الاثنين، 28 نوفمبر 2011

العرب والقرن الأفريقي


                                                                                                                                            استثمارية وتجارية بين البلدان العربية ودول القرن الأفريقي شريطة مساهمة هذه الأخيرة في حلّ الأزمات والصّراعات الكثيرة في القرن الأفريقيّ.

شركاء في استئصال التطرّف
تحدّث البروفيسور الطيب زين العابدين، مستشار مدير جامعة الخرطوم، خلال الجلسة الأولى من اليوم الثاني لمؤتمر "العرب والقرن الأفريقي: جدلية الجوار والانتماء"، عن أثر الفكر السلفي والحركات المتشدّدة في الاستقرار والتنمية في القرن الأفريقيّ. وأوضح أنّ ظهور التّنظيمات الإسلاميّة حديث في مجتمعات القرن الأفريقيّ، وقد جاء بعد مرحلة الاستقلال عقب الحرب العالميّة الثانية، وذلك عندما بدأ أبناء هذه المجتمعات يطلبون العلم أو العمل في البلاد العربية المختلفة، خاصّة في مصر والسّعودية والسّودان وليبيا. ومن الأفكار والتّنظيمات الحديثة الهامّة التي دخلت إلى منطقة القرن الأفريقيّ أفكار جماعة الإخوان المسلمين، وحزب التّحرير؛ وفي وقتٍ متأخّر، قوى التفكير الجهاديّ التي نهلت من تجربة الجهاد الأفغانيّ ضدّ الاحتلال السوفييتيّ التي شارك فيها بعض مسلمي القرن الأفريقي خاصّةً من الصّومال وأريتيريا والسّودان. وأصبح هؤلاء بعد عودتهم إلى أوطانهم نواة لتنظيمات جهاديّة تعمل لتحقيق أهداف سياسية، ومنهم من ارتبط بتنظيم "القاعدة".
ويرى البروفيسور الطيب أنّ على الدول العربية المساهمة في محاربة الفكر المتطرّف في القرن الأفريقي، من خلال العمل على تعزيز السّلام والاستقرار ووضع أساس التنمية المستدامة في دول القرن، وكذا العمل على حلّ معضلة قيام الدولة الصوماليّة وتسوية خلافات الحدود بين دول القرن الأفريقيّ خاصّة بين أثيوبيا وإرتيريا، وجيبوتي وإرتيريا، وأثيوبيا والصّومال، والسودان وجنوب السودان. ومطلوب من الدّول العربيّة أيضا - بحسب البروفيسور زين العابدين -المشاركة في تأسيس البنية التحتيّة المناسبة في دول القرن الأفريقي التي من شأنها جذب الاستثمار العربيّ للمنطقة؛ وإنشاء المراكز الثقافيّة والبحثيّة التي يتم فيها التّعاون بين دول المنطقتين العربيّة والأفريقيّة؛ وعقد النّدوات والمؤتمرات العلمية المشتركة حول القضايا التي تهمّ الطّرفين؛ وتشجيع تدريس اللّغة العربية في القرن الأفريقيّ والسّواحيليّة في العالم العربيّ؛ ونشر مفاهيم الوسطيّة الإسلاميّة، و
الاعتدال بين شباب المنطقتين.
وخصّص الدكتور محمد أحمد الشيخ، الأستاذ في كلّية ثيكا للشّريعة والدّراسات الإسلاميّة في كينيا، محاضرته لتحليل الحالة الصوماليّة، مسلّطا الضّوء على تاريخ الصراع وأبعاده. وأوضح أنّ انهيار الحكومة المركزيّة في الصومال وتفكّك البلاد إلى ثلاثة أقاليم، في ظلّ غياب عربيّ فاعل أدّى إلى أن تصبح الصومال منطقة نفوذ دوليّ وأثيوبي وكيني بالوكالة. ولفت الانتباه إلى وجود مكتب ممثّل للجامعة العربيّة في الصّومال، إلا أنّ الجامعة لا تقوم بدورٍ يُذكر في إيجاد حلٍّ للصّراع القائم، وربّما يرجع ذلك إلى غياب رؤية موحّدة تتعامل الجامعة من خلالها مع الأزمة الصومالية؛ غير أنّه نظرًا لانهيار الدولة الصومالية في ظلّ تفاقم الخلافات العربيّة بسبب الغزو العراقيّ للكويت، والتحوّلات الجذريّة التي شهدها العالم إثر تفكّك الاتحاد السوفييتيّ، وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية على المشهد العالمي، والاستقطاب الذي حدث داخل المنظومة العربية، وبروز ظاهرة الإرهاب التي جعلت الصومال - وفقا للتصريحات الغربية - مكانا محتملا لاحتضان الجماعات الإرهابية، وغياب قيادات صومالية تستطيع التعاطي مع التطورات المحلية بصورة عقلانية، وتهدئة مخاوف القوى الإقليمية والدوليّة، والاستفادة من انتماءاتها العربيّة والأفريقية بصورة متوازنة؛ جعلت القوى الإقليميّة والدولية المتفاعلة في الشأن الصومالي تبعد الجامعة ودورها من الملف الصومالي، وخير دليل على ذلك ما يقال من أن إثيوبيا رفضت عقد الفعاليات الختامية للمؤتمر الذي بحث الشأن الصوماليّ عام 2009 في المملكة العربية السعودية، وتأييد الغرب لهذا الرّفض.
وقال الدكتور محمد أحمد الشيخ إنّه إذا كانت هناك موانع سياسية لتفاعل الجامعة العربية مع القضية الصومالية، فإنّ فشلها في دعم المؤسسات الثقافية والأكاديمية غير مبرّر، وهو أمر إن لم تتداركه سيؤثّر سلبا في الجهود الشعبيّة التي بُذلت خلال العقدين الماضيين لتعزيز الثقافة العربيّة وتنميتها في الصّومال.
وأوضح الشيخ أنّ المعطيات الحاليّة في الساحة الصومالية تشي بثلاثة سيناريوهات في الفترة المقبلة، وهي إمّا أن تنجح الحكومة الانتقالية في مقديشو في إحداث بعض التغييرات في البنية السياسيّة للبلد، وإمّا أن تتدخّل قوى عربية وإقليمية ودولية في الصّومال وتفرض الاستقرار، وأمّا السيناريو الثالث فيتمثّل في بروز قوى مدنيّة وسياسيّة جديدة متأثّرة بالمتغيّرات الإقليميّة تقوم بإعادة بناء الدولة الصوماليّة على أسسٍ جديدة، قائمة على حلولٍ محلّية وبأجندات سياسيّة لا تستفزّ دول الإقليم والمجتمع الدوليّ.
فرص استثماريّة واعدة أمام العرب في القرن الأفريقيّ
قدّم الدكتور عبد الله حمدوك، المحلل السياسي والاقتصادي الخبير في معالجة تحدّيات التنمية في أفريقيا، محاضرة بعنوان: "الاستثمار العربيّ في القرن الأفريقيّ: التحدّيات والفرص والآفاق". وأكّد أنه على عكس الصورة النمطيّة السّائدة، بأنّ أفريقيا عموما والقرن الأفريقي على وجه الخصوص منطقة أزمات وتحدّيات، فإنها أيضا منطقة الفرص الاقتصادية والاستثمارات وبالذات للدول العربية بحكم الجوار الجغرافي والتّقارب الثقافي، وتنافسها في ذلك القوى الاقتصادية الكبرى مثل الصّين والهند وتركيا والبرازيل التي ترى في أفريقيا المكان الأمثل للاستثمار.
وقال الدكتور حمدوك إنّ على الصّناديق السياديّة العربية والشّركات الاستثمارية اعتماد أساليب مشابهة لتلك التي اعتمدتها الاقتصادات الآسيوية والقوى الاقتصادية في أميركا اللاتينية تجاه أفريقيا.
وتحدّث المحاضر عن المحدّدات الرئيسة للاستثمار الأجنبيّ في القرن الأفريقيّ، ولاسيّما الاستقرار السياسيّ واستتباب السلام والأمن، لإتاحة الفرصة أمام الاستثمار في رأس المال البشري والموارد الطبيعيّة وصولا إلى تحقيق التكامل الإقليميّ.
وأوضح الدكتور حمدوك أنّ القارّة الأفريقية من المناطق القليلة في العالم التي نجت من الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية بشكل جيّد نسبيًّا مقارنة مع مناطقَ أخرى من العالم، حيث حافظت دول القارّة على ​​معدّل متوسّط لنموّ الناتج المحلّي الإجمالي بنسبة قريبة من 5% خلال العقد الأوّل من القرن الحالي. وقال: "على الرغم من أنّ ارتفاع الطّلب على السّلع والأسعار كانت العوامل الرئيسة وراء هذا النموّ المرتفع، إلا أنّ الدول الأفريقية عملت على تحقيق إصلاحات هيكلية مركزيّة عزّزت تنمية القطاع الخاصّ وتعبئة الموارد المحلية، وتعزيز التجارة والاستثمار والتنويع الاقتصاديّ. وقد استفاد الأداء الاقتصاديّ في أفريقيا مؤخّرا أيضا من تخفيف عبء الدّيون، وزيادة المعونة وتدفّقات رأس المال الخاصّ، وتوطيد السلام في العديد من مناطق الصّراع".
وأشار إلى أنّ منطقة القرن الأفريقي لا بدّ وأن تمثّل للدول العربية وجهة تجاريّة ومقصدًا للاستثمار نظرا لما توفّره من فرص استثماريّة كبيرة، ولكن دون إغفال أنه لا يزال هنالك كثير من التحدّيات التي تعيق عملية زيادة معدّلات الشراكة بين العرب ومنطقة القرن الأفريقي لأسباب مشتركة من الطّرفين والتي تبقي القرن الأفريقي بعيدًا - لحدّ الآن - عن مجال الاستثمار العربيّ.
المصالح وراء حروب المنطقة لا التّنوّع العرقيّ

يرى الدكتور كيداني مينجستياب، أستاذ الدراسات الأفريقيّة في جامعة ولاية ينسلفانيا، أنّ القرن الأفريقيّ يشكّل فسيفساء من الثقافات مع التنوّع العرقيّ الكبير على المستويين الإقليميّ وداخل البلدان نفسها، وأنّ المنطقة تعدّ موطنا لنحو 340 لهجة ولغة. وقال في محاضرته ضمن الجلسة الثانية من اليوم الثاني لمؤتمر العرب والقرن الأفريقيّ التي تناولت المحور الأمنيّ الإستراتيجيّ، إنّ السودان (الشمال والجنوب على حدّ سواء) هو الأكثر تنوّعا من بين دول القرن حيث يضمّ 134 لهجة ولغة، تليه إثيوبيا بـ 89 لغة، وكينيا 62، و43 في أوغندا وتسع لغات في أريتيريا، فيما توجد في جيبوتي ثلاث لغات محلية. وشدّد في هذا السّياق على أنّ تنوّع الهويّات، في حدّ ذاته، ليس مصدرا للصراع؛ وضرب مثلا بالصومال الذي يتميّز بانسجام عرقيّ إلا أنه يغرق في حرب أهلية منذ عقدين، كما يتّضح من الحروب الأهليّة في الصّومال.
واعتبر الدكتور مينجستياب أنّ منطقة القرن الأفريقي لا تعاني من أزمة هويّة الجماعات، بل من التّنافس بين الجهات السياسية الفاعلة على السّلطة والموارد، ما خلق تحدّيًا على إدارة الدّولة واستقرارها، وخصوصًا تلك التي تكون في طور بناء الأمّة - الدولة. ولذا فهو اعتبر أنه "عندما تخفق الدول في إدارة التنوّع بشكل صحيح، يصبح التنوّع مصدرا للنّزاعات العنيفة".
وركّز مينجستياب في محاضرته على أسباب الصّراعات في منطقة القرن الأفريقيّ والآثار الرئيسة المترتّبة عن هذه الصّراعات الأهليّة والحدوديّة والانفصاليّة، واستكشاف ما يمكن أن يعتبر النّهج الجديد في التصدّي لهذه التحدّيات. وشدّد على ضرورة إحلال الاستقرار في منطقة القرن الأفريقيّ وأنّ هذه المهمة لن يكتب لها النجاح دون شراكة إقليميّة فاعلة مع القوى الدولية لتثبيت الاستقرار في منطقة القرن الأفريقيّ. 
