في رحيل المناضل
/ عثمان حسن حيدر
غيب الموت ظهر يوم
الاثنين 9 مايو 2016م العم المناضل / عثمان حسن حيدر، أسأل الله أن يجعل مسواه الجنة
انشاء الله ويلهم اهله الصبر والسلوان.
رغم فارق السن، جمعني
بالعم عثمان الهدف الواحد والمصير المشترك، عرفته رجلا مطلعا ، واعي، ذو علاقة واسعة
ومتفاعل مع محيطه، يتمتع بالهدوء، قليل الحديث دقيق في ما يقول ومناضلا صلبا لا يهاب.
تعرفت عليه في اواخر الثمانينات القرن الماضي آبان فترة النداء الوطني، فترة حصم مسيرة
الكفاح المسلح لصالح الشعب الارتري وانتزاع الاستقلال من أثيوبيا.
كان يحدثني المناضل
عثمان حيدر كثيراعن نشاطه في صفوف حركة تحرير ارتريا، ثم تجربته مع الثورة الارترية
بعد اعلان الكفاح المسلح، ومن بين ما حدثني عنه تلك العملية الجريئة التى قام بها مع
مجموعة من رفاقه داخل أديس اببا يوم إنعقاد قمة تاسيس منظمة الوحدة الافريقية.
لدهشتي لما سمعت
منه كنت الح عليه أن لا يترك تلك التضحيات من اجل الوطن حديث الصالونات بل يجب على
الاجيال أن تعرفها ايضا. في فترة عملي مسئولا للاعلام في الجالية الارترية بجدة نظمنا
ندوة بمناسبة انطلاق الذكرى 46 للكفاح المسلح عن دور الجماهير
في مسيرة الثورة
وطلبت من المناضل عثمان حيدر ان تكون مشاركته بتسليط الضوء على عملية اديس اببا الذي
وافق عليها لشدة الحاحي عليه.
في تلك الندوة تحدث
المناضل عثمان عن تفاصيل تلك العملية التى ادهشت الحضور كونها وقعت في عقر دار العدو
وفي ظل أمن شديد وحضور سياسي كبير، لتعميم الفائدة بعدها بأيام طلبت من الزميل الأستاذ/
حسن إدريس عضو هيئة التحرير أن يلخص ما جاء في حديث عم عثمان من واقع شريط الفيديو
الذي تم تصويره. ذهبت الى المناضل عثمان لاطلاعه على المسودة واستئذانه لنشرها في مجلــة
" الصدى" لسان حال الجالية الارترية بجدة، لكنه اعتذر عن ذلك بقوله
" اتفقت مع المناضل/ محمد سعيد ناود أن تنشر تفاصيل هذه العملية ضمن كتابه القادم"
لكنها للاسف لم ترى النور، وحتى لا تصبح مثل تلك التضحيات الكبيرة والعمليات الجريئة
حبيسة الادراج ويطويها النسيان، اراها من الواجب علينا نشر حديث تلك الندوة تخليدا
لذكراه وليطلع عليها كل مهتم.
فإلى أجواء تلك الندوة
وحديث المناضل / عثمان حسن حيدر رحمه الله،
اعتلى استاذنا المناضل/
عثمان حسن حيدر صوب المنصة بمناسبة انطلاقة الكفاح المسلح للشعب الارتري ، ليحكي تجربته
النضالية كاشفا عن صفحات مطوية في نضال شعبنا السياسي بلغة تبحث عن التوفيق في مضمون
الكلمة والحدث واضعا جمهوره ومستمعيه في حقب النضال السياسي.
حقبة الأربعينات
: نشأت الأحزاب - ظهور حزب الرابطة الإسلامية وحزب حب الوطن وزخمهما في الساحة الارترية.
حقبة الخمسينات
: تجلت فيه مخططات التقسيم - مسلمين ومسحيين، منخفضات ومرتفعات – (دوليا) – وظهور حزب
الاندنت والوحدة مع إثيوبيا ( محليا) .
هذه المحطات كانت
مخاضا لظهور حركة تحرير ارتريا متمثلة في سمات هذا الشعب وصمود أرضه . حيث التحق مناضلنا
بها وهو في المرحلة الثانوية في مدينة اسمرا.
هذه التفاعلات السياسية
تمحورت لتولد حدثا مهما في المسيرة وبشفافية الكلمة وعفوية السرد وإتقان الذاكرة يقول
مناضلنا عن العملية التي قام بها :
"
كلفت من التنظيم
–ومن بينهم الشهيد/ صالح إياي، بأن أسافر أنا وزميلي ( إبراهيم إدريس بليناوي) إلي
أديس أبابا وذلك لتوزيع المنشورات السياسية باللغات الثلاثة – العربية – الانجليزية
والفرنسية، ضد المشروع الأثيوبي بإلغاء الفدرالية والضم وذلك في عام 1963م.
في تلك الأثناء كان
انعقاد مؤتمر القمة الأفريقي ( لتأسيس منظمة الوحدة الأفريقية في عام 1963م) ، وصلنا
إلي أديس اببا وقد قمنا بتوزيع المنشورات حسب الخطة في السفارات المعتمدة في إثيوبيا
بدءا من السفارة الصومالية .
في تلك الفترة كان
أخي محمود حسن حيدر يعمل كمدير للخطوط المصرية في مدينة اسمرا، وقد علمت بأنه سوف يكون
في استقبال الطائرة المصرية المقلة للوفد المصري بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر- لحضور
المؤتمر الإفريقي بأديس أبابا. وقد استفدت من وظيفة أخي بالخطوط المصرية وفي غير علمه
ارتديت بدلته الخاصة بالخطوط المصرية بالرغم أنني كنت أطول منه قامة وقد كان قدم بنطلونه
قصيرا ومرفوعا- ساقي .
ولكني لم أبالي تسللت
من الباب الخلفي للطائرة.
دخلت الطائرة حيث
وجدت الوفد المصري وكنت ابحث عن الصحفي القدير الأستاذ/ محمد حسنين هيكل، ولكن وجدت
مجموعة من الصحفيين علمت فيما بعد كان من بينهم الأستاذ/ يوسف السباعي والأستاذ/ احمد
بهاء الدين والأستاذ/ احمد رجب وغيرهم ، أخبرتهم بأنني ارتري ومعي رسالة من الشعب الارتري
للزعيم عبدالناصر وللشعب المصري محتواها بأننا ضد مشروع الضم الإثيوبي ونطالب بحق تقرير
المصير.
لاحظت في أعين الوفد
المصري علامات الدهشة من تصرفي والقلق في حياتي، ولكن تعاطفوا معي وتعاملوا معي بلطف
واستلموا مني الرسالة و وعدوني لتسليمها للرئيس عبدالناصر وطلبوا مني عدم النزول خوفا
من الاعتقال والبقاء معم ، وعلى ما أذن حينها كان الرئيس عبدالناصر في الدرجة الرئاسية
بالطائرة .
بعد ذلك كما صعدت
الطائرة خلسة نزلت منها بنفس الطريقة مخترقا صفوف الحرص الامبراطورى ورجال الأمن الأثيوبيين
المدججين بالسلاح في الوقت الذي كان فيه الإمبراطور يستعد لاستعراض طابور الشرف مع
ضيفه.
بينما أنا مغادر
خارج أسوار المطار مترجلا في تلك الأثناء شاهدني أخي بالبذلة فأغمي عليه من شدة الهلع
والإحراج واعتذرت له عن ما بعد.
ذهبت إلي السيارة
التي كانت تنتظرني خارج المطار وبها زميلي في العملية وسرنا بعيدا صوب الفندق – وفي
أثناء الحديث حاولت إن اعرف مهمة زميلي في هذه العملية – فاخبرني بأن مهمته كانت بتصفيتي
في حالة وقوعي في الاعتقال أو الأسر بيد ألأثيوبيين وذلك حفاظا للسرية.
بعدها توجهنا إلي
الفندق وغيرنا ملابسنا ، ثم نزلنا وذهبنا إلي السفارة الجزائرية، حيث قابلت المسئولين
الجزائريين في السفارة وأخبرتهم بأننا لنا رسالة من الشعب الإرتري للرئيس احمد بن بيلا
وللشعب الجزائري . تسلموا منا الرسالة وقد عانينا كثيرا في فهم اللهجة الجزائرية –
ولكننا وصلنا المعلومة.
وقد طرح الوفد الجزائري
القضية وناقشها في المؤتمر – وكان يعتبر ذلك تتويجا للعملية.
أما لذكرى الاستقلال
لي مفارقات مع التاريخ – فزواجي كان يوم 24 /5/ 1960م – وميلاد ابني صالح كان بتاريخ
24/5/ 1964م – واستقلال ارتريا الحمد لله تم بتاريخ 24/5/1991م. "
إذا تلك العملية
الجريئة إن دلت إنما تدل على صمود المناضل الارتري وإيمانه بقضيته والتضحية من اجلها
بعنفوان الثوري وحنكة المناضل السياسي.
منقول من عونا
كتب: عبدالقادر حجي
ابراهيم حمدان – جدة
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق