بسم الله الرحمن الرحيم
ادرك نفسك قبل الرحيل
اللهُ - سبحانه وتعالى- خلقنا لعبادته ، ومطلوب منا ان نكون عبيدا
اذلآءَ لهُ ، فلا يسمى العبد عبدا ، الا إذا إذا خضع لسيده ، وعمل كلُّ ما يطلبه
منه سيدَهُ ، ويسعى لنيلِ رضاهُ بكل
وسيلةٍ ممكنة .
فإذا وجدَ العبدُ نفسَهُ تتمرد على طاعةِ
سيِّدِهِ ومَوْلاهُ فعليه ان يسعى لإرغامِهاَ على طاعةِ الله ، وانْ يُجاهِدَهاَ
حتى يأْمنُ شَرَّها ، وإن كنتَ لا تعْلمْ فالنفس كلُّها شرٌ في شرِّ ، وإنْ
جاهدتها واستقامت فهي كلها خير في خير ، والطامة الكُبْرى اننا ندعي خيرٌ في خيرٍ
، ونحن نعملُ عملَ الأشرارِ ، وحتى تستقيمَ لنا أنْفُسناَ في طاعته فعلينا أنْ .
أن نجاهد انفسنا ونتحمل لمرضاة الله ، ما
تحمله المتحملون قبلنا ، فإنَّ الشجاعةَ صبرٌ ساعة ، صبر ساعة في تلاوة خاشعة ،
وصبر ساعة في ركوع طويل ، وصبر ساعة في سجود اطول ، وصبر ساعة في ذكريحيي القلوب
،وصبر ساعة في درس يزكي النفوس ، وصبر ساعة في قيام ليل يشفي النفوس ، وصبر ساعة
في تهجد يرطب القلوب والجلود ، واعلموا ( أنَّ اللهَ مع الصابرين ) فهي معية
الحليم الودود ، فأصبروا معه ، وانتبهوا له ، ولا تغفلوا عنه ، فإن الإنتباهة مفيدة
في الحياة ، ولن تكون بعد الموت الا انتباهة فزع وندم.
كونوا لله ومع الله كما كان له الصالحون من
قبلنا ، وسوف يكون لنا كما كان لهم ، فهم والله ما وصلوا الى ما وصلوا اليه الا
بعصيان نفوسهم ، وطاعة ربهم ،فكانوا ينظرون الى خويصة نفوسهم فيعاتبوها ،
ويعاقبوها ، وإذا وجدوا فيها بقية من الكدر يحتاج الى تطهير اسرعوا اليها ينظفونها
بالتوبة ، ويحلوها بالإستغفار، كانوا يخلصون نفوسهم بالإخلاص قبل ان يسعوا لتخليص
غيرهم بالإرشاد ، وكانوا يحبون الله بأفعالهم قبل لقلقلة السنتهمْ ، كانوا يطيعون
الله في الخلوات اكثر مما يطيعونه في الجلوات ، لم يكن لسانهم يتقي وقلبهم يفجر ،
وباطنهم يخاف وعينهم تخون ،وأعماقهم تصمت ولسانهم ينفث ، توائموا مع نفوسهم ،
فارتاحت لهم انفسُهُهم ، وأثمرت لهم الخير
، وجلبت لهم السعادة ، حتى تمنى بعدهم ان يكون نصيبه في جنة الآخرة ما ذاقه في جنة
دنياهُ.
أيها المتحجج بمشاغلك عن مجالسة مولاك ، لو
ذقت طعم الإختلاء به لرابطت في بابه ، ولأفنيت حياتك في شكره ، ولما حاججته
بالمعاصي ، وتباطأت بمشاغل الدنيا ، ولما وقعت في زلات الهوى ، وشرود الخواطر عن
الله ،بل كنت اشد ما تكون حفظا لقلبك ، ولسعيت اليه بأرجل القلوب قبل أطراف
الأقدام ، ولكنت ارضا وترابا لكلام الله يمطر فيك بقطرات الهدى، فيجرف عنك كدر
المعاصي ، وينبت فيك توحيدا ، وإخلاصا ، وإنابة ، وإخباتا ، وتوكلا ، وطاعة ،
وتقوى ، ومامات ابليس بخروج روحه ، ولكن مات بعصيان ربه ، فلا تكن من الأموات وانت
تدب على وجه الأرض ،فسوق الكذب اسرع كسادا ،وسوق الحق مع غلاء اسعاره اشدُّ بقاءا
، فلا تصاحب نفسك وتطاوعها ان تدخل بك سوق الفجور ، وتبعد بك عن قصور زينها الله
لك وهيئها بالخدم والحور .
كيف اخرج من رمضان مغفورا لي ؟
رمضان دورة تدريبية يتخرج منها المسلم إما
بفلاح ونجاح ، وإما بخسارة وحسرة ، ولن ينجح في هذه الدورة الا من اعرض عن الدنيا
، واقبل الى الله بكليًّتهِ ، ومن اراد ان يخرج حب الدنيا عن قلبه ، فالينظر الى
تقلبها بنا ، فهي تفرح بك ، وبقدومك ، وتزين لك الدنيا وتبهرجها لك ، وكلما نلت
منها شيئا رغبتك في غيره ، وتظل ترفعك من درجة الى درجة حتى تجعل منك إنسانا ماديا
لا ربانيا ، وقاسيا لا رحيما ، ومتكبرا لا متواضعا ، حتى إذا بدات تدوس بأقدامك
رؤوس الأخيار ، إنكسرت بك الدنيا وحطمتك تحت اقدامها ، انظر الى من ملك الدنيا في
زماننا ، وكنز منها الملايين ... أين هم ؟ تخيل وفكر في كل من نهب قوت الشعوب !
وتأمل في حالة من كان يستهزئ بالناس ! وتأمل فيمن كان يستخف بالفقراء والمساكين !
وبعد ان تفكر في حال اهل الدنيا وتقلبها بمن
ملَكَها ، اقْبِل على ربك وكن له ، ولا تكن لغيره ، فالسعادة في : نية صالحة ،
وعبادة صحيحة ، وعقيدة سليمة ، وخلق متين ، وفي اتباع سيد المرسلين .
أخوكم
/ محمد جمعة ابو الرشيد
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق