الاثنين، 17 أكتوبر 2011

هل اكتملت عوامل الانتفاضة الشعبية في أرتريا مشاهد من الوطن.. صور من مرارات وآلام المواطنين


النصـــــر علــــى الــــــدرب
هل اكتملت عوامل الانتفاضة الشعبية في أرتريا
مشاهد من الوطن.. صور من مرارات وآلام المواطنين
تقرير من داخل الوطن

15 أكتوبر 2011

بقلم باسم القروي

تعال نذهب إلى أرتريا:
 أرض الجمال الخلاب
والخلق الحضاري الجذاب ..
 تعبيرلطيف وصادق كذلك  يقنع به العرسان أنفسهم لقضاء شهر العسل في أسمرا ولتسجيل زيارات سياحية لأهم موانيها مصوع . وبين المدينتين تجد - من المناظر الطبيعية وما تقع عليه عينك من حياة الناس وأخلاقهم وعلاقتهم بسلطانهم  ما يلخص لك الشعب والأرض والتاريخ والحاضر والاقتصاد والسياسة والمعاناة غير الخافية على إنسان هذه البلاد  التي جاهدت من أجل الحرية والاستقلال مدة تزيد عن نصف قرن.
فجمال الطبيعة مسلوب حاليا بسلطان  العباد ، و الأخلاق مشوهة، والرزق محتكر، والمأساة تبدو وكأن بأساء القيامة تعجلت إلى أرتريا ؛ لتجعل المواطنين يلوذون بالنداء الهارب : نفسي نفسي .. ولا أحد يهمه لينقذ أحدا أو يخفف البلاء  على أحد ،  وهو يحصدهم واحدا واحدا . فمتى يتشكل الموقف الجماعي للقيام بالانتفاضة الشعبية العارمة التي تبذل الأرواح وتضحي بكل غال في سبيل التمكين لدولة العدل والدين والحرمات والحقوق يتعايش المواطنون فيها بأمن وسلام.
إن من سنن التغيير الإيجابي أن يكون هناك تسلط سلطاني جبار على الأمة يذيقها البؤس والألم يكبت حريتها ويدمر اقتصادها ويكتم أنفاسها ويقهر حركتها على مناكب الأرض ويقيد جهدها عن  العمل والإنتاج ويعرض حرماتها وأعراضها على الخطر فتبدأ الأمة تتململ من شدة العناء وتتمتم بانينها ثم لا يلبث أن يرتفع الصوت بالألم ويتطور بعد ذلك إلى مجاهرة بطلب الحقوق فينمو إلى اتخاذ مواقف فردية ضد النظام ومن الأفراد  المتضايقين المتوجعين يتشكل الموقف الجماعي فإلى أي حد يعاني المواطن الأرتري من المرارات وهل يمكن أن تكون هذه المرارات تحمل بوادر الثورة الشعبية ضد النظام ؟
فيما يلي تقرير عن مشاهدات وصورتعبر عما يعايشه الناس هناك في أرض الهجرتين من مرارات وآلام الحياة صالحة لتتنامى حتى تكون ظاهرة إيجابية تقوم بواجبها الثوري المرتقب:
إشكالية المواصلات:
من طرف الحدود تبدأ معك مشاهد القسوة الأليمة وتصحبك مثل جلبابك  إلى عمق البلاد ومن أكبر مظاهرها إشكالية المواصلات فمن مدينة إلى أخرى  ومن إقليم إلى إقليم آخر لا يوجد ما يمكن التنقل به غير المواصلات البرية وهي تنحصر على المركبات الخاصة والمركبات المملوكة للدولة وتبدأ قصة العذاب من هنا لتغرس بذرة الثورة من هنا:
المواصلات العامة تتمثل في شركة ( حرات ) الرسمية وهي تمتلك أسطولا ضخما ويدار مركزيا ومقسم حصصا معدودة حسب الأقاليم وتقسم  حصة الإقليم إلى مسارات متعددة وتستوعب المركبة الواحدة ثلاثين راكبا وتتولى الإشراف على محطاتها وركابها إدارة رسمية تعرف محليا بــــــــــــــــ( قطنا) وهي شرطة مسلطة  توكل إليها مهمة تنظيم الناس تتعامل مع المواطنين بصورة قاسية وفجة
