وهذه الشروط هي :
1- أن يكون العمل موافقا للشريعة في سببه .
2- أن يكون العمل موافقا للشريعة في الجنس .
3- أن يكون العمل موافقا للشريعة في المقدار .
4-أن يكون العمل موافقا للشريعة في الكيفية .
5- أن يكون العمل موافقا للشريعة في المكان .
6- أن يكون العمل موافقا للشريعة في الزمان
وحتي تتضح الصورة أضرب لكم مثالا واحدا فقط لكل شرط من الشروط السابقة:
اولا المتابعة في السبب: أي عبادة ذات سبب في مرتبطة بسببها فلا تصح الا مع وجود السبب فمثلا لو أن مسلما كلما دخل بيته صلي ركعتين عبارة عن تحية البيت ، نقول له: نعرف ركعتين يصليهما المسلم بسبب دخوله المساجد ، أما تحية البيت  فهي من عملك الذي استحسنته ( ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) كما قال عليه الصلاة وازكي التسليم .
ثانيا : أي عبادة لاتوافق الشرع في الجنس فهي غير مقبولة ومثالها : لو أن رجلا أيام عيد الأضحي إشتري فرسا عربيا أصيلا غالي الثمن وقال: الناس يتقربون الي الله بسعر خروف وانا أتقرب الي الله بأغلي الحيوانات ثمنا ، نقول له لكن الله حدد جنس ما يضحي به في الأنعام ( الإبل والبقر والغنم ) .
ثالثا: أي عبادة لا توافق الشرع في المقدار لا تكون مقبولة ومثالها :  لو أراد المسلم أن يتقرب الي الله بكثرة الركوع والسجود فقال : أصلي صلاة الظهر خمس ركعات نقول له : هذا المقدار ليس مشروع فصلاة الظهر مقدارها اربع ركعات   فزيادتك مردودة عليك ولا يتقبلها الله منك .
رابعا : أي عبادة لاتوافق الشرع في الكيفية لا يقبلها الله ومثالها : لو بدء الطائف حول الكعبة وانطلق والكعبة عن يمينه ( عكس الطائفيين ) ويتحجج بان رسول الله – صلي الله عليه وسلم كان يحب التيامن في كل شيئ ، نقول له : الكيفية المشروعة هنا أن تبدا الطواف وتدور والكعبة عن شمالك ، فكيفيتك الله سننتها مردودة عليك .
خامسا : أي عبادة متعلقة بمكان خاص ينبغي أن تؤدي فيه ومثالها : لو أن  مسلما قال: أن أحب الخلوة والإنقطاع لله تعالي ولذالك أحب أن أعتكف في بيتي نقول له جزالك الله خيرا ولكن الإعتكاف مشروع في المساجد .
سادسا : أي عبادة لاتوافق الشرع في الزمان فهي مردودة علي صاحبها ومثالها :  لو صلي مسلما قبل دخول الوقت نقول له ( إن الصلاة كانت علي المؤمنين كتابا موقوتا ).

أيها المؤمنون :ربما نكون قد أدركنا من خلال شروط قبول الأعمال السابقة بأننا في  حاجة ماسة الي مراجعة مقاصدنا في كل شأن من شؤوننا ، فمن تغلب علي طبعه وقاومه وألزم نفسه بشرع الله ينبغي أن يمضي الي هدفه في الطريق الذي حدده الله  له سبحانه وتعالي ، فأنت أيها العابد في خير كثير لأنك تخليت عن الطبائع وسلكت طريق الشرائع  فينبغي أن تزيل عن طريقك كل المفسدات والمخاطر التي تريد تلويث عملك وإفساد شرعك ، وحتي لايلتبس قصدي علي القارئ الكريم اود أن اوضح ما قصدته بالطبع والشرع :فالطبع مثلا يدعوك الي الإستمرار في النوم والشرع يدعوك ان تخالف الطبع وتنهض لصلاة الفجر ، الطبع يدعوك الي إمتاع البصر بالنظرالي ملا يحل لك والشرع يامرك بغض البصرعن المحرمات، ومعلوم أن من خالف الطبع واتبع الشرع فاز، وكل من غلبه الطبع ضيع الشرع ومن ضيع الشرع خاب وخسر، ونسأل الله العفو والعافية والتوفيق والسداد .
إخواني وأخواتي في الله أذكركم بتقلب الأيام وتعاقب الليل والنهار واقتراب الآجال فالعاقل يأخذ من صحته لسقمه ومن شبابه لهرمه ومن غناه لفقره ومن فراغه لوقت شغله ومن شرته لوقت خموله ومن نظرات عقله لنزوات عاطفته ، وأوصيكم ونفسي بطلب العلم وإبتغاء مرضاة الله تعالي وإخلاص العمل في كل شان من شؤوننا واعلموا أن الجهل وفساد المقاصد أفسد حياتنا وخرب ديارنا ، فكم عالم لم يبارك الله في عمله لأنه لم يبتغ وجه الله فيه ، وكم سياسي عاش موتورا مخاصما لأن عمله كله كان إنتصارا لنفسه ، وكم معلم عاش مكروها منبوذا لأنه إتخذ تدريسه رياء وسمعة وكم مدير أشعل المشاكل في مؤسسته لأن كرسيه كان ملطخا بالتكبر والترفع ، فكم من قلوب مريضة تسبح في دنيانا فتلطخ حياتنا وتلوث هوائنا !!!!! فالخلاص في الإخلاص ومعرفة شرع الله الواحد الديان ، والي خطبة قادمة إنشاء الله إن كان في العمر بقية وعنوانها ( اثر العبادة في النفوس ).
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم / محمد جمعة أبو الرشيد .
 
            

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013