بسم الله الرحمن الرحيم
علماء ودعاة ومفكرون ارتريون عرفتهم
((( 3 )))
الداعية الخلوق / محمد طاهر محمود حامد مندر
ولد في قرية وازنتت الواقعة في إقليم عنسبا شمال مدينة كرن ، وهي كانت
احدى أجمل القرى الإرترية آنذاك ، حيث حباها الله بطبيعة خلابة حيث تحيط بها جبال
شاهقة ، ومرتفعات منخفضة متعرجة ، ويمر عليها نهر ( عندر ) الذي يتكون في منبعه من
عندرين ( عندر اتنجحت ) و ( عندر شَقَالِى ) فالأول عرف بكثرة حجارته البيضاء
والتى تسمى بلغة التقرايت ( إِنْجِحْ ) ، وإشتهر الثاني ( بالشَّقْلة ) وهي ثمرة
معروفة تنبت في شجرة ( الشقلت ) ويسمى بالعربي التين غير الشوكي .
العندران يلتقيان قبل وازنتت وينحدران الى موطن البئر الرئيس
الذي تستسقي منه القرية اسمه ( سِقْسِقْ ) ومن ثم يتدفق بجانب ( مَنْبَرْ ) وهي
المنطقة التى ولد فيها الشهيد / طاهر سالم
، وهي نفس المنطقة التى أسس فيها الشيخ / محمدعلى زرؤوم معهده وخلوته ، وهي نفس
المنطقة التى ولد فيها الداعية الإرتري المعروف / يسين برعيداي فك الله اسره ، ومع
صفر هذه الناحية في وازنتت لكن خرج منها الكثير من المناضلين والدعاة ، والمؤسسات
، واذكر يوم كنا نترنم فيها بالقرآن في خلوة الشيخ / يسن ، ويستمر نهر عندر حتى
يصب ماؤه في نهر عنسبا المعروف .
ولد الأستاذ / محمد طاهر في عام 1957 م ، من والدين كريمين ، كانت لهما
مساهمتهما في خدمة الثورة ، الأم بتجهيزها وإطعامها للمقاتلين حالها حال نساء
المنطقة ، والوالد بمشاركته في اللجان الشعبية ، وتعبئة الجماهير ، ونقل رسائل
الثورة الى داخل المدن ، ونقل أخبارها الى الجماهير ، وقد بدء الطفل اليافع دراسة
القرآن الكريم في خلوة الشيخ / محمد على زرؤوم في قريته ، وبعد تعرض وازنتت للحرق
والتدمير ، تفرغ / محمد طاهر لمساعدة ابيه بحكم كونه أكبر الأبناء ، ولكن الحقه
الوالد بعد سنوات بمعهد ( عنسبا الإسلامي بكرن ) ، ولما اشتدت وطئة المستعمر ،
هاجر ضمن من هاجر الى السودان الشقيق .
الشيخ / محمد طاهر طالب في معهد النهضة الإسلامي بخشم القربة :
بعد وصوله للسودان وجد اغلب اصدقائه قد التحق بمحاجر القطن في حلفا ،
او في حصاد الصمغ في غرب السودان ! أو عمال في المزارع المختلفة ، ولم يعجبه هذا
الحال حيث كانت همته في طلب العلم ، وتوكل على الله ، والتحق بالمعهد في معسكر خشم
القربة ، وواصل تعليمه بهمة ، وعزيمة ، وانكب على المعرفة ، فلم يقف امامه عامل
السن ، ولا صعوبة الظروف المادية ، ولم تثنه ظروف الأسرة الصعبة ، وقد برز هناك ،
وتلقى تعليما متقدما فكرا وسلوكا ، حيث كان المعهد عبارة عن بوتقة تربوية مؤثرة
ضمت خيرة الدعاة الإرتريين الذين كانوا يحملون هم الدعوة ، ومع فارق السن الكبير
بين الطلاب استطاع المعهد أن يخرج طلاب بمستوى علمي متميز ، وقد أثبت طلاب المعهد
كفاءتهم في كل الإختبارات التى خاضوها للقبول في الثانويات ، والجامعات المختلفة ،
وقد تم قبول / محمد طاهر في جامعة المدينة المنورة / كلية الشريعة ، حيث اكمل
تعليمه بتفوق ، وكان كلما يرجع في الإجازات الى اسرته في ودشريفي يقوم بالدعوة الى
الله ، والإهتمام بالشباب .
