الاثنين، 5 مارس 2012

قصة دامية



قصة دامية
خرج  ابي في عام 1967 م من ارتريا عندما تم إحراق قريتنا  ، وقتل 3 من اخواني  ، وامي، ووصلنا الى منطقة (قلسا الحدودية ) في السودان منهكين، وجائعين، وخائفين ، وكان كل يوم  صباحا يخرج ابي  مع صديقه ( جمع ) تجاه ارتريا ، فينظرون ضفاف نهر القاش وفي ضفته الأخرى قرية ( 13 ) فكان العم ( همد ود ابراهيم ) يستنشق الهواء ، وكأنه يشم رائحة الدوم الفواح  في ضفاف بركة ، وغابات ( هوميب ) ، وكان صديقه ( محمد جمع ) يسيل ريقه ويقول له : متى اعود الى ( وازنتت ، وباشري وحملمالوا ) وآكل ملحطا ، وحافولي ، ومانقوس ( جاردين مكلاسي ) ؟ ، وبعد أيام قليلة حملتنا اللواري الى مناطق سمسم ، حيث كان يقول الجد ( همد ) خلاص دخلنا في جحر ضيق ، لعله سوف يكون اللحد المنتظر ، وكان العم ( جمع ) يقول :سوف نعود قريبا ،  وبعد مرور عشرين سنة ، رايت عمي يبكي فوق قبر ابي ويقول : بردت روحك واسترحت  أخيرا من عذاب القلب الذي لازمنا  في غربتنا المريرة ) ونظر الي صديقي فوزي جمع وقال لي : ابي كان يقول امس وهو يصلي في جوف الليل يارب ( امنيتي ان ادفن هناك ) معقول ابوي حيموت هنا كمان ؟ فبكينا كالنساء ، بكينا الحي قبل الميت !! ولم تمض 3 ليال فإذا الدموع تتجدد فوق قبر العم (  جمع) . كنا نسير في ازقة المعسكر ، ونستظل في ( رواكبه الهشة ) ونحس اننا غرباء اليوم اكثر من الأمس ، صحيح اننا نرى ابناءنا ، ولكنهم سودانيون ، صحيح اننا نأكل طعاما ولكنه سوداني ، صحيح اننا نلبس ولكنه سوداني ، صحيح نتناقش ولكنها قضايا السودان ، ومع ذلك في مجالسنا وأماسينا نطبخ كلمات من تاريخ الوطن وعاداته لأبنائنا ، ونخلط لهم حليب الإنجازات بدماء الصمود الملونة بدماء الآباء التي ارتوت منها تراب الوطن ، ولكن سيظل عشق الوصف مجرد خيال متوهم .... قلنا مرة لأبنائنا إذا متنا ادفنونا في بلادنا ، فقالوا لنا أين بلادكم ؟ فمتنا ونحن احياء !!! فقلنا لهم هل ممكن ان تدافعوا عن ارض آبائكم وأجدادكم قالوا نعم وبكل تأكيد ، سوف ندخل السرور على اجدادنا ( همد و جمع ) وسوف نقف كل صباح نترحم عليهم ، ونذكر تاريخهم ، فقلنا لهم: هل سوف تنقلون جسمانهم الى ارتريا ؟ فقالوا لنا الطريق ما زال مقفولا ...... ها هم الأحفاد اليوم يسألون أنفسهم هل نخبر ابناءنا أيضا كما كان يفعل اجدادنا وآباؤنا .... هل نخبرهم أن ينقلوا جثماننا الى .... مع آبائنا وأجدادنا ، ام نتركهم خوف ان نكلفهم نقل قبيلة كاملة من الأموات ؟؟؟؟؟؟؟  
وتتواصل رحلة المعآناة وانت احد افرادها ايها القارئ .
متى يمكن يرتاح الإرتري ؟؟؟
محمد جمعة ابو الرشيد

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013