 تسهيلات :
تتلقى هذه الشركة تسهيلات كبيرة من الحكومة تتمثل في :
1.     أن سواد موظفيها رسميون ومن طلاب الخدمة الإلزامية ولهذا فهم يتقاضون أجورا متدنية
2.     إنها تحظى بدعم رسمي  بالوقود مجانا ودون الوقوف بالصفوف والتحري الدقيق
3.     أن سوق المواصلات محتكر لصالحها فلا يسمح لأحد استيراد شركات مثلها لمنافستها
ومن هنا تولدت عدد من الإشكاليات التي تزيد من معاناة المواطنين فأين أنت يا                  ( بوعزيزي)؟
 مشكلاتها :
1.     إنها غير كافية  العدد بالنظر إلى حاجة المواطنين المزدحمين ليلا ونهارا في مكاتبها ومحطاتها
2.     تعاني من فساد إداري إذ ليس لها مواعيد محددة تتحرك فيها من المحطات وليس لها إعلام يرشد الركاب بخصوصها وأن موظفيها متضجرون من مهنة لا تدر رزقا كافيا ومتضايقون من جهدهم  الذي يتحرك ضد فطرتهم فلا أحد يشتغل بإخلاص في عمل لا سبيل فيه لسعادة الدنيا ولا يلبي متطلبات الحياة .
3.     كل ذلك يفرض على المواطنين المسافرين الانتظار الممل في المحطات  فإن أتت مركبة هرعوا إليها  حسب الفرصة التي تتيحها  الصفوف والحجز وإن لم تأت هذه الفرصة يبقون رهن الانتظار القاتل يلزمهم فيه المبيت في الموقف والحجز في الصفوف الطويلة
أما كان يكفي المواطن أن يأتي إلى مكتب الشركة - لاستلام تذكرة سفره وانتظار موعده مرتاحا - من مقر إقامته؟ هذا فعل الإدارات الرشيدة في العالم فأين هي من ذلك إدارات الحكومة الأرترية ؟
من خلال المعايشة القريبة تحس أن إتعاب الناس غاية يسعى إليها المسؤلون في هذه البلاد فيستمتعون بالركاب المتعذبين في الموقف المشكلين لأنفسهم حلقات متضجرة وكلما أحست بازيز سيارة تدافعت نحو الأزيز وتزاحمت نحوالمكتب الإداري تتنافس في  الحصول على الفرصة ويستقبلها المسؤول من ( قطنا ) بعصى تقرع الزحمة  وبصوت يرغي ويزبد مهددا وهو نفسه تحس أنه ينطلق من معاناة الحياة التي يكابدها جسمه المنهك وبلامسه الشقية ونعله ( الشدة المشدودة)  فبعد أكثر من عشرين عاما من الاستقلال لا تزال البلاد تعيش حالة نضال تفرض عليها التقشف والمعيشة القاسية  الذليلة.فإلى متى هذا الصبر  الذليل إلى متى ؟
 النقل الخاص :
لا توجد في عموم الوطن شركات منافسة لشركة حرات وإنما توجد بعض المركبات الخاصة بأفراد قليلين من المواطنين وهذه تعاني من إجراءات رسمية طاردة ومن مظاهرها :
1.     الوقود يصرف لها بالتقتير الشديد ولهذا فهو غير كاف للتحرك المريح في تلبية حاجة المواطنين
2.     الحصة القليلة من الوقود التي تعطاها هذه المركبات تتطلب التصديق من السلطة ( المحضار) التي يلزمها إجراء تحري وتدقيق شديدين ينظر فيه  الموظف إلى أوراق المركبة وخط الخدمة وخلو الموقف من مركبات شركة ( حرات) الرسمية
3.     بعد التدقيق اللازم يعطى السائق التصريح بالتحرك ويعطي من الوقود ما يمكنه من السفر لمرة واحدة وللعودة يقوم بالإجراءات نفسها عند ( محضار ) آخر مرابط يحرس الوقود في محطة الوصول.