العودة الى البلد :
وبعد ان أكمل تعليمه الجامعي في المدينة المنورة عام 1992م كانت أمامه
فرص عديدة للعمل في المملكة ، وخارجها ، ولكنه قرر العود الى بلده ، وكان يكرر
دائما ( لو ان كل من تعلم رفض العودة الى بلده لظلت ارتريا من اسوء بلاد الله في
العالم ) ، ولذلك عاد الى ارتريا بكل حماس
، وهمة ، وترك أبنائه في السودان حتى يرتب لهم المنزل ، وقد التحق بمعهد ( عنسبا
الإسلامي بكرن ) ، وفي عام 1994 م جاءته اسرته
ولكن للأسف لم تستمر فرحته بهم طويلا.
الإختطاف والإخفاء القسري :
في ليلة من ليالي عام 1994م هجم جواسيس ومخابرات افورقي على منزل
الأستاذ / طاهر واقتحموا عليه داره ، وخطفوه بالقوة ، واخذوه الى جهة غير معلومة ،
لا يعرف من يومها أحي هو أم ميت ! وقد
اعتقل معه في ذلك العام المئات من العلماء والدعاة والمعلمين ، وكان حالهم كحاله ،
لا يعرف لهم مكان ، ولا ما حدث فيهم !
لقد ترك الشيخ / محمد طاهر / ولدان وثلاث بنات ، وهم كأفراخ لم تنبت
لها ريش ، وقد تحملت ام توفيق تربيتهم ، ورعايتهم ، وظلت طوال هذه السنوات تترقب
ساعة يطل فيها الغائب من فتحة الباب ، اوصوت مبشر بعود الحبيب ، ولكن طالت المحنة
، وتكالب ظلام الليل ، والأبناء يفتقدون الأب ، ويفتقدون الرعاية ، ويفتقدون الحنان
، ويسألون ماهذا الوطن الذي غيب والدهم ، وحرمهم منه ؟ وظلت الأم تعلل الأبناء
بالفرج القريب ، وان الوطن سيظل وطنا ، وان من سجن أباكم ما هو الا نظام مجرم
يحارب الإسلام ، واللغة العربية ، وهذا ما ظل يهون على الأبناء ان أباهم مسجون
بسبب دينه ، وتعليمه لأبناء بلده ، وقد وفق الله ام توفيق على تربية الأبناء
بالرغم من الظروف الصعبة ... حيث تخرخ ابنها الكبير صيدليا ، واواصل بقية الأبناء
دراستهم بنجاح ، وتزوجت احدى البنات ،وقبل عامين وجدت الأسرة فرصة لقبولها كلاجئين
في احدى الدول الأروبية ، وأعتقد ان دعاء الوالد في محنته طوال هذه السنوات كانت
بعد الله تعالى خير معين له بتوفيق الله تعالى .
ولم تكن هذه اول محنة للأسرة مع ( الجبهة الشعبية ) بل سبق ان
إختطفت قبل التحرير بعامين / حامد محمود
مندر/ والد صاحبنا الذي نتحدث عنه ، وكان سبب إعتقاله انه كان من نشطاء جبهة التحرير
الإرترية في المنطقة ، وظل على وفائه لها حتى بعد إستيلاء الجبهة الشعبية في
المنطقة ، ومنذوا ذلك الوقت لم يعرف له
مكان ، وكان هذا كافيا ان لا يعود الشيخ / طاهر الى بلده ، ولكن حبه لوطنه، وهمته العالية
لخدمة دينه كافيان لدفعه الى البلد مع علمه بالمصاعب ، والشدائد الذي كانت تنتظره
.
أسال الله ان يفرج عنه وعن إخوانه ، وأن يردهم الى أهلهم ووظائفهم
سالمين غانمين .
محمد جمعة أبو الرشيد .
01-13-2014
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق