الجمعة، 5 أكتوبر 2012

الإسلام العالمي يجتمع في تركيا

كلمة مجلة الأمان
   
بعد مؤتمر أنقرة النموذج الإسلامي بات الآن عالميّاً



مهما بلغت حدّة بعض الناقمين والموتورين في حديثهم عن المؤتمر الرابع لحزب العدالة والتنمية التركي، الذي انعقد يوم الأحد الماضي في العاصمة التركية أنقرة.. ومهما صدر من تعليقات لبعض الذين يرون في تقدم الدور التركي في المنطقة وفي العالم تقليصاً أو مصادرة لأدوارهم.. فإن ما لا يمكن تجاوزه هو أن المؤتمر الذي انعقد بحضور اسلامي مميّز، شكل نقلة نوعية بالنسبة للحراك الإسلامي على مستوى اقليمي وسياسي، واسع وايجابي.
فقد كان رجب طيب أردوغان (رئيس الوزراء التركي وزعيم حزب العدالة والتنمية) سيّد الساحة في مؤتمر حاشد شارك فيه ما يزيد على ثلاثين ألف حزبي، بين رجل وامرأة، يمثلون الساحة التركية بشتى تلافيفها. وقد شهد المؤتمر رؤساء دول وممثلون عن أحزاب عربية وأجنبية، كان أبرزهم رئيس جمهورية مصر العربية الدكتور محمد مرسي، ورئيس اقليم كردستان - العراق مسعود البرزاني، ورئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية في فلسطين خالد مشعل، وزعيم حركة النهضة التونسية الحاكم راشد الغنوشي، ونائب الرئيس السوداني علي عثمان محمد طه.. وكان لكل منهم كلمة في المؤتمر.. اضافة الى شخصيات عالمية أبرزها المستشار الألماني السابق جيرهارد شرودر.. وعدد كبير من ممثلي الأحزاب والقوى السياسية التركية.
كان اردوغان نجم المسرح بامتياز، فقد جال في كل أطرافه، كما جال في أنحاء العالم لمدة ساعتين ونصف الساعة، بكى خلالها وأبكى عدداً كبيراً من المشاركين، فوجه التحية الى نيقوسيا ومقدونيا وسراييفو والقاهرة والقوقاز ورام الله ونابلس والقدس والسليمانية ومكة والمدينة المنوّرة وبغداد، والى المدن السورية المجاهدة: دمشق وحلب وحمص وحماه والرقة وإدلب وغيرها، وقد وصف الثوار السوريين في هذه المدن بأنهم «أبطال في حرب الاستقلال»، كما استعاد أسماء عدد من سلاطين بني عثمان أمثال: السلطان سليم الأول، والسلطان سليمان القانوني، والسلطان محمد الفاتح. كما ركّز على رموز الساحة التركية الحديثة بدءاً بعدنان مندريس وتوركوت أوزال ونجم الدين اربكان، كما وجه التحية الى قادة تاريخيين أمثال صلاح الدين الأيوبي وألب أرسلان وجلال الدين الرومي وغيرهم.
شكلت هذه الجولة صدمة لمن كانوا يراهنون على دور محدود لزعامة رجب طيب أردوغان لا يتجاوز فيه الدولة التركية الحديثة ودورها، لكنه جال في كل التاريخ العثماني، وشكر كلاً من الزعماء الضيوف، مما استدعى ترحيباً وتصفيقاً عالياً، لا سيما لمحمد مرسي وخالد مشعل. وقد وصل الأمر بالبعض أنهم اتهموا أردوغان بأنه أقام مؤتمراً للاخوان المسلمين من خلال مؤتمر أنقرة، وأن التنسيق والتعاون والتكامل سوف يحكم علاقات الأقطار التي تحكمها أحزاب اسلامية ذات مرجعية اخوانية، من المغرب الى تونس وليبيا ومصر والسودان، والمنطقة المحررة من فلسطين (قطاع غزة)، اضافة الى تركيا التي يحكمها حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان.. وهذا ما حمل أردوغان على أن يتجاوز المطلب التركي القديم وهو الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، فتركيا اليوم أقوى من معظم دول الاتحاد، وباتت تنأى بنهجها السياسي والاقتصادي عن نهج الاتحاد، وقد عادت اسلامبول لتكون من جديد حاضرة العالم الإسلامي وعاصمته السياسية والثقافية والاقتصادية.. فأين مدريد وأثينا واستوكهولم من الموقع التركي الكبير الجديد؟!