4.      كل هذه الإدارات تتخذ التعامل القاسي الممنهج مع مراجيعها وكأنها تكره أن يأتي إليها أصحاب السيارات يطلبون الوقود أو يقومون بالمساهمة في حل مشكلة المواطنين المعلقين عن  السفر في المواقف ينتظرون ( حرات ) العاجزة عن تلبية حاجتهم .
أي معاناة هذه التي يعيش فيها المواطن الأرتري ؟
ماذا تفعل أيها السائق-   غير أن تقف محتارا عاجزا - إذا ظهر لك في نصف  الطريق مشوار طوارئ لتشييع جنازة أو إسعاف مريض أو مساعدة  ضحايا حوادث  أو عنت لك فكرة رحلة عائلية  أو مشوار لصلة  الأرحام ؟
معالجات غير طبيعية:
كل ضغط يولد انفجارا ولهذا أخذ المواطنون يبحثون عن حلول لمشكلة المواصلات وهي حلول غير جائزة قانونا وغير مرخصة بها رسميا لكن الواقع فرضها على الناس من ذلك :
1.     تنزيل الوقود إلى السوق السوداء تهريبا ( يهرب من مستودعات الحكومة وأحيانا يصل البلاد مهربا من دول الجوار عامة والسودان خاصة )
2.     شراء الوقود من السوق السوداء بتسعيرة أقرب للخيال وذلك  لندرة الحصول على الوقود المهرب ولمطاردة الجهات الرسمية للمهربين والمتعاملين معهم
3.     الاتفاق مع الركاب على تسعيرة  تذكرة الراكب  بما يتلاءم مع تكلفة وقود السوق السوداء تفوق التسعيرة الرسمية  بـــ80% تقريبا
4.     رضى المواطن بهذه الإضافة الكبيرة في تسعيرة تذكرة  السفر لعلمه بعجز الجهات الرسمية من حل الإشكال
5.     زيادة عدد ا لركاب على المركبة أضعاف العدد المسموح به
6.     تقبل وتفهم المواطن هذا الإجراء سهل من تجاوز الرقابة الرسمية التي تقف في محطات خاصة لمعاقبة السيارات المخالفة بالشحنة الزائدة وجعل المواطنين ينقادون لتوجيهات السائق بالنزول من المركبة قبل محطات التفتيش والصعود إليها بعد محطات التفتيش كذلك وقد يواصل بعضهم ماشين  على أقدامهم إلى المدينة مدة ساعة إذا أحست الأطراف بوجود خطر المتابعة المرورية في أطراف المدينة
7.     ضمن الحلول غير الطبيعية تأتي الاستعانة بعربات ترحيل التراب والحجارة  والعفش وذلك في حالة توقف المركبات العامة أو الخاصة توقفا طارئا يعطلها عن المسير بسبب عطل يصيبها أو وقود ينتهي منها .
فهل تتصاعد المعالجات الشعبية وتتطور لتتجاوزهذه الترقيعات والحلول الآنية إلى إزالة الكابوس السياسي الجاثم فوق ظهورهم ؟
 ظاهرة الرشاوي :
من الطبيعي ان تتولد ظواهر سالبة في المجتمع عندما يوسد الأمر إلى غير أهله ولهذا تجد المواطنين يبحثون عن حلول لمشكلاتهم بكل السبل غير المشروعة من ذلك تقديم الرشاوي لتجاوز تعقيدات الإدارات المعقدة وإجراءاتها المعقدة
 تجد ظاهرة الرشاوي منتشرة في البلاد يدفعها من يريد فرصة الحصول على مقعد في مركبة السفر ومن يريد تمرير معاملة رسمية لدى السلطات ومن يريد ..