وفي محاضرته التي تناولت تأثير قيام دولة جنوب السودان في التّوازن الإستراتيجيّ في القرن الأفريقيّ، قال الدكتور عدلان الحردلو، الأستاذ في جامعة الخرطوم، إنّه على الرغم من الجوار العربيّ الأفريقيّ بين دول المنطقة وتداخل شعوبها والتفاعل التاريخيّ الحضاريّ بينها، إلا أنّ جميعها تعاني من توتّرات سياسية وأمنية وأثنيّة وقبلية غالبًا ما تكون سببًا في حدوث نزاعات بين دولها. فهناك نزاعات أثيوبية- صومالية، وصومالية- كينية، وأثيوبية- أريتيرية، وسودانية -أثيوبية، وجيبوتية -صومالية، وأريتيرية- جيبوتية، وجيبوتية- أثيوبية، وسودانية - سودانية. وأوضح أنّ هذه الأوضاع تجعل منطقة القرن الأفريقيّ كلّا مركّبا ومعقّدا من الأمن الإقليميّ الذي تنعكس التداعيات في أيّ دولة فيه على المنطقة بأكملها، لأنّ النزاعات المختلفة تتشابك وتغذّي بعضها ببعض وتنتج عن مواقف معيّنة للسياسات الخارجية التي تؤدّي إلى تفاقم النزاعات بينها.
ولفت إلى أنّ علاقات العرب بمنطقة القرن الأفريقيّ تتمّ داخل شبكة من العلاقات الدولية في المنطقة والشرق الأوسط، وهي تعبّر عن مصالحَ متناقضة مع المصالح الغربية. حيث تعتبر المنطقة محطّ تنافس الدول الكبرى لأهميتها الإستراتيجية ولاعتباراتٍ سياسيّة واقتصادية وأمنيّة وعسكريّة، خاصّة من جانب الولايات المتّحدة الأميركيّة والدول الأوروبيّة التي تهدف إلى عزل الدّول الأفرو-عربيّة عن المنطقة وحرمانها من أيّ نفوذ أو مبادرة لحلّ الصراعات في الإقليم كما يحدث في الصومال اليوم وما حدث في السودان خلال الحرب بين الشّمال والجنوب، عندما أجهضت المبادرة المصريّة الليبية لحلّ النّزاع في السّودان.
ويشدّد الدكتور الحردلو في ورقته على أنّ انقسام السودان أصبح هاجسا لمصر التي بنت علاقاتها وترتيب مصالحها الإستراتيجيّة المائيّة على أساس وحدة السودان، فهي تخاف من تنامي النّفوذ الإسرائيلي في المنطقة وخطورة السياسات المائيّة لدول حوض النّيل بدخول إسرائيل والولايات المتّحدة في توجيه تلك السّياسات، بهدف الضّغط على السودان ومصر والعرب عموما في إطار التنافس بين العرب وإسرائيل في منطقه القرن الأفريقيّ والبحر الأحمر على المستوى الإقليميّ. ورأى أنّ دول الخليج العربية يمكن أن تساهم في توثيق الترابط مع دولة الجنوب السودانيّ عن طريق الاستثمار في المجالات المختلفة في جنوب السودان، ليس لمصلحة الجنوب وحده، وإنّما أيضًا لمصلحة المستثمرين العرب ومصلحة السودان.
وتناول الدكتور ميهاري مارو، رئيس برنامج الوقاية من النزاعات في أفريقيا، حالة إثيوبيا وعلاقاتها بجوارها، باعتبارها إحدى دول القرن الأفريقيّ الأكثر تدخّلا في الصّراعات الإقليميّة في المنطقة، وأكثرها دخولا في صدامات مسلّحة مع دول الجوار.
واعتبر مار أنّ إثيوبيا بإمكانياتها وتكوينها الثقافي واللغوي والديني المتنوّع يمكن لها أن تساهم في تحقيق الاستقرار الإقليمي والأمن في منطقة القرن الأفريقي، مشيرا إلى أنّ إثيوبيا هي نقطة الارتكاز والاستقرار في منطقة القرن الأفريقيّ، وشريك في التنمية والسّلام والأمن على المدى الطويل في أفريقيا والعالم العربيّ.
هيمنة أميركيّة على أفريقيا
كانت الورقة التي قدّمها الدكتور مضوي الترابي، المتخصّص في أبحاث الدّفاع، عن "أفريكوم والقرن الأفريقيّ والقوميّ العربيّ إحدى أهم الأوراق التي قُدّمت في اليوم الثاني للمؤتمر. وأكّد في محاضرته أنّ السّياسة الأميركيّة في أفريقيا ترتبط بعدّة مصالح، فمن الناحية الاقتصاديّة تهدف الولايات المتحدة إلى فتح أسواق جديدة في مناطقَ مختلفة من العالم، خاصّة التي تتّسم بوجود فرص هائلة للاستثمار وأسواق مفتوحة للمنتجات الأميركيّة، والأهمية القصوى بالطبع لنفط القارّة الذي يتركّز حاليًّا في غربها. ومن الناحية السياسيّة ترفع الولايات المتحدة مبدأَي: الديمقراطية، وحقوق الإنسان؛ كركيزتين أساسيتين للسياسة الخارجية الأفريقية، إلا أنّ هذه المبادئ أداة تستغلّها السياسة الأميركيّة لتحقيق مصالحها وليست هدفًا تسعى إلى تحقيقه.