صحيح أن كلاً من هذه الأقطار التي يحكمها الاسلاميون تعاني مشاكل وعقبات اقتصادية وسياسية، وأنها مضطرة لأن تكون غير واضحة في علاقاتها السياسية، نظراً إلى الحصار المفروض على بعضها، وللعلاقات والاتفاقيات السياسية والاقتصادية التي تكبل بعضها الآخر. وكمؤشر لهذه الاشكاليات فقد وجه البعض اصبع الاتهام الى تركيا لارتباطها بحلف شمال الأطلسي، والى مصر لاحترامها الاتفاقيات الدولية ومنها كامب ديفيد، والى تونس لحرصها على السياحة كمورد للاقتصاد، ولا سيما السياحة البحرية الأوروبية، والى السودان لسيادة نظام عسكري فيه منذ ثلاثة وعشرين عاماً.. لكن القوى العالمية الكبرى تدرك حقيقة مواقف هذه الدول من الاتفاقيات أو الشبهات، وهي تضرب أخماساً بأسداس، وتحاول ان تأخذ ضمانات لمستقبل علاقاتها مع الأقطار التي حرّرها الربيع العربي، وأسقط فيها الأنظمة الطاغوتية العميلة. وبالتالي فإن لقاء أنقرة وما سوف يليه من اصلاحات ومبادرات وعلاقات.. سوف يكون له أبعد الأثر في بناء نظام اسلامي عالمي جديد، يقوم على علاقات التعاون والتكامل بدل الخصومة والمشاحنة بين دول العالم. واذا ما تحقق ذلك فأين سيكون المشروع الصهيوني في مثل هذه المعادلة؟!
صحيح أن هناك تباينات ما بين النماذج الاسلامية التي وصلت الى الحكم عن طريق صناديق الاقتراع والتزام أصوات الناخبين بالنهج الاسلامي، بينما اعتمد النموذج الايراني - مثلاً - النهج الثوري الانقلابي، ولذلك فقد أمكن طرد البعثة الدبلوماسية الاسرائيلية من سفارتها في طهران لتحل محلها بعثة تمثل منظمة التحرير الفلسطينية. الاشكالية تتلخص في أن ايران دولة نفطية غنيّة، وان مصر دولة يبلغ عدد سكانها حوالي خمسة وثمانين مليوناً، وقد بدّدت العهود السابقة ثروات الشعب المصري، وبات مضطراً لأن يقترض من الصناديق الدولية وإلا فإن ثورة الجياع سوف تتغلب على ثورة الحريات. والتاريخ وحده سوف يسجل لهذا النموذج أو ذاك قدرته على أن ينتقل بشعبه الى دولة حرة وديمقراطية تلتزم بالاسلام عقيدة وعبادة وسلوكاً ومنهج حياة.
أما مؤتمر أنقرة، فيبقى هو الأول الذي جمع على رؤوس الأشهاد زعماء وممثلي عدد من الأقطار العربية والاسلامية، على مشهد ومسمع من العالم، بأن النموذج الإسلامي الديمقراطي جاهز لقيادة المسيرة، وهو يمثل جماهيره الناقمة على الظلم والاستبداد، التواقة الى الحرية والعدالة والكرامة الانسانية.. وهذا قادم بإذن الله طال الطريق أو قصر. ويسألونك متى هو.. قل عسى أن يكون قريباً.














منقول من مجلة الأمان














   

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013