وأغلاها سعرا هي الرشاوي التي يدفعها المهاجرون من البلاد فهم يدفعونها لرجال في الحكومة ليغضوا الطرف عن حالات الهروب هذه ويدفعونها لمن يرشدهم إلى الطريق الآمن لعبور الحدود ويدفعونها لمن يلقي  القبض عليهم في الطريق من رجال الأمن والاستخبارات تخلصا من العذاب المنتظر في السجن .
قابلت من المهاجرين من دفع عشرات الآلاف من ( النقفة )- وهي العملة المحلية – لتهريب أبنائه وبناته واحدا واحدا ولتهريب زوجته بمفردها ولتهريب قريب له لينجو بجلده من عذاب السلطان الجائر
وفي المواصلات تكاد الرشوة أن تكون علانية من شدة انتشارها على الرغم من الرقابة الرسمية عليها ملاحقة وعقابا
فرجال حركة ا لمرور يستقبونها لتجاوز المخالفات  المرورية المتعلقة بالشحنة الزائدة والضابط المكلف بالتصديق على أوراق المسافرين يقدم زبونا على زبون  والشخص الموظف لتنظيم صفوف الركاب أمام بوابة بيع التذاكر والحجز يستلم الرشوة ليقوم بالتوقيع العجيب على راحة يد الراكب المسافر للدلالة على أنه يحق له الوقوف على الصف لإتمام عملية الحجز وعلى الراكب المحافظة على هذا التوقيع وإلا فاتته الفرصة ومن فاته هذا التوقيع  يظل كاسف  البال أسيفا بل قد يتعرض للقرع بعصى غليظة يسلط بها عليه هذا الموظف ( من قطنا)  بدعوى تنظيم الصفوف
ولأن موعد السفر غير معروف لجهالة موعد وصول السيارات ( حرات)  يظل الناس في الموقف صفوفا صابرة بائسة تعالج مضار الشمس أو البرد والتعب وطول الوقت بحجز المواقع بالحجارة والكراتين.
 ومنظر أكوام المواد الحاجزة يمتد مد البصر ولولا انتظامه على خط  لصدق أن يوصف بأنه قمامة ولأهميته الكبيرة نهض بعض الشباب العاطلين لحجز مواقع فيه متقدمة يسبقون إليها غيرهم ليلا بغرض بيعها على الركاب الراغبين في السفر والعاجزين عن الوقوف في الصف الطويل أوالمتثاقلين عن السهر في الموقف .
هذا الإجراء يستوي فيه المواطنون والأجانب والمرضى والمعافون والنساء والرجال فلا اعتبار لأي حالة إنسانية تستحق الشفقة والمساعدة . والرشوة – قبل سعر التذكرة - تصل  100 نقفة من أجل الحصول على التوقيع على راحة يد المسافر المحظوظ في حين أن تذكرة السفر أقل منها بكثير كما تظهره المقارنات التالية:
 مقارنة بين أسعار التذاكر
التسعيرة الرسمية لتذاكر السفر محددة وينزل عقاب رادع على مخالفيها لكن ظروف الحياة جعلت المواطنين يتجاوزون التسعيرات الرسمية فيدفعون للمواصلات الخاصة تسعيرة أعلى يتم الاتفاق عليها بين الراكب ومالك السيارة وهذه مقارنة نموذجية بين التسعيرتين وهي غير متضمنة مقدار رشاوي الحجز  :
أسمرا – كرن = 26 نقفة والسوق السوداء في مركبات تعرف بــــ  ( قلي)أي خطف : 50 - 100- 150 نقفة ( تحمل هذه المركبة  26 راكبا ) وهذا الخطف حقيقة  لا مجازلأن المركبات الخاصة تتقاضى تسعيرة غير مرخصة فهي تخطف وتهرب وتتحايل على الجهات الرسمية  باتفاق بين مالكي  المركبات الخاصة والركاب ولها سماسرة يأتون إلى الموقف وإلى حيث يوجد الركاب يحرضونهم على الاستفادة من خدمة ( خطف) ويبرمون الاتفاق على سعر التذكرة وعلى طريقة التحايل على جهات الرقابة الرسمية.
وسيارات الخطف هذه تتحرك منافسة لسيارات الحكومة في مختلف المسارات متجاوزة الأسعار الرسمية والاحتكار الرسمي وعلى سبيل المثال :
أسمرا- مصوع : 26 نفقة للتسعيرة الرسمية ( حرات) والسوق الموزي( خطف) : 50 – 100 نقفة
كرن - حقات : 9 نفقة والموازي يصل إلى 50 نقفة
كرن - تسني : 82 نفقة والموازي : 150-250 نفقة
 بوابات الحبال العسكرية :
يجد الزائر أن البلاد مدارة بسياسة الجبر والقهر ومن أجل تشديد قبضة السلطان تجد عند مدخل ومخرج  كل مدينة حبلا معلقا بين سارتين يغلق به الطريق يحرسه عساكر يصل عددهم إلى ثلاثة أشخاص يستظلون بعش من القش متهالك أو شجرة على طرف الطريق وهم بجوار معسكر للجيش ومهمتهم إيقاف المركبات العابرة وتفتيشها بحثا عن كل شيء مهرب وقائمة المهربات تشمل الناس والبضاعة والأشياء الثمينة والحقيرة فكوم فحم وحزمة حطب صيد مهرب مثل شاب مهاجر إلى خارج الوطن أو بضاعة مهربة إلى داخل الوطن
حراس البوابة ملابسهم عسكرية رثة متسخة وأقدامهم ترتدي ( شدة) - وهي نعل بلاستيكي  خفيف صاحب الثورة قبل التحرير ولا زال ساري المفعول وله مجسم في أهم الشوارع في أسمرا يتربع شامخا والمواطنون يمرون من تحته.أذلاء -  وأجسامهم نحيلة لم تر أثر نعمة الاستقلال والمعاناة الشديدة بادية على كل الجنود فالمواطنون ينظرون إليهم ببغضاء لكونهم حماة السلطان الجائر وأداته السيئة والحكومة لا تقر لهم بفضل ولا تفيض إليهم بخير ولهذا فمن المألوف أن تجد جنديا يقف في الطريق ليسافر من مدينة إلى أخرى فلا يجد رحمة من أصحاب المركبات الذين يتركونه وهو يلوح بيده وبماله ليركب كما يركب الآخرون . والحكومة ليست بقادرة – وربما ليست براغبة - لتوفير وسيلة نقل لجنودها إلا في حالة الحرب
إذا دخلت أرتريا عن طريق السودان- بوابة كسلا-  يبدأ معك (الحبل ) المحروس من قرية  14 ثم يواصل حتى ينتظرك في مدخل مدينة  تسني والمخرج منها وكذلك الحال في منطقة ( ألبو) وكرن ( رفعت الآن) - وكان هو أشد الحبال العسكرية لكونه يطالب بتعبئة استمارة معلومات  للركاب بينها عنوان المضيف في محطة الوصول الأخيرة ويشترط ان يكون شخصية معروفة لدى السلطة يرجع إليها عند الحاجة-  والعاصمة أسمرا (رفعت الآن ) والميناء مصوع  وبقية الخطوط والمسارات مثل ذلك وإن كان قد طرأ عليها التخفيف  من المجاهرة الاستعراضية بها في الآونة الأخيرة نسبة للاستغلال السيء لها من قيادات الجيش الذين اتهموا بالاستفادة من الجبايات الظالمة.
 معاناة الفنادق  :
نتيجة للمعاناة الشاملة في البلاد تجد صفات مشتركة في معظم الفنادق الشعبية في أرتريا من بين هذه الصفات أن ساكنها يسهر من لسعات البراغين - وهي حشرة مؤذية قراصة مصاصة الدم تعرف محليا بــــــ " كتان" - وتنعدم فيها النظافة  والأسرة والملايات قديمة كما أن الغرفة الواحدة تشتمل على عدد من الأسرة قد تصل أحيانا عشر سرر فلا توجد فيها خصوصية للزبون، ولغة التعامل فجة وقاسية وشبه صارخة بين الزبون وموظفي الفنادق فالأول يريد خدمات حقيقية وضرورية من ماء وكهرباء ونظافة وخصوصية مقابل ما يدفعه من أجرة والآخر لا يجد قدرة على تلبية مطالب الزبون لأن توفير الكهرباء من واجبات السلطة وهي مقصرة والمولدات الكهربائية الخاصة تحتاج إلى وقود وهي لدى السلطات الرسمية محتكرة يجر كل ذلك إلى جدال بين الطرفين وصراخ وعراك ولهذا ينعدم في هذه الفنادق التعامل الحضاري الراقي وتحس أن كل شخص يعتصر معاناة خاصة به ولهذا ينفجر كل أحد ضد كل أحد سوى الانفجار ضد الحكومة وإن هذا ربما قد اقترب أوانه !
ظاهرة الضجر العام والصراخ السلبي :
ظاهرة عجبيبة توجد في الوطن وهي أن السواد الأعظم من المواطنين تجدهم في حالة من ضجر عام يديرون  علاقاتهم البينية بالصراخ السلبي دون مبرر ظاهر  تجد ذلك بينا في أقل المواقف احتكاكا بين مواطن ومواطن وبين مواطن وجهة رسمية وبين أصحاب المهن وتنمو الحدة بين الأطراف أحيانا كثيرة إلى شجار قد يصل إلى التشابك بالأيدي  يحسم بقرع عصا الشرطة الرادعة ويبدو أن هذه الظاهرة ناتجة عن معاناة الحياة القاسية التي يعيشها المواطنون منذ الاستقلال حتى الآن فالآلام ليس غريبا أن تولد أخلاقا سلبية لذوي الأوجاع المادية والمعنوية وإذا وضع القدر في النار قد يصل الماء إلى درجة الغليان ليحرق الأخضر واليابس.
 معاناة الموظفين :
موظف الخدمة المدنية يعاني كغيره من المواطنين من الحياة القاسية وذلك لأن معظم الموظفين من طلاب الخدمة الوطنية الطويلة الأمد وهؤلاء مفروض عليهم أن يشتغلوا للحكومة بلا مقابل وأعمارهم :15- 20 عاما تجدهم في الجوازات والمستشفيات والمدارس والإدارات المختلفة كما تجدهم في الجيش والشرطة والاستخبارات ..
ولا احد من بين هؤلاء تجده راضيا عن حياته ولا أحد مؤديا واجبه بكل إخلاص بل وليس من بينهم من له القدرة لحلحلة مشكلات المواطنين بقرار ذاتي أو بلوائح إدارية وقوانين توضح الحقوق والوجبات في الخدمة المدنية
ولهذا تتراكم المشكلات في الإدارات فالموظف الصغير لا يملك سوى تعليمات محدودة مطلوب منه أن يتعامل مع المواطنين من خلالها فإذا ظهرت للمواطنين مشكلات تتطلب معالجات خارج التعليمات يقف حائرا ولهذا يفرض على المعاملة الانتظار حتى يراجع بها الموظف الكبير المحروس بالحجب من موظفي الخدمة الصغار السن واالتجربة ويظل المواطن مرابطا مترددا أمام المكاتب الإدارية ينتظر حل الألغاز بين الموظف المباشر ومديره الأعلى ولا يوجد قانون يقف مع المواطن ولا قانون يهتدي به الموظف غير الإجراءات والتعليمات االصارمة التي ربطت كل معاملات المواطنين بالسلسلة الأمنية والاستخباراتية التي تبدأ من محل إقامة المواطن حتى تصل إلى إدارة  الإقليم الذي ينتمي إليه  ويظل المواطن صاحب الحاجة يتردد بين مختلف مستويات الإدارات الأمنية من أجل الحصول على معاملة خدمية سواء كانت سفرا للخارج أو مصلحة في الداخل كترخيص هاتف جوال مثلا .