وقال: في سبيل تحقيق تلك الأهداف السياسيّة تعمل الولايات المتحدة على تشكيل نخبٍ جديدة في أفريقيا موالية للغرب عموما وللولايات المتحدة بشكل خاصّ، وهم من تسمّيهم الولايات المتحدة بالقادة الجدد في أفريقيا أمثال ميليس زيناوي في أثيوبيا، وأسياسي أفورقي في إرتيريا، ويوري موسيفيني في أوغندا وجوزيف كابيلا في الكونغو الدّيمقراطي.
وعند تطرّقه للأهداف الأمنيّة والعسكريّة للولايات المتحدة في سياستها الأفريقيّة، أوضح الدكتور الترابي أنها تسعى إلى تحسين قدرة القارّة على التّعامل مع المشكلات الأمنيّة المؤثّرة في الأمن العالميّ بصفة عامّة وفي الأمن الأميركيّ بصفة خاصّة وأهمّها الإرهاب ( بالتعريف الأميركيّ). وفي هذا الإطار بادرت الولايات المتحدة بتشكيل قوّة تدخّل أفريقيّة و قيادة خاصة "أفريكوم" لمواجهة الأزمات استنادًا إلى المبادرة الخاصّة بمواجهة الأزمات الأفريقية. بالإضافة إلى ذلك تركّز الولايات المتحدة على قضايا الإسلام السياسيّ في القارة، وخاصّة بعد تفجير سفارتيها في كينيا وتنزانيا.
ويلفت الدكتور الترابي إلى أنّ الحديث عن "أفريكوم" قلّ في الفترة الأخيرة، نظرًا للأزمة الماليّة والاقتصاديّة الحاليّة، التي فرضت إعادة ترتيب الأولويّات، لكن تركيز أدواتها متواصل، فبعد تنصيب الجنرال وليام وارد رسميًّا كأوّل قائد لـ "أفريكوم" يوم 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر 2008، تتواصل المناورات العسكرية والتمارين المشتركة، وإعادة توزيع وانتشار القوّات بين القواعد العسكريّة في أوروبا ونقاط الارتكاز في أفريقيا، وكذلك زيارات الوفود العسكرية والمدنيّة لأفريقيا، مع تغيير طفيف في البرنامج، تمثّل في تكثيف "العمل الإنسانيّ" للجيش الأميركيّ في أكثر البلدان الأفريقية فقرًا. ويوضح أنّ الدول الأفريقية التي رفضت القواعد العسكريّة (لأنّ ضررها أكثر من نفعها) لم ترفض توثيق التعاون الاقتصاديّ والعسكريّ مع أميركا، فالجزائر تستقبل جنودًا وبوارجَ أميركية للقيام بمناورات وتمارين مشتركة بصفة مستمرّة، وتقيم علاقات عسكرية وأمنية واقتصادية وثيقة مع الولايات المتحدة. أمّا ليبيا فقد "قامت بكلّ ما يجب" لتطبيع علاقاتها مع أميركا وأوروبا. وتستمرّ كذلك المناورات العسكرية في حوض البحر الأبيض المتوسط بإشراف الحلف الأطلسي ومشاركة الكيان الصهيوني إلى جانب كلّ الدول العربية المطلّة على المتوسط (وحتّى غير المطلّة كالأردن)، لأنّ الكيان الصهيونيّ يبقى في كلّ الحالات الحليف الإستراتيجيّ الثابت لأميركا والحلف الأطلسيّ، ويجب فرض حضوره ومشاركته على الجميع.
طمس التنوّع في الثّقافة والهويّة يفجّر أوضاع القرن الأفريقيّ

بعد أن فصّلت جلسات اليوم الأوّل من المؤتمر والجلستان الأوليان من اليوم الثاني المحاور التاريخية والسياسية الاقتصادية والأمنيّة، تناولت الجلستان الثالثة والرابعة من اليوم الثاني المحور الفكريّ الثقافيّ والاجتماعيّ في العلاقة بين العرب والقرن الأفريقيّ.
وجّه الدكتور الباقر العفيف، مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية في الخرطوم، نقدًا للهويّة السودانيّة في تعريف المشترك والفارق بين ما هو عربيّ وأفريقيّ في الذّات السودانية، وهو الالتباس الذي أدّى في الأخير إلى فرض تقسيم السودان، مطالبا السودانيّين في الشطر الشمالي باستعادة اعتزازهم بهويّتهم الأفريقية لأنّ ذلك سيكون جسرا بين العرب والقارّة الأفريقية وليس منطقة القرن الأفريقيّ فحسب.
واعتبر الدكتور العفيف أنّ السودان مثال الدولة المأزومة طوال عقود مضت، فبعض الشّماليّين يصفون أنفسهم بأنهم عربٌ سودانيّون. وهذا يعني أنّهم عرب أوّلا، وسودانيّون ثانيا. وهناك من يقولون إنّهم سودانيّون عرب. وهذا يعني أنّهم سودانيون أوّلا، بيد أنّ أصولهم عربيّة. وهناك الإسلاميّون الذين يعتبرون أنفسهم مسلمين سودانيّين، وقلّة منهم تُقدّم السودان على الإسلام. وهناك من يصفون أنفسهم بأنّهم نوبة مستعربون. والبعض يصفون أنفسهم بأنهم عرب نوبيّون. وقال: هذه الإجابات المتباينة تقدِّم دليلا واضحا على أنّ هناك غموضًا كبيرًا حول الهويّة، وأنّنا لا ندري على وجه الدقّة من نحن.
واعتبر أنّ الحالة السودانية الشمالية تماثل الحالة العربية في فشل ثقافيّ يبلغ حدّ الإفلاس. ولقد أثبتت الأيام أنّ الطبقة الحاكمة الشمالية في السودان لن تتوقّف عن ممارسة النفي والإقصاء لكلّ ما يمثّل "الآخر"، وأنّها لا تتعلّم دروس التاريخ. إذ ما إن انفصل جنوب السودان، وأعلن دولته المستقلّة حتّى ظهر جنوب جديد، هو ما تبقّى من المكوّن الأفريقي في البلاد. وتشتعل الآن حرب في جبهة تمتدّ من دارفور في الغرب وحتّى الحدود الأثيوبيّة في الشرق. وقد تشتعل الحرب بين الدولتين الجديدتين.
ومن جانبه، وفي محاضرته عن العالم العربيّ وشعوب القرن الأفريقيّ في عيون الآخرين، حمل الدكتور ستيف هاورد، مدير برنامج الدراسات الأفريقية في جامعة أوهايو، على الثقافة العربية ونظرتها إلى الأفارقة عموما وحتى إلى أبناء السودان الذين يتشاركون مع العرب في كثير من الخصائص الثقافية واللغوية. واستنكر ما أسماه العنصرية العربية في السودان. وقال إنّ منطقة القرن الأفريقي طوّرت بشكل منفرد أو جماعيّ علاقات متعددة مع الوطن العربي، والسودان وجيبوتي والصومال أعضاء في جامعة الدول العربية، إلا أنّ المنطقة العربية لا تولي اهتماما كبيرا لهذه المنطقة إلا فيما يتصل بمصالحها وأمنها المباشرين. وينتقد الدكتور هارود النظرة الغربية القاصرة أيضا بشأن هذه المنطقة والتي لا ينظر لها إلا على أساس أنها منطقة فقر وجفاف ومجاعات من دون النظر إلى ثرائها اللغوي والثقافيّ والتراثيّ. 
وتحدّث الأستاذ عبد الله البشير، محلّل المعلومات بوزارة الخارجيّة القطرية، عن صورة شعوب القرن الأفريقيّ في كتابات الجغرافيين، مشيرا إلى أنّ الرحّالة الجغرافيّين العرب والمسلمين رفدوا مجلد الحضارة الإنسانية، بمساهمات معرفية أصيلة وعظيمة عن منطقة القرن الأفريقي، ولا تزال مصدرا علميّا مهمّا. ولكنه نبّه إلى أنّ بعض هؤلاء الجغرافيّين استندوا إلى الوصف والتسجيل للمشاهدات الدّقيق والواقعيّ، في حين جنح البعض الآخر نحو الخيال والخرافة. وقال إن ملامح صورة شعوب القرن الأفريقي في كتابات الرحّالة والجغرافيّين تأثّرت بالموروث من الأمم الأخرى كاليونانيين وغيرهم، كما تأثّرت، خاصة عند الرحّالة، بنزعة الإخبار والإبهار، وحبّ إمتاع السامعين وإدهاشهم بالغريب من المشاهد، فامتزج الواقع والحقيقيّ بالخيال والخرافة.
