الأربعاء، 14 مارس 2018

وقفات مع كتاب الحركة الإسلامية الإرترية


وقفات مع كتاب الحركة الإسلامية الإرترية





 كتاب صدر عن مركز دراسات القرن الإفريقي للباحث الإرتري / الدكتور إدريس أبوبكر إبراهيم، والباحث  شخصية عُصَاميّة، وباحث يمتلك أدوات البحث وخاصة تمكنه من التحدث بعدّة لغات ومنها العربية، والإنجليزية، والأمهرية ، والتجرنية، والتقرايت، والبلين، إضافة إلى إلمامه بالمؤسسات التعليمية والدعوية في داخل إرتريا، وتنقّله لطلب المعرفة في عدّة بلدان ومنها السودان، ومصر وماليزيا وبريطانيا، وقبل هذا وذاك مثابرته وصبره في البحث والتقصي واستقراء الاَراء والمواقف المختلفة في المسائل .ويعتبر كتابه هذا في مجاله  المرجع الوحيد حتى يومنا هذا على حسب علمي!

فقد كان تاريخ الحركة الإسلامية الإرترية مجرد حكايات شفوية، ولكن استطاع الباحث أن يتتبع مسيرة الحركة التاريخية، ويوقفنا على أبرز محطاتها، وتاريخ إنشائها، وأبرز رجالاتها، وجهودها الدعوية والسياسة. .

تناول الباحث  في الفصل الأول انتشار الإسلام  في المنطقة عبر البوابات الشرقية والغربية منذ  لحظات بزوغ فجر الإسلام، وهجرة الصحابة، إلى تأسيس ممالك الطراز الإسلامي والتدافع الذي حصل بين الممالك الإسلامية، وبين أباطرة الحبشة عبر التاريخ   والدور التي لعبته الطرق الصوفية في نشر الإسلام في المنطقة ، وتمدد الدولة العثمانية والخديوية المصرية إلى هذه المنطقة ، ثم حِقَب الاستعمار  الإيطالي، والبريطاني والإثيوبي، والآثار السلبية التي تركها الاستعمار في المجتمع الإرتري.

ثم انتقل في الفصل الثاني إلى  دور المسلمين في الحركة الوطنية الإرترية ، وتناول الباحث في هذا الجزء مرحلة من أصعب المراحل في تاريخ الشعب الإرتري حيث انقسم المجتمع الإرتري بين حزب يدعو للوحدة مع {الجارة إثيوبيا } وارتكز على المسيحين الإرتريين وبعض الزعماء المسلمين الذين التحقوا به بسبب صراعات طبقية معينة، وكان الحزب الداعي للانضمام مدعوماً من قبل إثيوبيا، ويمتلك أموالاً، وإعلاماً، وسلاح، ورجال سياسة ودين، وكاد أن يتم له ما أراد   لولا بروز  حزب الرابطة الإسلامية الرافض لضم إرتريا إلى إثيوبيا ،  وكما تتبع الباحث تطوّرات  القضية الإرترية في  أروقة الأمم المتحدة، والمرحلة  الفيدرالية ومرحلة  الثورة  بمختلف توجهاتها  وانتصاراتها وانكسارتها إلى  وصول القضية الإرترية إلى مبتغاها  عام 1991م.

وفي الفصل  الثالث  تتبع الباحث الشخصيات التي  تأثرت بالفكر الإخواني منذ خمسينات القرن  الماضي،ومساهمتهم في تأسيس العمل الثوري في إرتريا  من أجل الاستقلال  والحرية  وما تعرضت له  المجموعات الإسلامية  في داخل الجبهة من تصفيات  واعتقالات. وبالمقابل  كانت هناك الحركة الإسلامية الإرترية  التي أسّست عام 1973 م  من الطلاب في الخارج  كانت تنمو نموًا طبيعياً بعيدة من تلك الاحترابات داخل الجبهة،وعند خروج  القيادات الإسلامية من معتقلات الجبهة  أمثال الشيخ محمد إسماعيل عبده وحامد تركي وآخرين  انضموا إلى الحركة الإسلامية الإرترية  وقادوا واجهتها العامة  ( منظمة الرُّوّاد المسلمين )  وحققت  الحركة فقهاً سياسياً،وكسباً جماهيرياً، وتطورًا في الأداء التنظيمي  وذلك  لوجود  صنفين من القيادات، أحدها القيادات القادمة من الميدان والمصقلة بخبرات عملية  وبمعرفة  تعقيدات الواقع الإرتري  بحكم عملهم في أجهزة الجبهة العليا  المختلفة . وثانيها وجود قيادة  شابة  فعّالة حيث اكتسبت شرعيتها من المؤتمرات.