 ونسبة للتعقيدات الإدارية والأمنية وما يتطلبه واجبها المتحرري المدقق من إجراءات تتباطأ المعاملات وهذا يسبب زحمة من المواطنين شديدة وأليمة مرابطة في بوابة الإدارات الخدمية . ومما يزيد المعانات أن الجهات الرسمية ربطت معاملات المواطنين بأجهزة الحاسوب في معظم أنحاء الوطن والحاسوب لا تتوفر له الكهرباء فينقطع أياما والمولدات الكهربائية البديلة لا يوجد لها وقود ولهذا يلزم المواطن أن يتقاسم مع الموظف ألم ا لانتظار القاتل .
 معاناة الراتب :
إن مرتبات الموظفين في القطاع العام يتراوح سوادها الأعظم ما بين 500 – 1200 نقفة  وأن الأجر اليومي الذي يمكن أن يتحصل  عليه العامل العادي يتراوح ما بين  30 – 40 نقفة فهل يكفي ذلك لإعالة أسرة يتكون متوسط عددها في أرتريا من 8 أفراد تقريبا
وبالنظر إلى واقع المعيشة نجد أن الحد الأعلى من راتب ا لموظف ( 1200 نقفة) يكفي لمدة ستة أيام فقط لأسرة مكونة من ثمانية أفراد تستهلك في اليوم  مع التقشف الشديد ( وجبة واحدة فول)  : 208 نقفة بواقع ستة وعشرين نقفة يوميا لطلب فول واحد في المطعم فكيف حال هذه الأسرة إذا أضافت في مصروفاتها ثلاث وجبات فول فقط لتصبح المصاريف : 26 نقفة وجبة فول × 3 وجبات يومية للشخص  الواحد = 78  نقفة × 8 عدد أفراد الأسرة : = 624 نقفة يوميا × 30 يوما = 18720 نقفة شهريا  . ومن هنا كان التضجر والألم والصراخ الذي يعيش عليه المواطن وضعا مبررا فهل يتحول إلى ثورة؟.
وهذه قراءة لواقع الأسعار بالبلاد تبين حجم  الغلاء الساحق الذي يطحن المواطنين ويجعلهم في حالات نفسية شاكية منفجرة بكل الاتجهات :
1.     كيلو سكر : 60-70 نقفة
2.     كيلو بن :280 نقفة
3.     ربعية ( اسم لمكيال محلي ) الذرة : 70 نقفة ( وجبة واحدة لأسرة تتكون عشرة أفراد)
4.     ربعية القمح : 110 نقفة
5.     جالون زيت الطعام : 280 نقفة
6.     كيلو جرام لحم  ضأن أوماعز:75 نقفة
الأسعار في المطعم :
1.     طلب كسرة ( زقني ): 40
2.     الفول : 26 نقفة
3.     شاهي :3 نقفة
تجارة مؤلمة :
من المألوف أن تجد زحمة ا لنساء العاريات الكاسيات ( النصارى خاصة والاعمار بين 17 – 50 عاما )  في كل ناحية : المواصلات والأسواق والمقاهي والمطاعم ( خاصة في الخط : بين أسمرا – تسني ) هؤلاء النساء والفتيات لسن  عناصر إغراء وإغواء وإنما أجبرهن ضيق المعيشة إلى تشكيل هذه الزحمة المتاجرة على الرغم من الحظر الرسمي لمثل هذه التجارة غير المرخصة