وشدّد الأستاذ عبد الله البشير على أنّ ملامح تلك الصورة عن شعوب القرن الأفريقي، رسخت في المخيّلة العربيّة، بما فيها من سمات، ولا يزال تأثيرها حيّا وممتدًّا حتّى اليوم. وأنّ بناء المستقبل لعلاقات العرب بشعوب القرن الأفريقي، على أسس التّعاون والتكامل، يتطلّب أوّل ما يتطلّب مواجهة الماضي، وقراءته، قراءةً جديدة، عبر إِعمال النقد واستمرار البحث والتّنقيب لتصحيح صورة شعوب المنطقتين في مخيّلة كلٍّ منهما. وهذا ما يحتاج إلى خلق المزيد من المنابر الحواريّة، واستمرار الحوار النقديّ، والانفتاح بين نخب وشعوب المنطقتين.
قدّم الدكتور عبد السّلام البغداديّ قراءة لمجمل أسباب الفشل بناءً على تقرير علميّ يرى أنّ الصّومال والسودان من أكثر الدول فشلا على مستوى العالم، والصّومال بحكم الميّتة لتمزّقها إلى عدّة أقاليم ولا تزال تسود فيها الحرب الأهليّة ولديها صراعات مع دول الجوار، كما أنّ السودان مرشّح ليكون دولة ممزّقة حتى بعد انفصال الجنوب، ولا توجد مؤشّرات حقيقيّة تفيد بأنّ الشطر الشمالي من السودان سيحظى بالاستقلال.
ويقول الدكتور البغدادي إنه يوجد في منطقة القرن الأفريقيّ نحو 200 جماعة ثقافية أثنيّة، وتعيش في مناخ سياسيّ تغيب عنه إدارة التنوّع، فهل اللا تجانس طريق إلى اللااستقرار. تجربة الولايات المتحدة الأميركية وكذلك الهند وتنزانيا، نماذج على أنّ التعدّدية الأثنيّة لا تعني الصّراع، فهذه البلدان الثلاث فيها المئات من الجماعات الأثنيّة لكنها تتعايش في ظلّ نظام سياسيّ مستقرّ. وتنزانيا أقرب دولة إلى منطقة القرن الأفريقيّ وفيها 135 مجموعة أثنيّة لكن لا يوجد فيها مشكلة وحدة وطنيّة، رغم أنها فقيرة اقتصاديًّا، وباستثناء مشكلة زنجبار 1964، إلا أنّ تنزانيا استطاعت إدارة التّعايش. الصّومال دولة متجانسة  لكنها لم تحْظ باستقرارٍ منذ العام 1991، والواضح أنّ إدارة التنوع أهم من السعي نحو الصّهر وفرض التجانس.
منطقة القرن الأفريقيّ إستراتيجيّة من ناحية الموقع الجغرافيّ كما أنّ فيها مؤشّرات لموارد نفطيّة وهي منطقة محطّ تنافس دوليّ، ويوجد في بلدان القرن الأفريقيّ حساسيات داخلية وضعف مستويات الاستقرار وكل ذلك يدور في فلك تدخّلات دوليّة. 
ويلفت الدكتور البغدادي إلى أنّ انتماء النّخب السياسية إلى جماعة عرقيّة أو أثنية معيّنة يؤدّي في تلك البلدان إلى قصْر المنافع السياسيّة والاقتصاديّة على أبناء هذه الجماعة الأثنيّة المسيطرة وتهميش الجماعات الأخرى، وهذا ما يؤشّر على سوء إدارة التعدّدية وفساد الحكم في تلك البلدان والذي هو يسبّب أزمة عدم استقرار متواصلة في منطقة القرن الأفريقيّ، وبالتالي فالمنطقة في حاجةٍ أيضًا إلى ثورة ديمقراطيّة حقيقيّة للاعتراف بالآخر وتحقيق قيم المساواة والمواطنة.
 

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013