 الدراسة تحدثت أنّ الحركة الإسلامية الإرترية  استلهمت فكرة حركة الإخوان المسلمين وابتعدت عن الإطار التنظيمي للإخوان المسلمين  لكنها  في الوقت نفسه لم توضح ما إذا  كان تأثُّرها فقط بحركة الإخوان في مصر أم أنّها تأثرت أيضا بمدرسة المودوي في الهند وأربكان في تركيا والترابي في السودان؟ وما هو أثر المدرسة السلفية والصوفية عليها؟ وماهي الأدبيات والكتب التي كانت تعتمد عليها  الحركة في تربية أفرادها  وأقصد بذلك  الكتب العقدية والفقهية والسياسية والتاريخية الخ—؟ هل كانت تدرس  الكتب الإرترية  مثل كتب  سبي، وناود، وتركي وغيرها ؟ وهل كانت  تدرس كتب التيار السلفي أم تعتمد في مؤلفات الإخوان الفكرية فقط ؟ وكيف استطاعت الحركة الحفاظ على علاقة متوازنة مع مختلف التيارات المتنافرة مثل الحركة الإسلامية في السودان وعلاقتها النافرة من جماعة الإخوان المسلمين؟

مميّزات الحركة الإسلامية ( الحزب الإسلامي الإرتري للعدالة والتنمية حاليا) تتحدث  الدراسة  عن مميزاتها على النحو التالي:

1- بسط الشورى وتداول السلطة: قد أظهرت الدراسة بأن الحركة عقدت خمس مؤتمرات تنظيمية في الفترة مابين 1979- 1988م بمعدل مؤتمر كل سنتين وقد غيرت القيادة في الخمس مؤتمرات في سابقة فريدة في الساحة الإرترية! وواصلت  النفس نفسه أيضا بعد الخلاف مع التيار السلفي حيث عقدت أربعة مؤتمرات غيرت القيادة في ثلاثة منها،

2- أظهرت الدّراسة إن الحركة الإسلامية  كانوا جزءاً من القوى الوطنية سواء كان في ميدان المقاومة والقيادة ، أو النقابات الطلابية، والعمّالية حيث كان كل فرد ينتمي إلى الحركة يستمر في موقعه الذي كان يخدم فيه القضية الإرترية سواء كان يرأس اتحاد طلابي أو نقابة عمالية، وهذا حقق لهم وجود كوادر واعية ومدركة لطبيعة الصراعات البينية، واكتسب أفرادها مقدرات قيادية، والتسامح والإعتدال مع التيارات والأفكار المخالفة لها.

3- كشفت الدّراسة بأن الحركة الإسلامية الإرترية حركة وطنية صرفة ليس لها أي إرتباط تنظيمي بجماعة بالإخوان دوليا! وهذا حقّق لها استقلالية قرارها السياسي  حيث يمكن اعتبارها من الحركات المرنة، حيث ظلّت تجري حوارات في داخلها، وتغيّر واجهاتها ومسمّياتها، وتَحَاورت وتضامنت مع تيارات مخالفة لها في الفكروالمنهج،ودخلت في تحالفات ومجالس وطنية عامة وتوحدت مع تيارات ذات توجه سلفي وصوفي، وتحولت من الفكرة إلى التنظيم، ومن السرية إلى العلنية، ومن التنظيم إلى الحزب، ومن الصفوية إلى الجماهيرية، ومن الدعوة إلى الشريعة إلى المطالبة بمبادئها، ومن التحفظ عن الديمقراطية إلى اعتبارها وسيلة حكم مناسبة، ومن مؤتمرات مغلقة إلى مؤتمرات جماهيرية، ومن تربية الأخت المسلمة على الأخلاق والقيم الفاضلة إلى تأطيرها تنظيميا والدفع بها إلى رئاسة المؤسسات النقابية وعضوية مجلس الشورى، ومن منهاج دعوي إلى ميثاق سياسي يتناول كيفية إدارة الدولة، والتعايش السلمي، وحقوق الإنسان وغيرها من القضايا .