يغلب على هؤلاء النساء والفتيات أنهن مجهدات مرهقات من عناء السفر وكد العمل المهرب فهن يتحركن بالمواصلات بين المدن نشطات في تجارة كميات مهربة  ضيئلة من البضائع لا تستحق أن تشمر السلطات في مطاردتها يأتي في مقدمتها الذرة بأنواعها وملابس الأطفال وأحذيتهم  البلاستيكية خاصة ( رطب ) وملابس نساء وأحذيتهن البلاستيكية والمشروبات الغازية ( إنتاج شركة معاوية البرير بالسودان )  وتتحرك هذه التجارة المهربة بالمواصلات العامة توزيعا على الركاب حتى تتناثر بحيث لا تشكل مظهرا تجاريا خوفا من المصادرة والركاب عادة يتعاونون تقديرا لظروف النساء التاجرات  وأصحاب المركبات متعاونون كذلك تعاطفا معهن أو حرصا على الأجرة المدفوعة .
السلطات الرسمية من جهتها تدرك هذه الحيل  ولهذا تسلب كل بضاعة مشتبه بها فليس غريبا أن تجد أكواما من حزم الحطب أو أكياس الفحم  وبضائع أخرى جمعت من المواطنين عند محطات التفتيش ويتعرض حاملوها إلى مؤاخذات رسمية قاسية
 تزوير رسمي
على الرغم من بروز حقيقة معاناة المواطن في أرتريا التي يتحدث عنها هذا التقرير الواقعي تنكر الجهات الرسمية وجودها فلا تتعرض لها في الإعلام ولا تصرح بها في المناسبات والاجتماعات كما  تتعالى على التقارير الأجنبية التي كشفت هذه الحقيقة ومبالغة في التضليل يصرح رئيس الحكومة الأرترية أسياس أفورقي بأنه يملك من الإمكانات الفائضة عن حاجة المواطنين ما يقدمه دعما للصومالوبمثل هذا التزوير تضلل المواطنين وسائل إعلام الحكومة الأرترية ومسؤلوها  وبعثاتها الخارجية.
ادراك المواطنين :
يدرك المواطنون التضليل الرسمي ولهذا أخذوا يبحثون جادين عن مخرج من الأزمة ولهذا يوجد في الداخل رأي يتشكل بنضج كبير انتزع من قلبه سلطان الخوف ومد أعناقه إلى التحرر والانعتاق ولهذا السبب تجد أغنية ( تم ) للفنان حسين محمد علي  يتداولها المواطنون بصورة وانسعة عبر الهاتف النقال ويدمنون سماعها وإذاعة المعارضة الأرترية لها من يتواصل معها من داخل الوطن وتوجد محلات خاصة لاستماع باقة قناة الجزيرة رائدة الثورات الشعبية العربية وإن الصبر الطويل الذي يتحلى به المواطنون في مواجهة المحنة القاسية التي فرضها عليهم سلطانهم لن يطول حبله لأن الأحوال المعيشة أصبحت فوق الطاقة وإذا أتي المواطنون في قوتهم وحياتهم فلا يبقى لهم غير الفرار من الموت إلى الحياة  عبر الثورة الشعبية .
باسم القروي
السبت 15 أكتوبر عام 2011م

هناك تعليقان (2) :

  1. حقيقة مقال كأنه كمرا تصور سوءة الوضع العاري والبئس الكابح ، شكرا لزعيم الإعلام الأرتري والكاتب المتميز

    ردحذف
  2. هذا الكاتب مبدع فى تصوير الحقائق اتمنى له مستقبلا مشرقا

    ردحذف

جميع الحقوق محفوظة لمدونة . 2013