4- كشفت الدّراسة بأن العناصر التي أسّست الحركة الإسلامية كانت تجمعها الفكرة والأخوة الإسلامية وقد ترسّخت بينهم هذه المعاني حتى تلاشت بينهم نوازع القبيلة والمناطقية، وقد مثل هذا أكبر عامل وحدة وتماسك بين الحركة على امتداد تاريخها الطويل حيث لم تشهد صراعات وانشقاقات كما هو حال التنظيمات والحركات الإرترية الأخرى ، وقد ذكر الباحث أسباب الاستقرار التنظيمي والسياسي، وأرجعها إلي ما أطلق عليه ( طرق التربية ) وأضاف إاليها المستوى التعليمي للعضوية، والقيادة الجماعية.

والسؤال المطروح اليوم هل سوف تستطيع هذه الحركة مواصلة إلتفافها حول المنهج والفكرة ؟ وهل يملك الحزب آليات لحل الخلافات الداخلية أم الأمور يحكمها الزهد والورع؟.

السلبيات التي صاحبت مسيرة الحركة الإسلامية ( الحزب الإسلامي الإرتري للعدالة والتنمية) تقول الدراسة:



1- غالبية عضويته من الفئات الصفوية المتعلمة ولم تتمدد بشكل كافي في الفئات الأخرى من عمال  والقيادات التقليدية وغيرها!

2- جل اهتمام الحزب موجه إلى المسلمين الإرتريين بالرغم من خطابه الداعي إلى التعايش والتسامح.

3-  يعاني الحزب من ضعف إعلامي حيث المعلومات عنه في أوساط  عامة الإرتريين شحيحة.

4-  أغلب عضوية الحزب بسبب اللجوء إما طال عهدهم بالبلد، أو شباب مولود خارجه.

بعض المقترحات والتوصيات التي ذكرها الباحث:

1- يوصي الباحث الحزب أن يفرق في خطابه بين الإسلام كعقيدة وبين الفعل السياسي الخاضع للمنتوج البشري.

2-  ينبغي أن يميّز الحزب بين الصراع السياسي، وإدارة العمل الدعوي.

3- ينبغي أن يتواصل الحزب مع الشريك الوطني ( المسيحيّن) مع جميع قطاعاتهم الفاعلة من رجالات الدين والمثقفين منعا  للإنجرار الطائفي للمجتمع، وأ لاّ يكتفى بالتواصل مع السّياسيّن فقط.

4-  ينبغي الحزب أن يُجلّيَ فكرته تجاه الدولة بشكل واضح بعيدا عن الغموض الذي يكتنفها.

5-  أوصى الباحث بإيجاد فقهاء ومفكرين، وعلماء دراسات إجتماعية وفلسفية  يُسْهِمُون في التجديد والتطوير المُنْطَلِق من الحاجيّات، والمعالج للمشكلات بوعي.

وفي نهاية استعراض  الكتاب أشكر الباحث والمحلل السياسي الإرتري الدكتور/ إدريس أبوبكر جميل على الجهد المضني الذي بذله لكي يُحوِّل حكايات متناثرة إلى مرجع ذات قيمة عالية، ويتميز الباحث بدقّة التعبير، وتجنب التكرار والحشو حيث أصبح الكتاب مثل الفاكهة الطازجة التي يتلذذ الإنسان بتناولها، ويستفيد صحيا من القيمة الغذائية التي تحتوي عليها، وأدعو الدكتور إدريس أن يكمل مشروعه باستقصاء تاريخ الحركة السلفية وحاضرها، وذلك قبل أن يغادر قادتها دنيانا الفانية ، وقد يدرك القارئ أهمية هذا الطلب عندما يجد في هذا البحث شهادة بعض قيادات التيار الإخواني الذين فارقوا دنيانا  قريبا وضَمَّ الباحث شهادتهم المهمة جدا في هذا الكتاب.


ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013